فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير} [البقرة: 234]

(بابٌُ: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا} إِلَى { بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (الْبَقَرَة: 234)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذِي يتوفون مِنْكُم} الْآيَة.
قَوْله: (وَالَّذين) أَي: وَأَزْوَاج الَّذين يتوفون مِنْكُم، وَالْخطاب للْمُسلمين، وَقيل: للمكلفين، قَالَ الْكفَّار مخاطبون بالتفاصيل بِشَرْط الْإِيمَان.
قَوْله: (ويذرون) أَي: يتركون.
قَوْله: (أَزْوَاجًا) أَي: زَوْجَات قَوْله: (يَتَرَبَّصْنَ) أَي: بعدهمْ، وَقيل: يحبسن أَنْفسهنَّ وينتظرون أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَهَذَا الحكم يَشْمَل الزَّوْجَات الْمَدْخُول بِهن بِالْإِجْمَاع إِلَّا الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا كَانَت حَامِلا فَإِنَّهَا تَعْتَد بِالْوَضْعِ وَلم تمكث بعده سوى لَحْظَة لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: { وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) وَكَانَ ابْن عَبَّاس يرى أَن عَلَيْهَا أَن تَتَرَبَّص بأبعد الْأَجَليْنِ من الْوَضع أَو أَرْبَعَة أشهر وَعشرا للْجمع بَين الْآيَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يسْتَثْنى مِنْهَا الزَّوْجَة إِذا كَانَت أمة، فَإِن عدتهَا على النّصْف من عدَّة الْحرَّة: شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام، وَعَن الْحسن وَبَعض الظَّاهِرِيَّة التَّسْوِيَة بَين الْحَرَائِر وَالْإِمَاء.
قَوْله: (وَعشرا) ، إِنَّمَا لم يقل وَعشرَة، ذَهَابًا، إِلَى اللَّيَالِي وَالْأَيَّام دَاخِلَة فِيهَا ثمَّ الْحِكْمَة فِي هَذِه الْمدَّة مَا قَالَه الرَّاغِب: إِن الْأَطِبَّاء يَقُولُونَ إِن الْوَلَد فِي الْأَكْثَر إِذا كَانَ ذكرا يَتَحَرَّك بعد ثَلَاثَة أشهر، وَإِذا كَانَ أُنْثَى بعد أَرْبَعَة أشهر، فَجعل ذَلِك عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا، وَزيد عَلَيْهِ عشرَة أَيَّام للاستظهار، وخصت الْعشْرَة لِأَنَّهَا أكمل الْأَعْدَاد وَأَشْرَفهَا.
.

     وَقَالَ  سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة: سَأَلت سعيد بن الْمسيب: مَا بَال الْعشْرَة؟ قَالَ: فِيهِ ينْفخ الرّوح، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: روى عَنْهُمَا ابْن جرير، وَمن هُنَا ذهب أَحْمد فِي رِوَايَة: إِن عدَّة أم الْوَلَد عدَّة الْحرَّة لِأَنَّهَا صَارَت فراشا كالحرائر، وروى فِيهِ حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ: لَا تلبسوا علينا سنة نَبينَا عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه أَيْضا.
وَذهب إِلَى هَذَا أَيْضا طَائِفَة من السّلف مِنْهُم، سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَبِه كَانَ يَأْمر يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَبِه يَقُول الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه،.

     وَقَالَ  طَاوُوس وَقَتَادَة: عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا نصف عدَّة الْحرَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح بن حيى: تَعْتَد بِثَلَاث حيض، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ،.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: عدتهن حَيْضَة، وَبِه يَقُول ابْن عمر وَالشعْبِيّ وَمَكْحُول وَاللَّيْث وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر.
قَوْله: (فَإِذا بلغن أَجلهنَّ) ، أَي: إِذا انْقَضتْ عدتهن، قَالَه الضَّحَّاك وَالربيع بن أنس.
قَوْله: (فَلَا جنَاح عَلَيْكُم) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَيهَا الْأَئِمَّة وَجَمَاعَة الْمُسلمين،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: أَي: أولياؤها.
قَوْله: (فِيمَا فعلن) ، يَعْنِي: النِّسَاء اللَّاتِي انْقَضتْ عدتهن من التَّعَرُّض للخطاب، وَعَن الْحسن وَالزهْرِيّ وَالسُّديّ: بِالنِّكَاحِ الْحَلَال الطّيب.
قَوْله: (بِالْمَعْرُوفِ) ، أَي: بِالْوَجْهِ الَّذِي لَا يُنكره الشَّرْع.

يَعْفُونَ يَهَبْنَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: يعفون، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 1237) وَفَسرهُ بقوله يهبن، وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَنه قَول ابْن عَبَّاس وَشُرَيْح وَابْن الْمسيب وَعِكْرِمَة وَنَافِع وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَمُقَاتِل وَجَابِر بن زيد وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَالزهْرِيّ وَالضَّحَّاك وَالربيع بن أنس وَالسُّديّ، قَالَ: وَخَالفهُم مُحَمَّد بن كَعْب، فَقَالَ: (إِلَّا أَن يعفون) يَعْنِي: الرِّجَال.
قَالَ: وَهُوَ قَول شَاذ لم يُتَابع عَلَيْهِ انْتهى.
قلت: هَذِه اللَّفْظَة مُشْتَركَة بَين جمع الرِّجَال وَجمع النِّسَاء، تَقول: الرِّجَال وَالنِّسَاء يعفون، وَالْفرق تقديري، فالواو فِي الأول ضمير الرِّجَال وَالنُّون عَلامَة الرّفْع، وَفِي الثَّانِي الْوَاو لَام الْفِعْل وَالنُّون ضمير النِّسَاء فَلهَذَا لم تعْمل فِيهَا أَن، وَلَكِن فِي مَحل النصب، فوزن جمع الْمُذكر، يعفون، وَوزن جمع الْمُؤَنَّث يفعلن، فَافْهَم.



[ قــ :4279 ... غــ :4530 ]
- ح دَّثني أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ.

قُلْتُ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ: { وَالَّذِينَ يُتَوَّفوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا} قَال قَدْ نَسَخَتْها الآيَةُ الأُخْرَى فَلَم تَكْتُبُها أوْ تَدَعُها يَا ابنَ أخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئا مِنْ مَكانِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، ابْن بسطَام بن الْمُنْتَشِر العيشي الْبَصْرِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع بِفَتْح الزَّاي، وحبِيب هوابن الشَّهِيد أَبُو مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الْأمَوِي الْبَصْرِيّ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم، واسْمه زُهَيْر قَاضِي عبد الله بن الزبير والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (قَالَ ابْن الزبير) ، أَي: عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَوْله: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} وَتَمَامه (وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج) الْآيَة.
قَوْله: (فَلم تَكْتُبهَا) ؟ اسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار بِمَعْنى: لم تكْتب هَذِه الْآيَة وَقد نسختها الْآيَة الْأُخْرَى؟ وَهِي قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} (الْبَقَرَة: 234) والمنسوخة هِيَ قَوْله: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول} (الْبَقَرَة: 240) قَوْله: (أَو تدعها) ، شكّ من الرَّاوِي، أَي: فَلم تدعها أَي: تتركها مَكْتُوبَة.
قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن أخي) أَي: قَالَ عُثْمَان لِابْنِ الزبير يَا ابْن أخي، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على عَادَة الْعَرَب، أَو نظرا إِلَى أخوة الْإِيمَان، أَو لِأَن عُثْمَان من أَوْلَاد قصي وَكَذَلِكَ عبد الله بن الزبير.
قَوْله: (لَا أغير شَيْئا من مَكَانَهُ) ، أَي: لَا أغير شَيْئا مِمَّا كتب من الْقُرْآن وَكَانَ عبد الله ظن أَن مَا نسخ لَا يكْتب وَلَيْسَ كَمَا ظَنّه بل لَهُ فَوَائِد الأولى: أَن الله تَعَالَى لَو أَرَادَ نسخ لَفظه لرفعه كَمَا فعل فِي آيَات عديدة، وَمن صُدُور الحافظين أَيْضا.
الثَّانِيَة: أَن فِي تِلَاوَته ثَوابًا كَمَا فِي تِلَاوَة غَيره.
الثَّالِثَة: إِن كَانَ تثقيلاً وَنسخ بتَخْفِيف عرف بتذكره قدر اللطف، وَإِن كَانَ تَخْفِيفًا وَنسخ بتثقيل علم أَن المُرَاد انقياد النَّفس للأصعب لِأَن يظْهر فِيهَا عِنْد ذَلِك التَّسْلِيم والانقياد، وَكَانَ الحكم فِي أول الْإِسْلَام إِنَّه إِذا مَاتَ الرجل لم يكن لامْرَأَته شَيْء من الْمِيرَاث إلاَّ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى سنة، فالآية أَعنِي قَوْله: (ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة) أوجبت أَمريْن: أَحدهمَا: وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى من تَرِكَة الزَّوْج سنة.
وَالثَّانِي: وجوب الِاعْتِدَاد سنة لِأَن وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى من مَال الْمَيِّت يُوجب الْمَنْع من التَّزْوِيج بِزَوْج آخر ثمَّ نسخ هَذَا أَن الحكمان إِمَّا وجوب الْعدة فِي السّنة فبقوله: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَقيل: نسخ مَا زَاد فِيهِ، وَأما وجوب النَّفَقَة وَالسُّكْنَى فمنسوخ بِتَقْدِير نصِيبهَا من الْمِيرَاث، وَقيل: لَيْسَ فِيهَا نسخ، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَان من الْحول.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: كَيفَ نسخت الْآيَة الْمُتَقَدّمَة الْمُتَأَخِّرَة.
قلت: قد تكون الْآيَة مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة وَهِي مُتَأَخِّرَة فِي التَّنْزِيل، كَقَوْلِه عز وَجل: { سَيَقُولُ السُّفَهَاء} مَعَ قَوْله: (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء) .





[ قــ :480 ... غــ :4531 ]
- ح دَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا رَوْحٌ حدَّثنا شِبْلٌ عنِ ابنِ نَجيحٍ عنْ مُجاهِد والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا قَالَ كَانَتْ هاذِهِ العِدَّةُ تَعْتَدُ عِنْدَ أهْلِ زَوْجِها واجِبٌ فَأَنْزَلَ الله: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا وَصِيَّة لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعا إلَى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعْلنَ فِي أنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} .
قَالَ جَعَلَ الله لَهَا تَمامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شاءَت خَرَجَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: { غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْها زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.


قَوْله: حَدثنِي، ويروى: حَدثنَا إِسْحَاق.
قيل: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، كَمَا حدث بِهِ فِي الْأَحْزَاب أَو إِسْحَاق بن مَنْصُور كَمَا حدث بِهِ فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وشبل، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وباللام: ابْن عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله بن أبي نجيح الْمَكِّيّ.

قَوْله: ( كَانَت هَذِه الْعدة) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} قَوْله: ( فَأنْزل الله: { وَالذين يتوفون} ) ، فِي الْآيَة ذكرهَا ثمَّ قَالَ: ( جعل الله لَهَا) أَي: للمعتدة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الأولى ( تَمام السّنة) وبحسب الْوَصِيَّة فَإِن شَاءَت قبلت الْوَصِيَّة وَتعْتَد فِي بَيت أهل الزَّوْج إِلَى التَّمام، وَإِن شَاءَت اكتفت بِالْوَاجِبِ، وَهَذَا يدل على أَن مُجَاهدًا لَا يرى نسخ هَذِه الْآيَة أَعنِي قَوْله: ( ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم) إِلَى آخرهَا وَعند الْأَكْثَرين هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْآيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْله: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} قَوْله: ( وَصِيَّة) ، مَنْصُوب بِتَقْدِير: وَالَّذين يتوفون يوصون وَصِيَّة، أَو ألزم الَّذين يتوفون وَصِيَّة، وَيدل عَلَيْهِ قِرَاءَة عبد الله كتب عَلَيْكُم الْوَصِيَّة لأزواجكم، وقرىء وَصِيَّة بِالرَّفْع بِتَقْدِير: وَحكم الَّذين يتوفون وَصِيَّة، يَعْنِي: قبل أَن يحتضروا.
قَوْله: ( لأزواجهم) ، أَي: لزوجاتهم.
قَوْله: ( مَتَاعا) ، نصب بِتَقْدِير: يوصون مَتَاعا أَو بِتَقْدِير: متعوهن مَتَاعا وَقِرَاءَة أبي: مَتَاع لأزواجهم مَتَاعا، فعلى هَذَا نصب مَتَاعا بقوله: مَتَاع لِأَنَّهُ فِي معنى: التمتيع.
قَوْله: ( غير إِخْرَاج) ، حَال من الْأزْوَاج أَي: غير مخرجات، أَو بدل من: مَتَاعا.
وَحَاصِل الْمَعْنى: وَحقّ الَّذين يتوفون عَن أَزوَاجهم أَن يوصوا قبل أَن يحتضروا بِأَن تتمتع أَزوَاجهم بعدهمْ حولا كَامِلا.
أَي: ينْفق عَلَيْهِنَّ من تركته وَلَا يخرجهن من مساكنهن، وَكَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخت الْمدَّة.
قَوْله: { أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} ( الْبَقَرَة: 34) ونسحت النَّفَقَة بِالْإِرْثِ الَّذِي هُوَ الرّبع أَو الثّمن، وَهَذَا عِنْد الْجُمْهُور غير مُجَاهِد كَمَا ذكره الْآن.
قَوْله: ( فالعدة) ، كَمَا هِيَ وَاجِب عَلَيْهَا وَهِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر وَالْعشر.
قَوْله: ( زعم ذَلِك عَن مُجَاهِد) ، قَائِل هَذَا هُوَ شبْل بن عباد الرَّاوِي، وَالضَّمِير فِي: زعم، يرجع إِلَى بن أبي نجيح الرَّاوِي عَن مُجَاهِد.

وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهْلها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: { غَيْرَ إخْرَاجٍ} ( الْبَقَرَة: 4) .

أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: قيل: هَذَا عطف على قَوْله: عَن مُجَاهِد، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن أبي نجيح عَن عَطاء، وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق.
قلت: ظَاهره التَّعْلِيق، إِذْ لَو كَانَ عطفا لقَالَ: وَعَن عَطاء، وَقد روى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن مَسْعُود.
قَالَ: حَدثنَا شبْل عَن ابْن أبي نجيح.
قَالَ: قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس إِلَى آخر مَا ذكر هُنَا.

قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَتِ اعْتَدَتْ عِنْدَ أهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتها وَإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: { فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ} .
قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْمَّدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلا سَكْنَى لَهَا.

هَذَا من عَطاء كالتفسير لما رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، وَكَذَا ذكر أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: قَالَ عَطاء: إِن شَاءَت إِلَى آخِره، بعد أَن ذكر مَا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.

وَعَنْ مُحَمَّد بنِ يُوسُفَ حدَّثنا وَرْقَاءُ عَنْ ابنِ أبِي نَجيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ بِهَذَا
هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا مدرجا فِي رِوَايَة إِسْحَاق الَّذِي تقدم عَن روح بن شبْل، وَاخْتَارَهُ بَعضهم حَيْثُ قَالَ: وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف مَعْطُوفًا على قَوْله أخبرنَا روح.
قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) وَفِيه بعد.
وَالثَّانِي: أَن يكون البُخَارِيّ علقه عَن شَيْخه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء مؤنث الأورق بن عَمْرو الْخَوَارِزْمِيّ عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَإِن كَانَ كَذَا فقد وَصله أَبُو نعيم سُلَيْمَان بن أَحْمد عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن الْفرْيَابِيّ.
عَن وَرْقَاء، فَذكره.

وَعَنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها فِي أهْلِها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ الله غَيْرَ إخْرَاجٍ نَحْوَهُ.

هَذَا أَيْضا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين، وَالْأَظْهَر هُوَ الْوَجْه الثَّانِي أَنه رُوِيَ عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَالْحَاصِل أَن ابْن أبي نجيح روى عَن مُجَاهِد وَحده وقوفا عَلَيْهِ، وروى أَيْضا عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( نَحوه) ، أَي: نَحْو مَا رُوِيَ فِيمَا مضى عَن مُجَاهِد.



[ قــ :481 ... غــ :453 ]
- ح دَّثنا حِبَّانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ قَالَ جَلَسْتُ إلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبِي لَيْلَى فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ فِي شَأنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذالِكَ فَقُلْتُ إنِّي لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ أوْ مَالِكَ بنَ عَوْفٍ.

قُلْتُ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابنِ مَسْعُودٍ فِي المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجَها وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ أتَجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ وَلا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) إِلَى آخِره.
وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.

قَوْله: ( فِيهِ عظم) بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء، وَهُوَ جمع عَظِيم، وَأَرَادَ بِهِ عُظَمَاء الْأَنْصَار، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى واسْمه يسَار أَبُو عِيسَى الْكُوفِي،.

     وَقَالَ  عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أدْركْت عشْرين وَمِائَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الناء، الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ ابْن أخي عبد الله ابْن مَسْعُود، ذكره الْعقيلِيّ فِي ( الصَّحَابَة) قَالَ أَبُو عمر: فغلط، وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ أَو من كبار التَّابِعين بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ وَالِد عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة الْفَقِيه الْمدنِي الشَّاعِر شيخ ابْن شهَاب، اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكره البُخَارِيّ فِي التَّابِعين، ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى بِهِ فمسحه بِيَدِهِ ودعا لَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما خماسيا أَو سداسيا.
قَوْله: ( سبيعة بنت الْحَارِث) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة الأسْلَمِيَّة.
كَانَت امْرَأَة سعد بن خَوْلَة فَتوفي عَنْهَا بِمَكَّة، فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك إِن أَجلك أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَكَانَت قد وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، قيل: خمس وَعشْرين لَيْلَة؟ وَقيل: أقل من ذَلِك، فَلَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل ذَلِك أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخْبَرته، فَقَالَ لَهَا: قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت، وَبَعْضهمْ يروي: إِذا أَتَاك من ترْضينَ فتزوجي.
قَوْله: ( وَلَكِن عَمه) أَي عَم عبد الله بن عتبَة، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: ( لَا يَقُول ذَلِك) أَي: لَا يَقُول مَا قيل فِي شَأْن سبيعة الأسْلَمِيَّة، وَقد ذكرنَا الْآن مَا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل.
قَوْله: ( فَقلت إِنِّي لجريء) أَي: صَاحب جَرَاءَة غير متسحي.
قَوْله: ( على رجل فِي جَانب الْكُوفَة) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن عتبَة وَكَانَ سكن الْكُوفَة وَمَات بهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان.
قَوْله: ( قَالَ ثمَّ خرجت) ، أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَوْله: ( فَلَقِيت مَالك بن عَامر) الْهَمدَانِي، يكنى بِأبي عَطِيَّة قَالَ الْكرْمَانِي الصحابيّ باخْتلَاف،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: مَالك بن عَامر الوداعي تَابِعِيّ كُوفِي، يُقَال أدْرك الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: ( أَو مَالك بن عَوْف) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مَالك بن عَوْف بن نَضْلَة بن جريج بن حبيب الْجُشَمِي صَاحب ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( وَهِي حَامِل) ، الْوَاو وَفِيه حَال.
قَوْله: ( أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر.
وَقد يَمْتَد ذَلِك حَتَّى تجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين أَي: إِذا جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة إِذا وضعت أقل من أَرْبَعَة أشهر.
قَوْله: ( لنزلت) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( سُورَة النِّسَاء الْقصرى) ، وَهِي سُورَة الطَّلَاق، وفيهَا { وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .
قَوْله: ( بعد الطُّولى) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد السُّورَة الَّتِي هِيَ أطول جَمِيع السُّور الْقُرْآن يَعْنِي سُورَة الْبَقَرَة، وفيهَا: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} ( الْبَقَرَة: 34) .

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: حمل ابْن مَسْعُود على النّسخ أَي جعل مَا فِي الطَّلَاق نَاسِخا لما فِي الْبَقَرَة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يجمع عَلَيْهَا العدتين فَتعْتَد أقصاهما وَذَلِكَ لِأَن أحداهما ترفع الْأُخْرَى، فَلَمَّا أمكن الْجمع بَينهمَا جمع، وَأما عَامَّة الْفُقَهَاء فَالْأَمْر عِنْدهم مَحْمُول على التَّخْصِيص لخَبر سبيعة الأسْلَمِيَّة.
وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا عَطِيَّةَ مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.





[ قــ :481 ... غــ :453 ]
- ح دَّثنا حِبَّانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ قَالَ جَلَسْتُ إلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبِي لَيْلَى فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ فِي شَأنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذالِكَ فَقُلْتُ إنِّي لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ أوْ مَالِكَ بنَ عَوْفٍ.

قُلْتُ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابنِ مَسْعُودٍ فِي المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجَها وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ أتَجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ وَلا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) إِلَى آخِره.
وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.

قَوْله: ( فِيهِ عظم) بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء، وَهُوَ جمع عَظِيم، وَأَرَادَ بِهِ عُظَمَاء الْأَنْصَار، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى واسْمه يسَار أَبُو عِيسَى الْكُوفِي،.

     وَقَالَ  عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أدْركْت عشْرين وَمِائَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الناء، الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ ابْن أخي عبد الله ابْن مَسْعُود، ذكره الْعقيلِيّ فِي ( الصَّحَابَة) قَالَ أَبُو عمر: فغلط، وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ أَو من كبار التَّابِعين بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ وَالِد عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة الْفَقِيه الْمدنِي الشَّاعِر شيخ ابْن شهَاب، اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكره البُخَارِيّ فِي التَّابِعين، ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى بِهِ فمسحه بِيَدِهِ ودعا لَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما خماسيا أَو سداسيا.
قَوْله: ( سبيعة بنت الْحَارِث) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة الأسْلَمِيَّة.
كَانَت امْرَأَة سعد بن خَوْلَة فَتوفي عَنْهَا بِمَكَّة، فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك إِن أَجلك أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَكَانَت قد وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، قيل: خمس وَعشْرين لَيْلَة؟ وَقيل: أقل من ذَلِك، فَلَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل ذَلِك أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخْبَرته، فَقَالَ لَهَا: قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت، وَبَعْضهمْ يروي: إِذا أَتَاك من ترْضينَ فتزوجي.
قَوْله: ( وَلَكِن عَمه) أَي عَم عبد الله بن عتبَة، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: ( لَا يَقُول ذَلِك) أَي: لَا يَقُول مَا قيل فِي شَأْن سبيعة الأسْلَمِيَّة، وَقد ذكرنَا الْآن مَا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل.
قَوْله: ( فَقلت إِنِّي لجريء) أَي: صَاحب جَرَاءَة غير متسحي.
قَوْله: ( على رجل فِي جَانب الْكُوفَة) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن عتبَة وَكَانَ سكن الْكُوفَة وَمَات بهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان.
قَوْله: ( قَالَ ثمَّ خرجت) ، أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَوْله: ( فَلَقِيت مَالك بن عَامر) الْهَمدَانِي، يكنى بِأبي عَطِيَّة قَالَ الْكرْمَانِي الصحابيّ باخْتلَاف،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: مَالك بن عَامر الوداعي تَابِعِيّ كُوفِي، يُقَال أدْرك الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: ( أَو مَالك بن عَوْف) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مَالك بن عَوْف بن نَضْلَة بن جريج بن حبيب الْجُشَمِي صَاحب ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( وَهِي حَامِل) ، الْوَاو وَفِيه حَال.
قَوْله: ( أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر.
وَقد يَمْتَد ذَلِك حَتَّى تجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين أَي: إِذا جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة إِذا وضعت أقل من أَرْبَعَة أشهر.
قَوْله: ( لنزلت) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.
قَوْله: ( سُورَة النِّسَاء الْقصرى) ، وَهِي سُورَة الطَّلَاق، وفيهَا { وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) .
قَوْله: ( بعد الطُّولى) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد السُّورَة الَّتِي هِيَ أطول جَمِيع السُّور الْقُرْآن يَعْنِي سُورَة الْبَقَرَة، وفيهَا: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} ( الْبَقَرَة: 34) .

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: حمل ابْن مَسْعُود على النّسخ أَي جعل مَا فِي الطَّلَاق نَاسِخا لما فِي الْبَقَرَة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يجمع عَلَيْهَا العدتين فَتعْتَد أقصاهما وَذَلِكَ لِأَن أحداهما ترفع الْأُخْرَى، فَلَمَّا أمكن الْجمع بَينهمَا جمع، وَأما عَامَّة الْفُقَهَاء فَالْأَمْر عِنْدهم مَحْمُول على التَّخْصِيص لخَبر سبيعة الأسْلَمِيَّة.

وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا عَطِيَّةَ مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.