فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مناقب الأنصار

( بابُُ مَناقِبِ الأنصَارِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار، وَالْأَنْصَار جمع نصير مثل شرِيف وأشراف، والنصير النَّاصِر وَجمعه: نصر مثل صَاحب وَصَحب، وَالْأَنْصَار إسم إسلامي سمي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوْس والخزرج وحلفاءهم، والأوس ينتسبون إِلَى أَوْس بن حَارِثَة، والخزرج ينتسبون إِلَى الْخَزْرَج بن حَارِثَة، وهما ابْنا قيلة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة، وَقيل: قيلة بنت كَاهِل بن عذرة بن سعد ابْن قضاعة، وأبوهما حَارِثَة بن ثَعْلَبَة من الْيمن.

وقَوْلِ الله عز وجلَّ {والَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ والإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِمْ ولاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا} ( الْحَشْر: 9) .

وَقَول الله عز وَجل، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَنَاقِب الْأَنْصَار، لِأَنَّهُ مُضَاف مجرور بِإِضَافَة الْبابُُ إِلَيْهِ، وَفِي النّسخ الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ: بابُُ، يكون مَرْفُوعا، لِأَنَّهُ يكون عطفا على لفظ: المناقب أَيْضا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مَرْفُوعا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا مَنَاقِب الْأَنْصَار، يَعْنِي: هَذَا الَّذِي نذكرهُ مَنَاقِب الْأَنْصَار.
قَوْله: وَالَّذين تبوؤا} ( الْحَشْر: 9) .
أَي: اتَّخذُوا ولزموا، والتبوؤ فِي الأَصْل التَّمَكُّن والاستقرار، وَالْمرَاد بِالدَّار: دَار الْهِجْرَة نزلها الْأَنْصَار قبل الْمُهَاجِرين وابتنوا الْمَسَاجِد قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ فَأحْسن الله عَلَيْهِم الثَّنَاء.
قَوْله: ( وَالْإِيمَان) فِيهِ إِضْمَار أَي: وآثروا الْإِيمَان، وَهَذَا من قبيل قَول الشَّاعِر:
علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا
وَزعم مُحَمَّد بن الْحسن بن زبالة أَن الْإِيمَان اسْم من أَسمَاء الْمَدِينَة، وَاحْتج بِالْآيَةِ، وَلَا حجَّة لَهُ فِيهَا، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بمَكَان.
قَوْله: ( من قبلهم) أَي: من قبل الْمُهَاجِرين.
قَوْله: ( يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم) أَي: من الْمُسلمين حَتَّى بلغ من محبتهم أَن نزلُوا لَهُم عَن نِسَائِهِم وشاطروهم أَمْوَالهم ومساكنهم.
قَوْله: ( حَاجَة) أَي: حسداً وغيظاً مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ، وَقد مر شَيْء من ذَلِك فِي أَوَائِل مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.



[ قــ :3600 ... غــ :3776 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مَهْدِي بنُ مَيْمُونٍ حدَّثنا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ.

قُلْتُ لأِنَسٍ أرَأيْتُمْ اسْمَ الأنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمُّونَ بِهِ أمْ سَمَّاكُمُ الله قَالَ بَلْ سَمَّانَا الله كُنَّا نَدْخُلُ علَى أنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا مَناقِبَ الأنْصَارِ ومَشَاهِدَهُمْ ويُقْبِلُ عَلَيَّ أوْ علَى رَجُلٍ مِنَ الأزْدِ فيَقُولُ فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وكَذَا وكَذَا وكَذَا.
( الحَدِيث 6773 طرفه فِي: 4483) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( أَرَأَيْتُم؟) أَي: أخبروني أَنكُمْ قبل الْقُرْآن كُنْتُم تسمون بالأنصار أم لَا؟ قَوْله: ( بل سمانا الله) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} ( التَّوْبَة: 011) .
قَوْله: ( كُنَّا ندخل على أنس) أَي: بِالْبَصْرَةِ.
قَوْله: ( فَيقبل عَليّ) أَي: مُخَاطبا لي، من الإقبال، و: عَليّ، بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( أَو على رجل) ، شكّ من الرَّاوِي، أَي: أَو يقبل أنس على رجل من الأزد، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد هُوَ غيلَان الْمَذْكُور لِأَنَّهُ من الأزد، وَيحْتَمل أَن يكون غَيره من الأزد.
فَإِن قلت: فعلى التَّقْدِيرَيْنِ: قَالَ أنس: فعل قَوْمك، بِالْخِطَابِ إِلَى غيلَان أَو غَيره من الأزد بقوله: قَوْمك، وَلَيْسَ قومه من الْأَنْصَار؟ قلت: هَذَا بِاعْتِبَار النِّسْبَة الأعمية إِلَى الأزد، فَإِن الأزد يجمعهُمْ قَوْله: ( فعل قَوْمك كَذَا) ، أَي: يَحْكِي مَا كَانَ من مآثرهم فِي الْمَغَازِي وَنصر الْإِسْلَام.
قَوْله: ( كَذَا وَكَذَا) وَاعْلَم أَن: كَذَا، ترد على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ مكنياً بهَا عَن غير عدد، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِهِ هُنَا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: يُقَال للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة: أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا فعلت كَذَا وَكَذَا؟ .





[ قــ :3600 ... غــ :3777 ]
- حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو أُسَامَة عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ كانَ يَوْمَ بُعاثَ يَوْمَاً قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد افْتَرَقَ مَلأهُمْ وقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا فقَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الإسْلاَمِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث مثل مَا فِي الحَدِيث السَّابِق، وَسَنَده بِعَيْنِه مضى فِي الْبابُُ السَّابِق، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن عبيد الله بن سعيد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بُعَاث) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: وَهُوَ يَوْم من أَيَّام الْأَوْس والخزرج مَعْرُوف،.

     وَقَالَ  العسكري: روى بَعضهم عَن الْخَلِيل بن أَحْمد بالغين الْمُعْجَمَة،.

     وَقَالَ  أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: صحفه ابْن المظفر، وَمَا كَانَ الْخَلِيل ليخفى عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ من مشاهير أَيَّام الْعَرَب، وَإِنَّمَا صحفه اللَّيْث وَعَزاهُ إِلَى الْخَلِيل نَفسه وَهُوَ لِسَانه، وَذكر النَّوَوِيّ أَن أَبَا عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى ذكره أَيْضا بغين مُعْجمَة، وَحكى الْقَزاز فِي ( الْجَامِع) : أَنه يُقَال بِفَتْح أَوله أَيْضا، وَذكر عِيَاض: أَن الْأصيلِيّ رَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ، يَعْنِي بِالْعينِ الْمُهْملَة والمعجمة، وَأَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بالغين الْمُعْجَمَة وَجها وَاحِدًا، وَهُوَ مَكَان، وَيُقَال: إِنَّه حصن على ميلين من الْمَدِينَة،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: يجوز صرفه وَتَركه.
قلت: إِذا كَانَ اسْم يَوْم يجوز صرفه، وَإِذا كَانَ اسْم بقْعَة يتْرك صرفه للتأنيث والعلمية.
.

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: بُعَاث، حصن لِلْأَوْسِ،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: وَهُوَ على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة، وَكَانَت بِهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين الْأَوْس والخزرج قتل فِيهَا كثير مِنْهُم، وَكَانَ رَئِيس الأول فِيهِ حضير وَالِد أسيد بن حضير، وَكَانَ يُقَال لَهُ: حضير الْكَتَائِب وَكَانَ فارسهم، وَيُقَال: إِنَّه ركز الرمْح فِي قدمه يَوْم بُعَاث،.

     وَقَالَ : أَتَرَوْنَ أَنِّي أفر؟ فَقتل يَوْمئِذٍ، وَكَانَ لَهُ حصن منيع يُقَال لَهُ: وأقم، وَكَانَ رَئِيس الْخَزْرَج يَوْمئِذٍ، وَكَانَ ذَلِك قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ سنة، وَقيل: بِأَكْثَرَ من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  فِي ( الواعي) : بقيت الْحَرْب بَينهم قَائِمَة مائَة وَعشْرين سنة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام.
وَفِي ( الْجَامِع) : كَأَنَّهُ سمى بعاثاً لنهوض الْقَبَائِل بَعْضهَا إِلَى بعض،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ: إِن سَبَب ذَلِك أَنه كَانَ من قاعدتهم أَن الْأَصِيل لَا يقتل بالحليف، فَقتل رجل من الْأَوْس حليفاً للخزرج، فأرادوا أَن يقيدوه فامتنعوا، فَوَقَعت بَينهم الْحَرْب لأجل ذَلِك.
قَوْله: ( يَوْمًا قدمه الله لرَسُوله) أَي: قدم ذَلِك الْيَوْم لأجل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ لَو كَانَ أَشْرَافهم أَحيَاء لاستكبروا عَن مُتَابعَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولمنع حب رياستهم عَن دُخُول رَئِيس عَلَيْهِم، فَكَانَ ذَلِك من جملَة مُقَدمَات الْخَيْر، وَذكر أَبُو أَحْمد العسكري فِي ( كتاب الصَّحَابَة) : قَالَ بَعضهم: كَانَ يَوْم بُعَاث قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخمْس سِنِين.
قَوْله: ( فَقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: الْمَدِينَة.
( وَقد افترق) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( ملأهم) أَي: جَمَاعَتهمْ.
قَوْله: ( سرواتهم) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْوَاو أَي: خيارهم وأشرافهم، والسروات جمع السراة وَهُوَ جمع السّري وَهُوَ السَّيِّد الشريف الْكَرِيم،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: السّري النفيس الشريف، وَقيل: السخي ذُو مُرُوءَة، وَالْجمع سراة بِالْفَتْح على غير قِيَاس، وَقد تضم السِّين، وَالِاسْم مِنْهُ السرو.
انْتهى.
قلت: السرو سخاء فِي مُرُوءَة، يُقَال: سرا يسرو، وسرى بِالْكَسْرِ يسري سرواً فيهمَا، وسر وَيسر وسراوة، أَي: صَار سرياً.
قَالَ الْجَوْهَرِي: جمع السّري سراة وَهُوَ جمع عَزِيز أَن يجمع فعيل على فعلة، وَلَا يعرف غَيره.
( وجرحوا) بِضَم الْجِيم وَكسر الرَّاء، من الْجرْح، ويروى: وحرجوا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالجيم من: الْحَرج، وَهُوَ فِي الأَصْل: الضّيق، وَيَقَع على الْإِثْم وَالْحرَام، وَقيل: الْحَرج أضيق الضّيق.
قَوْله: ( فقدمه الله) أَي: فَقدم الله ذَلِك الْيَوْم.
( لرَسُوله) أَي: لأَجله.
قَوْله: ( فِي دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام) كلمة: فِي، هُنَا للتَّعْلِيل أَي: لأجل دُخُولهمْ، أَي: دُخُول الْأَنْصَار الَّذين بقوا من الَّذين قتلوا يَوْم بُعَاث فِي الْإِسْلَام، وَجَاء فِي بِمَعْنى التَّعْلِيل فِي الْقُرْآن والْحَدِيث، أما الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى: { فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} ( يُوسُف: 3) .
وَأما الحَدِيث فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن امْرَأَة دخلت النَّار فِي الْهِرَّة) .





[ قــ :3601 ... غــ :3846 ]
- حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ يَوْمُ بُعاثَ يَوْمَاً قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدِ افْتَرَقَ مَلأُهُمْ وقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الإسْلاَمِ.
( انْظُر الحَدِيث 7773 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن يَوْم بُعَاث كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَعبيد بن إِسْمَاعِيل كَانَ اسْمه فِي الأَصْل عبد الله، ويكنى: أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ مَنَاقِب الْأَنْصَار بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن عبيد إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :360 ... غــ :3778 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ قالَتِ الأنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وأعْطَى قُرَيْشَاً وَالله إنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ إنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِماءِ قُرَيْشٍ وغَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدَعَا الأنْصَارَ قَالَ فَقَالَ مَا الَّذِي بلَغَنِي عَنْكُمْ وكانُوا لاَ يَكْذِبُونَ فقالُوا هُوَ الَّذِي بلَغَكَ قَالَ أوَلاَ تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ وتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَتِ الأنْصَارُ وادِيَاً أوْ شِعْبَاً لسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ أوْ شِعْبَهُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( قَالَ: أَولا ترْضونَ) إِلَى آخِره، فَإِن فِيهِ منقبة عَظِيمَة لَهُم.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( يَوْم فتح مَكَّة) ، يَعْنِي: عَام فتح مَكَّة، لِأَن الْغَنَائِم الْمشَار إِلَيْهَا كَانَت غَنَائِم حنين وَكَانَ ذَلِك بعد الْفَتْح بشهرين.
قَوْله: ( وَأعْطى قُريْشًا) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( وَالله) إِلَى قَوْله: ( ترد عَلَيْهِم) مقول الْأَنْصَار.
قَوْله: ( إِن هَذَا) إِشَارَة إِلَى الْإِعْطَاء الَّذِي دلّ عَلَيْهِ، قَوْله: وَأعْطى قُريْشًا.
قَوْله: ( إِن سُيُوفنَا تقطر من دِمَاء قُرَيْش) فِيهِ من أَنْوَاع البديع الْقلب نَحْو: عرضت النَّاقة على الْحَوْض، وَالْأَصْل: دِمَاؤُهُمْ تقطر من سُيُوفنَا، هَكَذَا قَالُوا: وَيجوز أَن يكون على الأَصْل، وَيكون الْمَعْنى: إِن سُيُوفنَا من كَثْرَة مَا أَصَابَهَا من دِمَاء قُرَيْش تقطر دِمَاءَهُمْ.
قَوْله: ( وَكَانُوا لَا يكذبُون) يَعْنِي الْأَنْصَار.
قَوْله: ( هُوَ الَّذِي بلغك) يَعْنِي: الَّذِي بلغك نَحن قُلْنَاهُ وَلَا ننكر.
قَوْله: ( لَسَلَكْت) أَرَادَ بذلك حسن مُوَافَقَته إيَّاهُم وترجيحهم فِي ذَلِك على غَيرهم لما شَاهد مِنْهُم من حسن الْجوَار وَالْوَفَاء بالعهد، لَا مُتَابعَة لَهُم، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَتْبُوع المطاع المفترض الطَّاعَة والمتابعة لَهُ وَاجِبَة على كل مُؤمن ومؤمنة.
قَوْله: ( أَو شِعْبهمْ) بِكَسْر الشين وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَيجمع على: شعاب، وَأما الشّعب، بِالْفَتْح فَهُوَ: مَا تشعب من قبائل الْعَرَب والعجم، وَيجمع على: شعوب.