فهرس الكتاب

ثم اختر من الدعاء أطيبه وأعجبه إليك ،

الحديث التاسع والأربعون : قال في الكتاب : ودعا بما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ، لما روينا من حديث ابن مسعود ، وقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : ثم اختر من الدعاء أطيبه وأعجبه إليك ، قلت : كأنه يشير إلى الحديث المتقدم عن ابن مسعود : علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وآخرها ، فإذا كان وسط الصلاة ، نهض إذا فرغ من التشهد ، وإذا كان آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء ، وقد قدمنا أن هذا الحديث عند أحمد ، وقد قدمنا في تشهد ابن مسعود : ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه ، فيدعو به ، وفي رواية : ثم يتخير من المسألة ما شاء ، وليس في هذا كله دليل للمصنف على ما ذكره من ألفاظ القرآن والسنة ، وخصوصاً عند البخاري ، ثم ليتخير بعدُ من الكلام ما شاء ، ذكره في الدعوات ، وفي الاستئذان ، ثم قول المصنف بعدُ ، وقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : ثم اختر من الدعاء ، إلى آخره ، إن كان هذا من تتمة حديث ابن مسعود ، فيكون أراد بحديث ابن مسعود تشهد ابن مسعود ، وإن كان كلاماً مستأنفاً مقطوعاً عن حديث ابن مسعود ، فيكون أراد بحديث ابن مسعود ، قوله : علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة ، إلى آخره ، وأراد بالآخر حديث التشهد ، وهذا يترجح بأنهما حديثان ولكن الأول أظهر ، بل الحديثان حجة للشافعي في إباحة الدعاء بكلام الناس ، نحو : اللّهم زوجني امرأة حسناء . وأعطني بستاناً أنيقاً ، ولكن المانعون يحملون ذلك على الدعاء المأثور ، ولو استدل صاحب الكتاب بحديث : إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، لكان أصوب ، ولعله سقط من النسخ ، قبل : قوله : لما روينا من حديث ابن مسعود ، إلى آخره ، قال الشافعي : يصح الدعاء في الصلاة بكل ما يصح خارج الصلاة ، وبحديث ابن مسعود هذا استدل النووي لمذهبه ، واستدل البيهقي بحديث ابن عباس ،

رواه مسلم في الصلاة عنه ، قال : كشف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الستارة ، وهو معصوب الرأس ، في مرضه الذي مات فيه ، والناس صفوف خلف أبي بكر ، فقال : اللّهم هل بلغت - ثلاث مرات - أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة ، يراها المؤمن ، أو ترى له ، ألا وإني قد نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ، فأما الركوع ، فعظموا فيه الرب ، وأما السجود ، فاجتهدوا فيه من الدعاء ، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم ، انتهى . وبحديث حذيفة أيضاً أنه صلى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي الأعلى ، وما مرّ بآية رحمة إلا وقف عندها ، فسأل ، ولا مرّ بآية عذاب إلا وقف عندها ، فتعوذ ، انتهى . وعزاه لمسلم ، وينظر . حديث آخر

أخرجه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا فيه من الدعاء ، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم ، انتهى .

قال البيهقي في المعرفة : وادعى الطحاوي نسخ هذه الأحاديث بحديث عقبة بن عامر ، قال : لما نزلت { فسبح باسم ربك العظيم } قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى } قال : اجعلوها في سجودكم ، وقال : يجوز أن يكون { سبح اسم ربك الأعلى } أنزلت عليه بعد ذلك ، قال : وهذا كلام بارد ، فإن حديث ابن عباس إنما صدر من النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الإثنين # ، والناس صفوف خلف أبي بكر ، وهو اليوم الذي توفي فيه ، كما دل عليه حديث أنس ، ونزول { سبح } قبل ذلك بدهر طويل ، كما دلت عليه الأحاديث : منها حديث البراء بن عازب الطويل في الهجرة ، وفيه : فما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى حفظت { سبح اسم ربك الأعلى } في سور من المفصل ، وحديث معاذ في قصة من خرج من صلاته حين افتتح سورة البقرة ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمره أن يقرأ { سبح اسم ربك الأعلى } { والشمس وضحاها } ، وحديث النعمان بن بشير أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ، ويوم الجمعة { بسبح اسم ربك الأعلى } { وهل أتاك حديث الغاشية } ، وعن سمرة بن جندب نحوه ، ومن العجب أنه في حديث معاذ في مسألة المفترض خلف المتطوع ، حمله على أنه كان في أول الإسلام حين كانت الفريضة تصلى في اليوم مرتين ، فجعل نزول { سبح اسم ربك الأعلى } هناك في أول الإسلام ، وهنا جعله في اليوم الذي توفي فيه عليه السلام ، فقد ادعى نسخ ما ورد في حديث ابن عباس بما نزل قبله بدهر طويل ، هذا شأن من يسِّوي الأحاديث على مذهبه ، والمشهور بين أهل التفسير أن سورة { سبح اسم ربك الأعلى } وسورة : الواقعة - والحاقة اللتين فيهما { فسبح باسم ربك العظيم } نزلن بمكة ، واللّه أعلم ، انتهى كلامه .