فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي

( قَولُهُ بَابُ الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ والعشي)
أورد فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ غَدَاةً وَاحِدَةً وَعَشِيَّةً وَاحِدَةً يَكُونُ الْعَرْضُ فِيهَا وَمَعْنَى



[ قــ :1324 ... غــ :1379] قَوْلِهِ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ أَيْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كُلَّ غَدَاةٍ وَكُلَّ عَشِيٍّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْيَا مِنْهُ جُزْءٌ لِيُدْرِكَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ تُعَادَ الْحَيَاةُ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ أَجْزَاءٍ وَتَصِحُّ مُخَاطَبَتُهُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَبْلَ بَابَيْنِ فِي سِيَاقِ الْمُسَاءَلَةِ وَعَرْضُ الْمَقْعَدَيْنِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرْضُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَقْتُهُمَا وَإِلَّا فَالْمَوْتَى لَا صَبَاحَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَسَاءَ قَالَ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَاضِحٌ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُخَلَّطُ فَمُحْتَمِلُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَأَرْوَاحُهُمْ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فَائِدَةَ الْعَرْضِ فِي حَقِّهِمْ تَبْشِيرُ أَرْوَاحِهِمْ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِأَجْسَادِهَا فَإِنَّ فِيهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا هِيَ فِيهِ الْآنَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اتَّحَدَ فِيهِ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ لَفْظًا وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرٍ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ التَّقْدِيرُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَقْعَدُهُ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ إِذَا اتَّحِدَا لَفْظًا دَلَّ عَلَى الْفَخَامَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى بَعْدَ الْبَعْثِ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ مَا يُنْسِيهِ هَذَا الْمَقْعَدَ انْتَهَى وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ أَيْ فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَنَّ الرُّوحَ لَا تَفْنَى بِفِنَاءِ الْجَسَدِ لِأَنَّ الْعَرْضَ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى حَيٍّ.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ على أفنية الْقُبُور قَالَ وَالْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهَا لَا أَنَّهَا لَا تُفَارِقُ الْأَفْنِيَةَ بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عنْ مَالِكٍ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَن الْأَكْثَر رَوَوْهُ كَرِوَايَة البُخَارِيّ وَأَن بن الْقَاسِمِ رَوَاهُ كَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى اللَّهِ فَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُور وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اه وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَهُ مُسلم وَقد أخرج النَّسَائِيّ رِوَايَة بن الْقَاسِم لَكِن لَفظه كَلَفْظِ البُخَارِيّ