فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصدقة تكفر الخطيئة

( بابٌُ الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الصَّدَقَة تكفر الْخَطِيئَة، فبابُ منون، وَالصَّدَََقَة مُبْتَدأ، وتكفر الْخَطِيئَة، خَبره، وَيجوز بِإِضَافَة الْبابُُ إِلَى الصَّدَقَة، تَقْدِيره: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن الصَّدَقَة تكفر الْخَطِيئَة.



[ قــ :1379 ... غــ :1435 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الفِتْنَةِ قَالَ.

قُلْتُ أَنا أحْفَظُهُ كَما قَالَ إنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرىءٌ فَكَيْفَ قَالَ.

قُلْتُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ والمَعْرُوفُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ قَدْ كانَ يَقُولُ الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ والأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عنِ المُنْكَرِ قَالَ لَيْسَ هاذِهِ أُرِيدُ وَلَكِنِّي أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ قَالَ.

قُلْتُ لَيْسَ عَلَيْكَ بِهَا يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ بأْسٌ بَيْنَكَ وبَيْنَهَا بابٌُ مُغْلَقٌ قَالَ فَيُكْسَرُ البابُُُ أوْ يُفْتَحُ قَالَ.

قُلْتُ لاَ بَلْ يُكْسَرُ قَالَ فإنَّهُ إذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقُ أبَدا قَالَ.

قُلْتُ أجَلْ فَهِبْنَا أنْ نَسْألَهُ مَنِ البابُُُ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ قَالَ فَسَألَهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ قُلْنَا فَعَلِمَ عُمَرُ مَنْ تَعْنِي قَالَ نَعَمْ كَما أنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً وَذالِكَ أنِّي حَدَّثْتُهُ حدِيثا لَيْسَ بالأغَالِيظِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فتْنَة الرجل) إِلَى قَوْله: ( وَالْمَعْرُوف) .

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وقتيبة بن سعيد، وَجَرِير، بِفَتْح الْجِيم: ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
وَقد مضى الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ الصَّلَاة كَفَّارَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْأَعْمَش، إِلَى آخِره، وَبَينهمَا تفَاوت يسير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.

قَوْله: ( الجريء) من الجراءة، قَالَ ابْن بطال: إِنَّك لجريء أَي: إِنَّك لَكُنْت كثير السُّؤَال عَن الْفِتْنَة فِي أَيَّامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنت الْيَوْم جرىء على ذكره عَالم بِهِ.
قَوْله: ( وَالْمَعْرُوف) ، أَي: الْخَيْر، وَهُوَ تَعْمِيم بعد تَخْصِيص.
قَوْله: ( قَالَ سُلَيْمَان) يَعْنِي: الْأَعْمَش الْمَذْكُور فِي السَّنَد.
قَوْله: ( قد كَانَ يَقُول) أَي: قد كَانَ يَقُول أَبُو وَائِل فِي بعض الْأَوْقَات بدل ( الْمَعْرُوف) ( الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر) .
قَوْله: ( قَالَ لَيْسَ هَذِه) أَي: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَيْسَ هَذِه الْفِتْنَة أريدها.
قَوْله: ( أُرِيد الَّتِي) أَي: الْفِتْنَة الَّتِي.
قَوْله: ( قَالَ: قلت) أَي: قَالَ حُذَيْفَة: قلت.
قَوْله: ( بهَا) ، ويروى: ( فِيهَا) أَي: فِي الْفِتْنَة.
قَوْله: ( لَا بَأْس) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم: لَيْسَ، قَوْله: ( فيكسر الْبابُُ أَو يفتح) ، ويروى: ( أم تفتح) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَوته بِدُونِ الْقَتْل، كَانَ يَرْجُو أَن الْفِتْنَة، وَإِن بَدَت تسكن أَي: كَانَ ذَلِك بِسَبَب مَوته دون قَتله، وَأما إِن ظهر بِسَبَب قَتله فَلَا تسكن أبدا.
قَوْله: ( بل يكسر) ، وَأَشَارَ حُذَيْفَة بِهَذِهِ اللَّفْظَة إِلَى قتل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( قَالَ: فَإِنَّهُ) أَي: قَالَ عمر: فَإِن الْبابُُ إِذا كسر لم يغلق أبدا، وَأَشَارَ بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أَنه إِذا قتل ظَهرت الْفِتَن فَلَا تسكن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَكَانَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّهُ كَانَ سدا أَو بابُُا دون الْفِتْنَة، فَلَمَّا قتل كثرت الْفِتْنَة.
وَعلم عمر أَنه الْبابُُ.
قَوْله: ( فهبنا) ، بِكَسْر الْهَاء أَي: خفنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ حُذَيْفَة مهيبا، فهاب أَصْحَابه أَن يسألوه مَن الْبابُُ؟ يَعْنِي: مَن المُرَاد بِالْبابُُِ؟ وَكَانَ مَسْرُوق أجرأ على سُؤَاله لِكَثْرَة علمه وعلو مَنْزِلَته، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ عمر، أَي: الْبابُُ الَّذِي كني بِهِ عَنهُ، ثمَّ قَالُوا: فَعلم عمر من تَعْنِي؟ أَي: من تقصد من الْبابُُ؟ قَالَ حُذَيْفَة: نعم علم علما لَا شكّ فِيهِ، كَمَا أَن دون غَد لَيْلَة، يَعْنِي: كَمَا لَا شكّ أَن الْيَوْم الَّذِي أَنْت فِيهِ يسْبق الْغَد الَّذِي يَأْتِي بعْدهَا.
قَوْله: ( لَيْلَة) ، بِالنّصب اسْم: إِن و: ( دون غَد) خَبره، ثمَّ علل ذَلِك بقوله: ( وَذَلِكَ أَنِّي حدثته) أَي: حدثت عمر بِحَدِيث وَاضح لَا شُبْهَة فِيهِ عَن مَعْدن الصدْق وَرَأس الْعلم، وَهُوَ معنى قَوْله: ( حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط) وَهُوَ جمع أغلوطة، وَهِي مَا يغلط بِهِ عَن الشَّارِع، وَنهى الشَّارِع عَن الأغلوطات، وَهَذَا مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: الأغاليط.
صعاب الْمسَائِل ودقاق النَّوَازِل الَّتِي يغلط فِيهَا.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: لَيْسَ بالأغاليط لَيْسَ بالصغير من الْأَمر واليسير الرزية.

وَفِيه: من الْفَوَائِد: ضرب الْأَمْثَال فِي الْعلم وَالْحجّة لسد الذرائع.
وَفِيه: قد يكون عِنْد الصَّغِير من الْعلم مَا لَيْسَ عِنْد الْعَالم المبرز.
وَفِيه: أَن الْعَالم قد يرمز بِهِ رمزا ليفهم المرموز لَهُ دون غَيره، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل الْعلم تَحت إِبَاحَته إِلَى من لَيْسَ بمتفهم لَهُ وَلَا عَالم بِمَعْنَاهُ.
وَفِيه: أَن الْكَلَام فِي الجريان مُبَاح إِذا كَانَ فِيهِ أثر عَن النُّبُوَّة، وَمَا سوى ذَلِك مَمْنُوع، لِأَنَّهُ لَا يصدق مِنْهُ إلاَّ أقل من عشر الْعشْر، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يحفظها الجني فيضيف إِلَيْهَا أَزِيد من مائَة كذبة، وَالله أعلم.