فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من صلى وقدامه تنور أو نار، أو شيء مما يعبد، فأراد به الله

( بابُُ مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَو نارٌ أَو شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَد فَأَرَادَ بهِ وَجْهَ الله تَعَالَى)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من صلى وَبَين يَدَيْهِ تنور أَو شَيْء إِلَى آخِره، يَعْنِي لَا يكره، فَإِن قلت: لَمْ يُوضح البُخَارِيّ ذَلِك بل أجمله وأبهمه يحْتَمل: لَا يكره، وَيحْتَمل: يكره، فَمن أَيْن تَرْجِيح احْتِمَال عدم الْكَرَاهَة؟ قلت: إِيرَاده بِالْحَدِيثين الْمَذْكُورين فِي الْبابُُ يدل على احْتِمَال عدم الْكَرَاهَة، لِأَن النَّبِي لَا يُصَلِّي صَلَاة مَكْرُوهَة، وَلَكِن لَا يتم استدلاله بِهَذَا من وُجُوه:
الأول: مَا ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ بقوله: لَيْسَ مَا أرَاهُ اتعالى من النَّار حِين أطلعه عَلَيْهَا بِمَنْزِلَة نَار يتَوَجَّه الْمَرْء إِلَيْهَا وَهِي معبودة لقوم، وَلَا حكم مَا أرِي ليخبرهم كَحكم من وضع الشَّيْء بَين يَدَيْهِ أَو رَآهُ قَائِما مَوْضُوعا، فَجعله أَمَام مُصَلَّاهُ وقبلته.
الْوَجْه الثَّانِي: مَا ذكره السفاقسي: لَيْسَ فِيهِ مَا بوب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يَفْعَله مُخْتَارًا، وَإِنَّمَا عرض ذَلِك لِمَعْنى أَرَادَهُ اتعالى، ورؤيته للنار رُؤْيَة عين كشف اعنها، فَأرَاهُ إِيَّاهَا، وَكَذَلِكَ الْجنَّة كَمَا كشف لَهُ عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
الْوَجْه الثَّالِث: مَا ذكره القَاضِي السرُوجِي فِي ( شرح الْهِدَايَة) فَقَالَ: لَا دلَالَة فِي هَذَا الحَدِيث على عدم الْكَرَاهَة، لِأَنَّهُ، قَالَ: أُريت النَّار، وَلَا يلْزم أَن تكون أَمَامه مُتَوَجها إِلَيْهَا، بل يجوز أَن تكون عَن يَمِينه أَو عَن يسَاره أَو غير ذَلِك.
الْوَجْه الرَّابِع: مَا ذكره هُوَ أَيْضا، فَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك وَقع لَهُ قبل شُرُوعه فِي الصَّلَاة.
انْتهى.
قلت: قد تصدى بَعضهم فِي نصْرَة البُخَارِيّ فَأجَاب عَن هذَيْن الْوَجْهَيْنِ بِجَوَاب تمجه الأسماع وتستمجه الطباع، وَهُوَ أَن البُخَارِيّ كوشف بِهَذَا الِاعْتِرَاض فَعجل بِالْجَوَابِ عَنهُ حَيْثُ صدر الْبابُُ بالمعلق عَن أنس، فَفِيهِ: ( عرضت عَليّ النَّار وَأَنا أُصَلِّي) .
وَأما كَونه رَآهَا أَمَامه فسياق حَدِيث ابْن عَبَّاس يَقْتَضِيهِ، فَفِيهِ أَنهم قَالُوا لَهُ بعد أَن انْصَرف: ( يَا رَسُول ارأيناك تناولت شَيْئا فِي مقامك ثمَّ رَأَيْنَاك تكعكعت) أَي: تَأَخَّرت إِلَى خلف، وَفِي جَوَابه أَن ذَلِك بِسَبَب كَونه أرى النَّار انْتهى.

فَانْظُر إِلَى هَذَا الْأَمر الْغَرِيب العجيب، شخص يكاشف اعْتِرَاض شخص يَأْتِي من بعده بِمدَّة مِقْدَار خَمْسمِائَة سنة أَو أَكثر بِقَلِيل، ويجيب عَنهُ بتصدير هَذَا الْبابُُ الَّذِي فِيهِ حَدِيث أنس مُعَلّقا، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس مَوْصُولا، وَمَعَ هَذَا لَا يتم الْجَواب بِمَا ذكره، وَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ للْبُخَارِيّ.
بَيَان ذَلِك أَن قَوْله: ( وَأَنا أُصَلِّي) ، فِي حَدِيث أنس، يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: وَأَنا أُرِيد الصَّلَاة، وَلَا مَانع من هَذَا التَّقْدِير.
وَأما تنَاوله الشَّيْء وتأخره إِلَى خلف فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يسْتَلْزم أَن يكون ذَلِك بِسَبَب رُؤْيَته النَّار أَمَامه، وَلَا يَسْتَحِيل أَن يكون ذَلِك بِسَبَب رُؤْيَته إِيَّاهَا عَن يَمِينه أَو عَن شِمَاله.
وَقَوله وَفِي جَوَابه: إِن ذَلِك بِسَبَب كَونه أرِي النَّار، مُسلم إِن ذَلِك كَانَ بِسَبَب كَونه أرِي النَّار، وَلَكِن لَا نسلم أَنه كَانَ ذَلِك بِسَبَب كَون رُؤْيَته النَّار أَمَامه، وَلَئِن سلمنَا جَمِيع ذَلِك فَنَقُول: لنا جوابان آخرَانِ غير الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة:
أَحدهمَا: أَنه أريها فِي جَهَنَّم وَبَينه وَبَينهَا مَا لَا يُحْصى من بعد الْمسَافَة، فَعدم كَرَاهَة صلَاته لذَلِك.
وَالْآخر: يجوز أَن يكون ذَلِك مِنْهُ رُؤْيَة علم ووحي باطلاعه وتعريفه فِي أمورها، تَفْصِيلًا مَا لم يعرفهُ قبل ذَلِك.
وَجَوَاب آخر: ذكره ابْن التِّين،.

     وَقَالَ : لَا حجَّة فِيهِ على التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لم يفعل ذَلِك اخْتِيَارا، وَإِنَّمَا عرض عَلَيْهِ ذَلِك للمعنى الَّذِي أَرَادَهُ امن تنبيهه للعباد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَتعقب بِأَن الِاخْتِيَار وَعَدَمه فِي ذَلِك سَوَاء مِنْهُ قلت: لَا نسلم التَّسْوِيَة، فَإِن الْكَرَاهَة تتأكد عِنْد الِاخْتِيَار، وَأما عِنْد عَدمه فَلَا كَرَاهَة لعدم الْعلَّة الْمُوجبَة للكراهة، وَهِي التَّشَبُّه بعبدة النَّار.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: الصَّلَاة جَائِزَة إِلَى كل شَيْء إِذا لم يقْصد الصَّلَاة إِلَيْهِ وَقصد بهَا اتعالى، وَالسُّجُود لوجهه خَالِصا.
وَلَا يضرّهُ اسْتِقْبَال شَيْء من المعبودات وَغَيرهَا، كَمَا لم يضر النَّبِي، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، مَا رَآهُ فِي قبلته من النَّار.

قَوْله: ( وقدامه تنور) جملَة إسمية وَقعت حَالا.
فَقَوله: ( تنور) مُبْتَدأ، و ( قدامه) بِالنّصب على الظّرْف خَبره، و: التَّنور، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم النُّون الْمُشَدّدَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: حفيرة النَّار: قلت: التَّنور مَشْهُور، وَهُوَ تَارَة يحْفر فِي الأَرْض حفيرة، وَتارَة يتَّخذ من الطين ويدفن فِي الأَرْض وتوقد فِيهِ النَّار إِلَى أَن يحمى فيخبز فِيهِ، وَتارَة يطْبخ فِيهِ، فَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وَقيل: مُعرب توافقت عَلَيْهِ الْعَرَب والعجم.
قَوْله: ( أَو نَار) ، عطف على قَوْله: ( تنور) .
فَإِن قلت: هَذَا يُغني عَن ذكر التَّنور.
قلت: هَذَا من عطف الْعَام على الْخَاص، وَفَائِدَته الاهتمام بِهِ لِأَن عَبدة النَّار من الْمَجُوس لَا يعْبدُونَ إلاَّ النَّار المكومة الظَّاهِرَة، وَرُبمَا لَا تظهر النَّار من التَّنور لعمقه أَو لقلَّة النَّار.
قَوْله: ( أَو شَيْء مِمَّا يعبد) عطف على مَا قبله، وَالتَّقْدِير أَو: من صلى وقدامه شَيْء مِمَّا يعبد كالأوثان والأصنام والتماثيل والصور وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعبده أهل الضلال وَالْكفْر، وَهَذَا أَعم من النَّار والتنور.
قَوْله: ( فَأَرَادَ بِهِ وَجه ا) أَي: فَأَرَادَ الْمُصَلِّي الَّذِي قدامه شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء ذَات اتعالى، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الصَّلَاة إِلَى شَيْء من الْأَشْيَاء الَّتِي ذكرهَا لَا تكون مَكْرُوهَة إِذا قصد بِهِ وَجه اتعالى، وَلم يقْصد الصَّلَاة إِلَيْهِ.
وَعند أَصْحَابنَا يكره ذَلِك مُطلقًا لما فِيهِ من نوع التَّشَبُّه بعبدة الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة ظَاهرا، وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) عَن ابْن سيربن أَنه كره الصَّلَاة إِلَى التَّنور،.

     وَقَالَ : بَيت نَار.

وقالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبرنِي أَنَسٌ قَالَ قَالَ النَّبِي عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأنَا أصلِّي وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث الْمُعَلق للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، شَاهد النَّار وَهُوَ فِي الصَّلَاة، وَلَكِن فِيهِ مَا فِيهِ، وَقد أمعنا الْكَلَام فِيهِ، وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الَّذِي علقه مَوْصُولا فِي بابُُ: وَقت الظّهْر عِنْد الزَّوَال، كَمَا ستقف عَلَيْهِ عَن قريب إِن شَاءَ اتعالى، وَأخرجه أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي عَن عبد اللَّه ابْن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ.



[ قــ :423 ... غــ :431]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَم عنْ عَطاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى رسولُ الله ثُمَّ قَالَ: أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أرَ مَنْظَراً كالْيَوْمِ قَطُّ أفْظَعَ.
.

وَجه التطابق مَعَ مَا فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الَّذِي مضى فِي حَدِيث أنس.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غَيره مرّة.

وَمن لطائف إِسْنَاده: أَن فِيهِ: صِيغَة التحديث بِالْجمعِ فِي مَوضِع وَاحِد، وَالْبَاقِي عنعنة، وَأَن: رُوَاته كلهم مدنيون إلاَّ أَن عبد اللَّه بن مسلمة سكن الْبَصْرَة.
وَأَن هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مر فِي بابُُ كفران العشير.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صَلَاة الخسوف، وَفِي الْإِيمَان عَن عبد اللَّه بن مسلمة، وَفِي النِّكَاح عَن عبد اللَّه بن يُوسُف، وَفِي بَدْء الْخلق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَنهُ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك بِهِ، وَعَن سُوَيْد بن سعيد عَن حَفْص بن ميسرَة عَن زيد بن أسلم بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: ( انخسفت الشَّمْس) أَي: انكسفت، روى جمَاعَة أَن الْكُسُوف يكون فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، وروى جمَاعَة فيهمَا بِالْخَاءِ، وروى جمَاعَة فِي الشَّمْس بِالْكَاف، وَفِي الْقَمَر بِالْخَاءِ، وَالْكثير فِي اللُّغَة، وَهُوَ اخْتِيَار الْفراء أَن يكون الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر، يُقَال: كسفت الشَّمْس وكسفها اتعالى، وانكسفت.
وَخسف الْقَمَر وخسفه اوانخسف، وَذكر ثَعْلَب فِي ( الفصيح) أَن كسفت الشَّمْس وَخسف الْقَمَر أَجود الْكَلَام.
وَفِي ( التَّهْذِيب) للأزهري خسف الْقَمَر وخسفت الشَّمْس إِذا ذهب ضوؤهما.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: خسف الْقَمَر وكسف وَاحِد: ذهب ضوؤه، وَقيل: الْكُسُوف أَن يكسف ببعضهما، والخسوف أَن يخسف بكلهما، قَالَ اتعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} ( الْقَصَص: 18) .
.

     وَقَالَ  شمر: الْكُسُوف فِي الْوَجْه: الصُّفْرَة والتغير،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب فِي ( شرح الْمُوَطَّأ) : الْكُسُوف تغير اللَّوْن، والخسوف انخسافهما، وَكَذَلِكَ تَقول فِي عين الْأَعْوَر إِذا انخسفت وَغَارَتْ فِي جفن الْعين وَذهب نورها وضياؤها.
وَفِي ( نَوَادِر اليزيدي) و ( الغريبين) انكسفت الشَّمْس، وانكر ذَلِك الْفراء والجوهري.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: كسفت الشَّمْس وَالْقَمَر تكسف كسوفاً فَهِيَ كاسفة، وكسفت فَهِيَ مكسوفة وَقوم يَقُولُونَ: انكسفت وَهُوَ غلط.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْعَامَّة يَقُولُونَ: انكسفت وَفِي ( الْمُحكم) : كسفها اوأكسفها، وَالْأولَى أَعلَى، وَالْقَمَر كَالشَّمْسِ.
.

     وَقَالَ  اليزيدي: خسف الْقَمَر وَهُوَ يخسف خسوفاً فَهُوَ خسف وخسيف وخاسف، وانخسف انخسافاً قَالَ: وانخسف أَكثر فِي أَلْسِنَة النَّاس، وَفِي ( شرح الفصيح) لأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْجَلِيل: كسفت الشَّمْس اسودت فِي رَأْي الْعين من ستر الْقَمَر إِيَّاهَا عَن الْأَبْصَار، وَبَعْضهمْ يَقُول: كسفت على مَا لم يسم فَاعله، وانكسفت.
وَعَن أبي حَاتِم: إِذا ذهب ضوء بعض الشَّمْس بخفاء بعض جرمها فَذَلِك الْكُسُوف، وَزعم ابْن التِّين وَغَيره: أَن بعض اللغويين قَالَ: لَا يُقَال فِي الشَّمْس إلاَّ كسفت، وَفِي الْقَمَر إلاَّ خسف، وَذكر هَذَا عَن عُرْوَة بن الزبير أَيْضا، وَحكى عِيَاض عَن بعض أهل اللُّغَة عَكسه، وَهَذَا غير جيد، لقَوْله تَعَالَى: { وَخسف الْقَمَر} ( الْقِيَامَة: 8) .
وَعند ابْن طريف: كسفت الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْوُجُوه كسوفاً، وَفِي ( المغيث) لأبي مُوسَى: روى حَدِيث الْكُسُوف عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَسمرَة وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَعبد اللَّه ابْن عَمْرو والمغيرة وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو بكرَة وَأَبُو شُرَيْح الكعبي والنعمان بن بشير وَقبيصَة الْهِلَالِي، رَضِي اعنهم جَمِيعًا، بِالْكَاف.
وَرَوَاهُ أَبُو مُوسَى وَأَسْمَاء وَعبد اللَّه بن عدي بن الْخِيَار، بِالْخَاءِ.
وَرُوِيَ عَن جَابر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة رَضِي اعنهم باللفظين جَمِيعًا، كلهم حكوا عَن النَّبِي: ( لَا ينكسفان) ، بِالْكَاف، فَسُمي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر كسوفاً.

قلت: أغفل حَدِيث ابْن مَسْعُود من عِنْد البُخَارِيّ: لَا ينكسفان.
قَوْله: ( فصلى رَسُول ا) أَي: صَلَاة الْكُسُوف.
قَوْله: ( أريت) ، بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء، أَي: بصرت النَّار فِي الصَّلَاة.
قَوْله: ( كَالْيَوْمِ) ، الْكَاف للتشبيه بِمَعْنى: مثل، وَهُوَ صفة لقَوْله: ( منْظرًا) ، وَهُوَ مَوضِع النّظر مَنْصُوب بقوله: ( لم أر) .
قَوْله: ( أفظع) ، بِالنّصب صفة لقَوْله: ( منْظرًا) ، وَفِيه حذف أَيْضا وَتَقْدِير الْكَلَام: فَلم أر منْظرًا أفظع مثل منظر الْيَوْم، وأفظع من الفظيع، وَهُوَ الشنيع الشَّديد، والمجاوز للمقدار، يُقَال: فظع الْأَمر بِالضَّمِّ، فظاعة فَهُوَ فظيع أَي: شَدِيد شنيع جَاوز الْمِقْدَار.
وَكَذَلِكَ أفظع الْأَمر فَهُوَ مفظع، وأفظع الرجل، على مَا لم يسم فَاعله، أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم.
فَإِن قلت: أفظع أفعل، وَلَا يسْتَعْمل إلاَّ بِمن، قلت: أفظع هُنَا بِمَعْنى فظيع، فَلَا يحْتَاج إِلَى: من، أَو يكون على بابُُه، وَحذف مِنْهُ من، كَمَا فِي اأكبر، أَي: أكبر من كل شَيْء.
قَوْله: ( قطّ) هَهُنَا لاستغراق زمَان مضى فتختص بِالنَّفْيِ، واشتقاقه من: قططته أَي: قطعته، فَمَعْنَى: مَا فعلته قطّ، مَا فعلته فِيمَا انْقَطع من عمري، وَهِي بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء المضمومة فِي أفْصح اللُّغَات، وَقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وَقد تتبع قافه طاءه فِي الضَّم، وَقد تخفف طاؤه مَعَ ضمهَا أَو اسكانها، وبنيت لتضمنها معنى: مذ، وَإِلَى إِذْ الْمَعْنى: مذ أَن خلقت إِلَى الْآن.
وَإِنَّمَا بنيت على الْحَرَكَة لِئَلَّا يلتقي ساكنان، وعَلى الضمة تَشْبِيها بالغايات.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ اسْتِحْبابُُ صَلَاة الْكُسُوف.
وَفِيه: أَن النَّار مخلوفة الْيَوْم وَكَذَا الْجنَّة، إِذْ لَا قَائِل بِالْفرقِ خلافًا لمن أنكر ذَلِك من الْمُعْتَزلَة.
وَفِيه: من معجزات النَّبِي، رُؤْيَته النَّار رَأْي عين حَيْثُ كشف اتعالى عَنهُ الْحجب، فرآها مُعَاينَة كَمَا كشف اله عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
وَفِيه: على مَا بوب البُخَارِيّ عدم كَرَاهَة الصَّلَاة إِذا كَانَت بَين يَدي الْمُصَلِّي نَار وَلم يقْصد بِهِ إلاَّ وَجه اتعالى.