فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ

( قَوْله بَاب أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخطَأ)
يُشِير إِلَى انه لَا يلْزم من رد حكمه أَو فتواه إِذا اجْتهد فَأَخْطَأَ ان يَأْثَم بذلك بل إِذا بذل وَسعه أجر فان أصَاب ضوعف أجره لَكِن لَو أقدم فَحكم أَو أفتى بِغَيْر علم لحقه الْإِثْم كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ قَالَ بن الْمُنْذر وانما يُؤجر الْحَاكِم إِذا أَخطَأ إِذا كَانَ عَالما بِالِاجْتِهَادِ فاجتهد وَأما إِذا لم يكن عَالما فَلَا وَاسْتدلَّ بِحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة وَفِيه وقاض قضى بِغَيْر حق فَهُوَ فِي النَّار وقاض قضى وَهُوَ لَا يعلم فَهُوَ فِي النَّار وَهُوَ حَدِيث أخرجه أَصْحَاب السّنَن عَن بُرَيْدَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَقد جمعت طرقه فِي جُزْء مُفْرد وَيُؤَيّد حَدِيث الْبَاب مَا وَقع فِي قصَّة سُلَيْمَان فِي حكم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَصْحَاب الْحَرْث وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِيمَا مضى قَرِيبا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِي معالم السّنَن انما يُؤجر الْمُجْتَهد إِذا كَانَ جَامعا لآلة الِاجْتِهَاد فَهُوَ الَّذِي نعذره بالْخَطَأ بِخِلَاف الْمُتَكَلف فيخاف عَلَيْهِ ثمَّ انما يُؤجر الْعَالم لِأَن اجْتِهَاده فِي طلب الْحق عبَادَة هَذَا إِذا أصَاب واما إِذا أَخطَأ فَلَا يُؤجر على الْخَطَأ بل يوضع عَنهُ الْإِثْم فَقَط كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ يرى ان قَوْله وَله أجر وَاحِد مجَاز عَن وضع الْإِثْم



[ قــ :6958 ... غــ :7352] قَوْله عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث هُوَ التَّيْمِيّ تَابِعِيّ مدنِي ثِقَة مَشْهُور ولأبيه صُحْبَة وَبسر بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة وَأَبُو قيس مولى عَمْرو بن الْعَاصِ لَا يعرف اسْمه كَذَا قَالَه البُخَارِيّ وَتَبعهُ الْحَاكِم أَبُو احْمَد وَجزم بن يُونُس فِي تَارِيخ مصر بِأَنَّهُ عبد الرَّحْمَن بن ثَابت وَهُوَ أعرف بالمصريين من غَيره وَنقل عَن مُحَمَّد بن سَحْنُون انه سمى أَبَاهُ الحكم وَخَطأَهُ فِي ذَلِك وَحكى الدمياطي أَن اسْمه سعد وَعَزاهُ لمُسلم فِي الكنى وَقد راجعت نسخا من الكنى لمُسلم فَلم ار ذَلِك فِيهَا مِنْهَا نُسْخَة بِخَط الدَّارَقُطْنِيّ الْحَافِظ وقرأت بِخَط الْمُنْذِرِيّ وَقع عِنْد السبتي يَعْنِي بن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي قَابُوس بدل أبي قيس كَذَا جزم بِهِ وَقد رجعت عدَّة نسخ من صَحِيح بن حبَان فَوجدت فِيهَا عَن أبي قيس احداها صححها بن عَسَاكِر وَفِي السَّنَد أَرْبَعَة من التَّابِعين فِي نسق اولهم يزِيد بن عبد الله وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد وَمَا لأبي قيس فِي البُخَارِيّ الا هَذَا الحَدِيث قَوْله اذا حكم الْحَاكِم فاجتهد ثمَّ أصَاب فِي رِوَايَة احْمَد فَأصَاب قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَكَذَا وَقع فِي الحَدِيث بَدَأَ بالحكم قبل الِاجْتِهَاد وَالْأَمر بِالْعَكْسِ فان الِاجْتِهَاد يتَقَدَّم الحكم إِذْ لَا يجوز الحكم قبل الِاجْتِهَاد اتِّفَاقًا لَكِن التَّقْدِير فِي قَوْله إِذا حكم إِذا أَرَادَ ان يحكم فَعِنْدَ ذَلِك يجْتَهد قَالَ وَيُؤَيِّدهُ ان أهل الْأُصُول قَالُوا يجب على الْمُجْتَهد ان يجدد النّظر عِنْد وُقُوع النَّازِلَة وَلَا يعْتَمد على مَا تقدم لَهُ لأمكان ان يظْهر لَهُ خلاف غَيره انْتهى وَيحْتَمل أَن تكون الْفَاء تفسيرية لَا تعقيبية وَقَوله فَأصَاب أَي صَادف مَا فِي نفس الْأَمر من حكم الله تَعَالَى قَوْله ثمَّ أَخطَأ أَي ظن أَن الْحق فِي جِهَة فصادف ان الَّذِي فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فَالْأول لَهُ أَجْرَانِ أجر الِاجْتِهَاد واجر الْإِصَابَة وَالْآخر لَهُ أجر الِاجْتِهَاد فَقَط وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى وُقُوع الخطا فِي الِاجْتِهَاد فِي حَدِيث أم سَلمَة انكم تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحجته من بعض وَأخرج لحَدِيث الْبَاب سَببا من وَجه آخر عَن عَمْرو بن الْعَاصِ من طَرِيق وَلَده عبد الله بن عَمْرو عَنهُ قَالَ جَاءَ رجلَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختصمان فَقَالَ لعَمْرو اقْضِ بَينهمَا يَا عَمْرو قَالَ أَنْت أولى بذلك مني يَا رَسُول الله قَالَ وان كَانَ قَالَ فَإِذا قضيت بَينهمَا فَمَالِي فَذكر نَحوه لَكِن قَالَ فِي الْإِصَابَة فلك عشر حَسَنَات وَأخرج من حَدِيث عقبَة بن عَامر نَحوه بِغَيْر قصَّة بِلَفْظ فلك عشرَة أجور وَفِي سَنَد كل مِنْهُمَا ضعف وَلم أَقف على اسْم من أبهم فِي هذَيْن الْحَدِيثين قَوْله قَالَ فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث أَبَا بكر بن عَمْرو بن حزم الْقَائِل فَحدثت هُوَ يزِيد بن عبد الله أحد رُوَاته وَأَبُو بكر بن عَمْرو نسب فِي هَذِه الرِّوَايَة لجده وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَثَبت ذكره فِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة الدَّاودِيّ عَن يزِيد وَنسبه فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَاد قَوْله عَن أبي هُرَيْرَة يُرِيد بِمثل حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ قَوْله.

     وَقَالَ  عبد الْعَزِيز بن الْمطلب أَي بن عبد الله بن حنْطَب المَخْزُومِي قَاضِي الْمَدِينَة وكنيته أَبُو طَالب وَهُوَ من أَقْرَان مَالك وَمَات قبله وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَاحِد الْمُعَلق وَعبد الله بن أبي بكر هُوَ وَالِد الرَّاوِي الْمَذْكُور فِي السَّنَد الَّذِي قبله أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَكَانَ قَاضِي الْمَدِينَة أَيْضا قَوْله عَن أبي سَلمَة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ عبد الله بن أبي بكر خَالف أَبَاهُ فِي رِوَايَته عَن أبي سَلمَة وَأرْسل الحَدِيث الَّذِي وَصله وَقد وجدت ليزِيد بن الْهَاد فِيهِ مُتَابعًا أخرجه عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عوَانَة من طَرِيقه عَن معمر عَن يحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الحَدِيث مثله بِغَيْر قصَّة وَفِيه فَلهُ أَجْرَانِ اثْنَان قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ تعلق بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ ان الْحق فِي جِهَة وَاحِدَة للتصريح بتخطئة وَاحِد لَا بِعَيْنِه قَالَ وَهِي نازلة فِي الْخلاف عَظِيمَة.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ تمسك بِهِ كل من الطَّائِفَتَيْنِ من قَالَ ان الْحق فِي طرفين وَمن قَالَ ان كل مُجْتَهد مُصِيب اما الأولى فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ كل مصيبا لم يُطلق على أَحدهمَا الْخَطَأ لِاسْتِحَالَة النقيضين فِي حَالَة وَاحِدَة واما المصوبة فاحتجوا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل لَهُ اجرا فَلَو كَانَ لم يصب لم يُؤجر وَأَجَابُوا عَن إِطْلَاق الْخَطَأ فِي الْخَبَر على من ذهل عَن النَّص أَو اجْتهد فِيمَا لَا يسوغ الإجتهاد فِيهِ من القطعيات فِيمَا خَالف الْإِجْمَاع فَإِن مثل هَذَا ان اتّفق لَهُ الْخَطَأ فِيهِ نسخ حكمه وفتواه وَلَو اجْتهد بِالْإِجْمَاع وَهُوَ الَّذِي يَصح عَلَيْهِ إِطْلَاق الْخَطَأ واما من اجْتهد فِي قَضِيَّة لَيْسَ فِيهَا نَص وَلَا إِجْمَاع فَلَا يُطلق عَلَيْهِ الْخَطَأ وَأطَال الْمَازرِيّ فِي تَقْرِير ذَلِك والانتصار لَهُ وَختم كَلَامه بِأَن قَالَ ان من قَالَ ان الْحق فِي طرفين هُوَ قَول أَكثر أهل التَّحْقِيق من الْفُقَهَاء والمتكلمين وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وان حكى عَن كل مِنْهُم اخْتِلَاف فِيهِ قلت وَالْمَعْرُوف عَن الشَّافِعِي الأول قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم الحكم الْمَذْكُور يَنْبَغِي ان يخْتَص بالحاكم بَين الْخَصْمَيْنِ لِأَن هُنَاكَ حَقًا معينا فِي نفس الْأَمر يتنازعه الخصمان فَإِذا قضى بِهِ لأَحَدهمَا بَطل حق الآخر قطعا وَأَحَدهمَا فِيهِ مُبْطل لَا محَالة وَالْحَاكِم لَا يطلع على ذَلِك فَهَذِهِ الصُّورَة لَا يخْتَلف فِيهَا ان الْمُصِيب وَاحِد لكَون الْحق فِي طرف وَاحِد وَيَنْبَغِي ان يخْتَص الْخلاف بِأَن الْمُصِيب وَاحِد إِذْ كل مُجْتَهد مُصِيب بالمسائل الَّتِي يسْتَخْرج الْحق مِنْهَا بطرِيق الدّلَالَة.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيّ عِنْدِي فِي هَذَا الحَدِيث فَائِدَة زَائِدَة حاموا عَلَيْهَا فَلم يسقوا وَهِي ان الْأجر على الْعَمَل الْقَاصِر على الْعَامِل وَاحِد وَالْأَجْر على الْعَمَل الْمُتَعَدِّي يُضَاعف فَإِنَّهُ يُؤجر فِي نَفسه وينجر لَهُ كل مَا يتَعَلَّق بِغَيْرِهِ من جنسه فَإِذا قضى بِالْحَقِّ وَأَعْطَاهُ لمستحقه ثَبت لَهُ أجر اجْتِهَاده وَجرى لَهُ مثل أجر مُسْتَحقّ الْحق فَلَو كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ الحن بحجته من الآخر فَقضى لَهُ وَالْحق فِي نفس الْأَمر لغيره كَانَ لَهُ أجر الِاجْتِهَاد فَقَط قلت وَتَمَامه ان يُقَال وَلَا يُؤَاخذ بِإِعْطَاء الْحق لغير مُسْتَحقّه لِأَنَّهُ لم يتَعَمَّد ذَلِك بل وزر الْمَحْكُوم لَهُ قَاصِر عَلَيْهِ وَلَا يخفى ان مَحل ذَلِك أَن يبْذل وَسعه فِي الِاجْتِهَاد وَهُوَ من أَهله والا فقد يلْحق بِهِ الْوزر ان أخل بذلك وَالله أعلم