فهرس الكتاب

فتح مكة عنوة ، وتركها لأهلها ، ولم يوظف الخراج ،

روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتح مكة عنوة ، وتركها لأهلها ، ولم يوظف الخراج ، قلت : فيه أحاديث ، استدل بها العلماء على أن مكة فتحت عنوة : منها

ما أخرجه مسلم عن عبد اللّه بن رباح عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة ، فقال : أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى دخل مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الجسر ، وأخذوا بطن الوادي ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كتيبة ، قال : فنظر إليّ وقال : يا أبا هريرة ، قلت : لبّيك يا رسول اللّه ، قال : اهتف لي بالأنصار ، فلا يأتيني إلا أنصاري ، فهتف بهم ، فجاءُوا ، فأطافوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووبشت قريش أوباشها ، فقال لهم : ألا ترون إلى أوباش قريش ، وأتباعهم ؟ ! ، ثم قال بيده - فضرب إحداهما على الأخرى - ، وقال : احصدوهم حصداً ، حتى توافوني بالصفا ، قال أبو هريرة : فانطلقنا ، فما شاء أحد منا أن يقتل من شاء منهم ، إلا قتله ، وما توجه أحد منهم إلينا شيئاً ، وصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصفا ، وجاءت الأنصار ، فأطافوا بالصفا ، فجاء أبو سفيان ، فقال : يا رسول اللّه أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، فقالت الأنصار : أما الرجل ، فأخذته رأفة بعشيرته ، ورغبة في قرابته ، ونزل الوحي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : قلتم : أما الرجل فأخذته رأفة بعشيرته ، ورغبة في قرابته ، كلا إني عبد اللّه ورسوله هاجرت إلى اللّه ، وإليكم ، فالمحيا محياكم ، والممات مماتكم ، قالوا : واللّه ما قلنا إلا ضناً باللّه وبرسوله ، قال : فإن اللّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم ، انتهى . ورواه ابن حبان في صحيحه وقال : هذا أدل دليل على أن مكة فتحت عنوة لا صلحاً ، انتهى . حديث آخر :

أخرجه البخاري ، ومسلم عن أم هانئ أنها أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح ، فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : قد أجرنا من أجرت ، وآمنا من آمنت ، انتهى . قال المنذري في مختصره : استدل بهذا الحديث على أن مكة فتحت عنوة ، إذ لو فتحت صلحاً لوقع به الأمان العام ، ولم يحتج إلى أمان أم هانئ ، ولا تجديده من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، انتهى . حديث آخر :

أخرجاه أيضاً في الصحيحين عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : إن اللّه حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وأنها لا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، انتهى . حديث آخر :

أخرجاه أيضاً في الصحيحين عن أبي شريح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : في الغد من يوم الفتح : إن مكة حرمها اللّه ، ولم يحرمها الناس ، فلا تحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجراً ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب ، انتهى . وبهذا الحديث استدل ابن الجوزي في التحقيق . قوله :

روي أن الصحابة وضعوا العشر على أرض البصرة ، قلت : ذكره ابن عمر ، وغيره . قوله : والخراج الذي وضعه عمر على أهل السواد من كل جريب يبلغه الماء قفيز هاشمي ، وهو الصاع ، ودرهم ، ومن جريب الرطبة خمسة دراهم ، ومن جريب الكرم المتصل ، والنخيل المتصل عشرة دراهم ، وهذا هو المنقول عن عمر ، فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق ، وجعل حذيفة عليه مشرفاً ، فمسح ، فبلغ ستاً وثلاثين ألف ألف جريب ، ووضع على ذلك ما قلنا ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير ، فكان إجماعاً ، قلت : تقدم حديث عمر قريباً ، وفيه بعض تغيير ،

وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه مجالد بن سعيد عن الشعبي أن عمر بعث عثمان بن حنيف ، فمسح السواد ، فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، انتهى . قوله :

روي عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال : لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ فقالا : بل حملناها ما تطيق ، قلت :

أخرجه البخاري في صحيحه - في كتاب فضائل الصحابة - في باب البيعة لعثمان عن عمرو بن ميمون ، قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ، وقف على حذيفة ، وعثمان بن حنيف ، قال : كيف فعلتما : أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمراً هي له مطيقة ما فيها كبير فضل ، قال : انظرا أن تكونا حملتماها ما لا تطيق ؟ قالا : لا ، فقال عمر : لئن سلمني اللّه لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحد بعدي ، قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب ، الحديث بطوله ، وهو حديث مقتل عمر بن الخطاب ، وبيعة عثمان . قوله : روي أن عمر لم يزد حين أخبر لزيادة الطاقة ، قلت : تقدم في الحديث قبله ،

وروى عبد الرزاق في مصنفه - في كتاب أهل الكتاب أخبرنا معمر عن علي بن الحكم البناني عن محمد بن زيد عن إبراهيم ، قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ، فقال : أرض كذا وكذا يطيقون من الخراج أكثر مما عليهم ، فقال : ليس إليهم سبيل ، انتهى . قوله : وقد صح أن الصحابة رضي اللّه عنهم اشتروا أراضي الخراج ، وكانوا يؤدون خراجها ، قلت : قال البيهقي في كتاب المعرفة : قال أبو يوسف : القول ما قال أبو حنيفة : إنه كان لابن مسعود ، وخباب بن الأرت ، ولحسين بن علي ، ولشريح أرض الخراج ،

حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي ، أنه قال لعمر بن الخطاب : إني اشتريت أرضاً من أرض السواد ، فقال عمر : أنت فيها مثل صاحبها ، انتهى .

قال البيهقي : وأخبرنا أبو سعيد ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا يحيى بن آدم ثنا حسن بن صالح عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب ، قال : أسلمت امرأة من أهل نهر الملك ، فكتب عمر بن الخطاب : إن اختارت أرضها ، فأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها ، وإلا فخلوا بين المسلمين وبين أرضهم ، انتهى . وهذا

رواه عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن دهقانة من أهل نهر الملك أسلمت ، فقال عمر : ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج ، انتهى . أثر آخر :

قال ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق في مصنفيهما : حدثنا هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم عن زبير بن عدي أن دهقاناً أسلم على عهد علي ، فقال علي : إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك ، فأخذناها من أرضك ، وإن تحولت عنها فنحن أحق بها ، انتهى . أثر آخر :