فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب النوم قبل العشاء لمن غلب

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ)
قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً انْتَهَى وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ عِلَّةَ النَّهْي خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَافَقَهُ بن السَّكَنِ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَقَدْ تَعَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وبن السَّكَنِ وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْمَذْكُورِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الْآتِي فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا أَيِ الْمُحَادَثَةُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرٍ مَطْلُوبٍ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ فَيَخْرُجُ وَقْتُ الصُّبْحِ وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَولُهُ بَابُ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ فِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ مُخْتَارًا وَقِيلَ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَرْكِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ رَقَدَ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ غَلَبَهُ النَّوْمُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَبَيْنَ مَنْ غَلَبَهُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ مَثَلًا لَكَانَ مُتَّجَهًا



[ قــ :554 ... غــ :569] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَخُو إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَيُعْرَفُ بِالْأَعْشَى .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُصَلَّى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بِالْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّاوُدِيُّ لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ إِلَّا سِرًّا.
وَأَمَّا غَيْرُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ مِنَ الْبِلَادِ فَلَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ دَخَلَهَا .

     قَوْلُهُ  وَكَانُوا أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي هَذَا بَيَانُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَالَ صَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ أَخَّرَ الصَّلَاةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُعَارَضَةٌ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَائِدَةٌ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَة يُونُس عَن بن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ بن شِهَابٍ وَذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَنْزُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ وَذَلِكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ وَقَولُهُ تَنْزُرُوا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ تُلِحُّوا عَلَيْهِ وَرُوِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ زَايٌ أَيْ تَخْرُجُوا





[ قــ :555 ... غــ :570] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ هُوَ بن غَيْلَانَ .

     قَوْلُهُ  شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا هَذَا التَّأْخِيرُ مُغَايِرٌ لِلتَّأْخِيرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ الْمُقَيَّدِ بِتَأْخِيرِ اجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّاقِدُ مِنْهُمْ كَانَ قَاعِدًا مُتَمَكِّنًا أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا لَكِنَّهُ تَوَضَّأَ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ اكْتِفَاءً بِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ قَوْله وَكَانَ أَي بن عُمَرَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَخْشَ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا رَقَدَ عَنِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَيَأْمُرُ أَنْ يُوقِظُوهُ وَالْمُصَنِّفُ حَمَلَ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى مَا إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ وَهُوَ اللَّائِق بِحَال بن عمر قَوْله قَالَ بن جُرَيْجٍ هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ مَحْمُودٌ عَن عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ بِالْإِسْنَادَيْنِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ وَعَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ الصَّلَاةَ زَادَ فِي التَّمَنِّي رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَاضِي .

     قَوْلُهُ  وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى رَأْسِي وَهُوَ وَهْمٌ لِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مِنْ هَيْئَةِ عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ مِنَ الْمَاءِ وَكَأَنَّهُ كَانَ اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ .

     قَوْلُهُ  فاستثبت هُوَ مقول بن جريج وَعَطَاء هُوَ بن أبي رَبَاح وَوهم من زعم أَنه بن يَسَارٍ .

     قَوْلُهُ  فَبَدَّدَ أَيْ فَرَّقَ وَقَرْنُ الرَّأْسِ جَانِبُهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ ضَمَّهَا كَذَا لَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ وَلِمُسْلِمٍ وَصَبَّهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَصَوَّبَهُ عِيَاضٌ قَالَ لِأَنَّهُ يَصِفُ عَصْرَ الْمَاءِ مِنَ الشَّعْرِ بِالْيَدِ.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُوَجَّهَةٌ لِأَنَّ ضم الْيَد صفة العاصر .

     قَوْلُهُ  حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامَهُ كَذَا بِالْإِفْرَادِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ إِبْهَامَيْهِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْمَفْعُولِيَّةِ وَفَاعِلُهُ طَرَفُ الْأُذُنِ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى طَرَفَ مَنْصُوبٌ وَفَاعِلُهُ إِبْهَامُهُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ وَيُؤَيّد رِوَايَة الْأَكْثَر رِوَايَة حجاج عَن بن جُرَيْجٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامَاهُ طَرَفَ الْأُذُنِ .

     قَوْلُهُ  لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطِشُ أَيْ لَا يُبْطِئُ وَلَا يَسْتَعْجِلُ وَيُقَصِّرُ بِالْقَافِ لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَعْصِرُ بِالْعَيْنِ وَالْأُولَى أَصْوَبُ .

     قَوْلُهُ  لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا كَذَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ بن جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ لَلْوَقْتِ لَوْلَا أَنَّ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي فَائِدَةٌ وَقَعَ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ قَالَ وَذَهَبَ النَّاسُ إِلَّا عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ فِي سِتَّةِ عَشَرَ رَجُلًا فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ أُمَّةٌ قبلكُمْ