فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَتَّبِعُنَّ)
بِمُثَنَّاتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَنُونٍ ثَقِيلَةٍ وَأَصْلُهُ تَتَّبِعُونَ سَنَنَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا نُونٌ أُخْرَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَلَفْظُ التَّرْجَمَةِ مُطَابِقٌ للفظ الْحَدِيثُ الثَّانِي



[ قــ :6927 ... غــ :7319] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ سَعِيدٌ وَسَمَّاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا كَذَا هُنَا بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَأَلِفٍ مَهْمُوزَةٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ وَالْأَخْذُ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الْخَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ هُوَ السِّيرَةُ يُقَالُ أَخَذَ فُلَانٌ بِأَخْذِ فُلَانٍ أَيْ سَارَ بِسِيرَتِهِ وَمَا أَخَذَ أَخْذَهُ أَيْ مَا فَعَلَ فِعْلَهُ وَلَا قَصَدَ قَصْدَهُ وَقِيلَ الْأَلِفُ مُثَلَّثَةٌ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ أَخَذَ بِفَتْحِ الْخَاءِ جمع اخذة بِكَسْر أَوله مثل كسرة وَكسر وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَلَى مَا حَكَاهُ بن بَطَّالٍ بِمَا أَخَذَ الْقُرُونُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمَا الْمَوْصُولَةُ وَأَخَذَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ مَأْخَذَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَمْزَةٍ سَاكِنة والقرون جَمْعُ قَرْنٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ بن أَبِي ذِئْبٍ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ .

     قَوْلُهُ  شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا ذِرَاعًا .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَقَالَ رَجُلٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُسَمًّى .

     قَوْلُهُ  كَفَارِسَ وَالرُّومِ يَعْنِي الْأُمَّتَيْنِ الْمَشْهُورَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُمُ الْفُرْسُ فِي مَلِكِهِمْ كِسْرَى وَالرُّومُ فِي مَلِكِهِمْ قَيْصَرَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ أَيْ فَارِسُ وَالرُّومُ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا إِذْ ذَاك أَكْبَرَ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَأَكْثَرَهُمْ رَعِيَّةً وَأَوْسَعَهُمْ بِلَادًا





[ قــ :698 ... غــ :730] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ الرَّمْلِيُّ وَأَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ هُوَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَقَولُهُ مِنَ الْيَمَنِ أَيْ هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ أَيْ هُوَ مِنْ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ لَا مِنْ صَنْعَاءِ الشَّامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَصْلُهُ مِنَ الْيَمَنِ وَهُوَ مِنْ صَنْعَاءِ الشَّامِ وَنَزَلَ عَسْقَلَانَ .

     قَوْلُهُ  لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ بِفَتْح السِّين للْأَكْثَر.

     وَقَالَ  بن التِّينِ قَرَأْنَاهُ بِضَمِّهَا.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ بِالْفَتْحِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الذِّرَاعُ وَالشِّبْرُ وَهُوَ الطَّرِيقُ.

قُلْتُ وَلَيْسَ اللَّفْظُ الْأَخِيرُ بِبَعِيدٍ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا ذِرَاعًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ عَكْسَ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَذَمَّهُ .

     قَوْلُهُ  جُحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمُهْملَة والضب الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ تَقَدَّمَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ .

     قَوْلُهُ  قُلْنَا لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْقَائِلِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَمَنْ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَالتَّقْدِيرُ فَمَنْ هُمْ غَيْرُ أُولَئِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رَفَعَهُ لَا تَتْرُكْ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْأَوَّلِينَ حَتَّى تَأْتِيَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حُلْوَهَا ومرها قَالَ بن بَطَّالٍ أَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَتَّبِعُ الْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْأُمُورِ وَالْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ كَمَا وَقَعَ لِلْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَقَدْ أَنْذَرَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ بِأَنَّ الْآخِرَ شَرٌّ وَالسَّاعَةُ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَأَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا يَبْقَى قَائِمًا عِنْدَ خَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ مُعْظَمُ مَا أَنْذَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَقَعُ بَقِيَّةُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُغَايِرٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فَسَّرَ بِفَارِسَ وَالرُّومِ وَالثَّانِي باليهود وَالنَّصَارَى وَلَكِن الرُّومَ نَصَارَى وَقَدْ كَانَ فِي الْفُرْسِ يَهُودٌ أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي السُّؤَال كفارس انْتهى وَيُعَكر عَلَيْهِ جَوَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْحَصْرُ فِيهِمْ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ النَّاسِ الْمَعْهُودَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ.

قُلْتُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُعِثَ كَانَ مُلْكُ الْبِلَادِ مُنْحَصِرًا فِي الْفُرْسِ وَالرُّومِ وَجَمِيعُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ أَوْ كَلَا شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ فَصَحَّ الْحَصْرُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ اخْتَلَفَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ فَحَيْثُ قَالَ فَارِسُ وَالرُّومُ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَسِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَحَيْثُ قِيلَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الدِّيَانَاتِ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَمِنْ ثَمَّ كَانَ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الثَّانِي بِالْإِبْهَامِ فَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ وَأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ قرينَة تتَعَلَّق بِمَا ذكرت وَاسْتدلَّ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ ذَمِّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ بِمَا أَخْرَجَهُ من جَامع بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى حَدَثَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَأَحْدَثُوا فِيهِمُ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ وَأَضَلُّوا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ وَكَانَ أَبِي يَقُولُ السُّنَنَ السُّنَنَ فَإِنَّ السُّنَنَ قِوَامُ الدّين وَعَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَمَّنْ سَمِعَ بن شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ وَهُوَ يَذْكُرُ مَا وَقَعَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الرَّأْيِ وَتَرْكِهِمُ السُّنَنَ فَقَالَ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِنَّمَا انْسَلَخُوا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِمْ حِينَ اسْتَقَلُّوا الرَّأْيَ وَأَخَذُوا فِيهِ وَأخرج بن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ وَالْفُحْشُ فِي شِرَارِكُمْ وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْفِقْهُ فِي رُذَالِكُمْ وَفِي مُصَنَّفِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ فَسَادُ الدِّينِ إِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ اسْتَعْصَى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وَصَلَاحُ النَّاسِ إِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الْكَبِيرِ تَابَعَهُ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّغَرِ فِي هَذَا صِغَرُ الْقَدْرِ لَا السن وَالله اعْلَم