فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التلبية إذا انحدر في الوادي

( قَولُهُ بَابُ التَّلْبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي)
أورد فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذَا انْحَدَرَ إِلَى الْوَادِي يُلَبِّي وَفِيهِ قِصَّةٌ وَسَيَأْتِي بِهَذا الْإِسْنَادِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَقَولُهُ



[ قــ :1491 ... غــ :1555] أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَثَرٌ وَلَا خَبَرٌ أَن مُوسَى حَيّ وَأَنه سيحج وَإِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ عَنْ عِيسَى فَاشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَيُهِلَّنَّ بن مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ انْتَهَى وَهُوَ تَغْلِيطٌ لِلثِّقَاتِ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ فَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ بِزِيَادَةِ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ فِيهِ أَفَيُقَالُ إِنَّ الرَّاوِيَ غَلِطَ فَزَادَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَة عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَاضِعًا إِصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ قَالَهُ لَمَّا مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَادِي وَهُوَ خَلْفَ أَمَجَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِيلٌ وَاحِدٌ وَأَمَجُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِالْجِيمِ قَرْيَةٌ ذَاتُ مَزَارِعَ هُنَاكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا ذِكْرُ يُونُسَ أَفَيُقَالُ إِنَّ الرَّاوِيَ الْآخَرَ غَلِطَ فَزَادَ يُونُسُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ عَلَى أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَلَا مَانِعُ أَنْ يَحُجُّوا فِي هَذَا الْحَالِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مُوسَى قَائِمًا فِي قَبْرِهِ يُصَلِّي قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حُبِّبَتْ إِلَيْهِمُ الْعِبَادَةُ فَهُمْ يَتَعَبَّدُونَ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ دَوَاعِي أَنْفُسِهِمْ لَا بِمَا يُلْزَمُونَ بِهِ كَمَا يُلْهَمُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الذِّكْرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَمَلَ الْآخِرَةِ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ لقَوْله تَعَالَى دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ الْآيَةَ لَكِنَّ تَمَامَ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ هِيَ أَرْوَاحُهُمْ فَلَعَلَّهَا مُثِّلَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا كَمَا مُثِّلَتْ لَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَأَمَّا أَجْسَادُهُمْ فَهِيَ فِي الْقُبُور قَالَ بن الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُ اللَّهُ لِرُوحِهِ مِثَالًا فَيَرَى فِي الْيَقَظَةَ كَمَا يَرَى فِي النَّوْمِ ثَانِيهَا كَأَنَّهُ مُثِّلَتْ لَهُ أَحْوَالُهُمُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَيْفَ تَعَبَّدُوا وَكَيْفَ حَجُّوا وَكَيْفَ لَبَّوْا وَلِهَذَا قَالَ كَأَنِّي ثَالِثُهَا كَأَنَّهُ أُخْبِرَ بِالْوَحْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلِشِدَّةِ قَطْعِهِ بِهِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ رَابِعُهَا كَأَنَّهَا رُؤْيَةُ مَنَامٍ تقدّمت لَهُ فَأخْبر عَنْهَا لما حج عِنْد مَا تذكر ذَلِكَ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي لِمَا سَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِنَحْوِ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَكَوْنُ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَنَامِ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَيْضًا لَيْسَ بِبَعِيد وَالله أعلم قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ تَوْهِيمُ الْمُهَلَّبِ لِلرَّاوِي وَهَمٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ عِيسَى مُنْذُ رُفِعَ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ وإِنَّمَا ثَبَتَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ.

قُلْتُ أَرَادَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّ عِيسَى لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ كَانَ كَالْمُحَقَّقِ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُهَلَّبُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ ليهلن بن مَرْيَم بِالْحَجِّ وَالله أعلم قَوْله إِذا انْحَدَرَ كَذَا فِي الْأُصُولِ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَنْكَرَ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ وَغَلَّطَ رُوَاتَهُ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِذَا وَإِذْ هُنَا لِأَنَّهُ وَصَفَهُ حَالَةَ انْحِدَارِهِ فِيمَا مَضَى وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَأَنَّهَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْهُبُوطِ كَمَا تَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصُّعُودِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن بن عَوْنٍ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُرَادٌ لِأَنَّ ذَلِك لَا يَقُوله بن عَبَّاسٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ