فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كيف يستحلف

( بابُُ كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: كَيفَ يسْتَحْلف من يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْيَمين، ويستحلف، بِضَم الْيَاء: على صِيغَة الْمَجْهُول.

قَالَ الله تَعَالَى: {يحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ} ( التَّوْبَة: 26) .
وقوْلِهِ عزَّ وجَلَّ {ثُمَّ جَاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّه إنْ أرَدْنَا إلاَّ إحْساناً وتوْفِيقاً} ( النِّسَاء: 26) .
وقَوْلِ الله {ويَحْلِفُونَ بِاللَّه إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} ( التَّوْبَة: 65) .
ويَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ لِيُرْضُوكْمْ} ( التَّوْبَة: 26) .
{فَيُقْسِمانِ بِاللَّه لَشَهَادَتُنا أحَقُّ مِنْ شَهَادَتُهُما} ( الْمَائِدَة: 701) .


ذكر هَذِه الْآيَات الَّتِي فِيهَا الْحلف بِاللَّه، وَهِي مُنَاسبَة للتَّرْجَمَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: غَرَضه بذلك أَنه لَا يجب تَغْلِيظ الْحلف بالْقَوْل: قلت: غَرَضه بذلك الْإِشَارَة إِلَى أَن أصل الْيَمين أَن تكون بِلَفْظ الله، لما يذكر عَن قريب عَن عبد الله بن مَسْعُود، أَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) .
.

يُقالُ بِاللَّه وتالله وَوالله

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الإسم الَّذِي يحلف بِهِ، وَإِلَى حُرُوف الْقسم، أما الِاسْم الَّذِي يحلف بِهِ فَهُوَ لفظ الله، وَهُوَ الأَصْل فِيهِ، وَأما حُرُوف الْقسم فَهِيَ: الْبَاء الْمُوَحدَة نَحْو: بِاللَّه، وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق نَحْو: تالله، وَالْوَاو نَحْو: وَالله، وَالْكل ورد فِي الْقُرْآن أما الْبَاء فَقَوله تَعَالَى: {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه} ( النَّمْل: 94) .
و ( أما التَّاء فَقَوله تَعَالَى: {تالله لقد آثرك الله علينا} ( يُوسُف: 19) .
وَأما الْوَاو فَقَوله {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} ( الْأَنْعَام: 32) .
، وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة الْيَمين وَالْخلاف فِيهِ عَن قريب فِي: بابُُ يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ حَيْثُ مَا وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّه كاذِباً بعْدَ العَصْرِ وَلَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ الله

هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث ذكره مَوْصُولا عَن أبي هُرَيْرَة فِي: بابُُ الْيَمين بعد الْعَصْر، وَذكره هُنَا بِالْمَعْنَى، وغرضه من ذكره هُنَا هُوَ قَوْله: ( وَرجل حلف بِاللَّه) .
قَوْله: ( وَلَا يحلف بِغَيْر الله) لَيْسَ من الحَدِيث، بل من كَلَام البُخَارِيّ ذكره تكميلاً للتَّرْجَمَة.



[ قــ :2560 ... غــ :2678 ]
-
حدَّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ عَمِّهِ أبي سُهَيْلٍ عَن أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بنُ عُبَيْدِ الله يقولُ جاءَ رجلٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يَسْألُهُ عنِ الإسْلامِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمسُ صَلَواتٍ فِي اليَوْمِ واللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُها قَالَ لَا إلاَّ أنْ تَطَوَّعَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصِيامُ رَمَضانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ قالَ وذَكَرَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاةَ قَالَ هَلْ عليَّ غَيْرُها قَالَ لَا إلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ قَالَ فأدْبَرَ الرُّجُلُ وهْوَ يَقولُ وَالله لَا أزِيدُ عَلى هَذَا وَلَا أنْقُصُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفْلَحَ إنْ صَدَقَ.

( انْظُر الحَدِيث 64) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَالله لَا أَزِيد على هَذَا) ، فَهَذَا هُوَ صُورَة الْحلف بِلَفْظ اسْم الله، وبالباء الْمُوَحدَة، والْحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد قد مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ الزَّكَاة من الْإِسْلَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.





[ قــ :561 ... غــ :679 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيل قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ قَالَ ذَكَرَ نافعٌ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ كانَ حالِفَاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّه أوْ لِيَصْمُتْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فليحلف بِاللَّه) ، وَجُوَيْرِية تَصْغِير: جَارِيَة ابْن أَسمَاء، على وزن حَمْرَاء، وهما من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب.

قَوْله: ( من كَانَ حَالفا) إِلَى آخِره، أَي: من أَرَادَ أَن يحلف ( فليحلف بِاللَّه) أَو لَا يحلف أصلا، وَهُوَ دَال على الْمَنْع من الْحلف بِغَيْر الله، وَلَا شكّ فِي انْعِقَاد الْيَمين باسم الذَّات وَالصِّفَات الْعلية، وَأما الْيَمين بِغَيْر ذَلِك فَهُوَ مَمْنُوع.

وَاخْتلفُوا: هَل هُوَ منع تَحْرِيم أَو تَنْزِيه؟ وَالْخلاف فِيهِ مَوْجُود عِنْد الْمَالِكِيَّة، فالأقسام ثَلَاثَة: الأول: مَا يُبَاح الْيَمين بِهِ، وَهُوَ مَا ذكرنَا من اسْم الذَّات وَالصِّفَات.
الثَّانِي: مَا يحرم الْيَمين بِهِ بِالْإِنْفَاقِ كالأنصاب والأزلام وَاللات والعزى، فَإِن قصد تعظيمها فَهُوَ كفر، كَذَا قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة مُعَلّقا لِلْقَوْلِ فِيهِ، حَيْثُ يَقُول: فَإِن قصد تعظيمها يكفر، وإلاَّ فَحَرَام، وَالْقسم بالشَّيْء تَعْظِيم لَهُ.
وَالثَّالِث: مَا يخْتَلف فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْكَرَاهَة، وَهُوَ مِمَّا عدا ذَلِك مِمَّا لَا يَقْتَضِي تَعْظِيمه،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَأَجْمعُوا أَنه لَا يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يسْتَحْلف إلاَّ بِاللَّه لَا بالعتاق أَو الْحَج أَو الْمُصحف وَإِن اتهمه القَاضِي غلظ عَلَيْهِ الْيَمين بِزِيَادَة من صِفَات الله عز وَجل، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ كَيفَ يسْتَحْلف.