فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب وقت العشاء إلى نصف الليل

(بابُُ وقْتِ العِشَاءِ إلَى نِصْفِ الليْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَهَذِه التَّرْجَمَة تدل على أَن اخْتِيَاره فِي آخر وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ حَدِيث الْبابُُ، وَقد تكلمنا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي بابُُ وَقت الْعَصْر فِيمَا مضى.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ظَاهر التَّرْجَمَة مشْعر بِأَن مَذْهَب البُخَارِيّ: أَن وَقت الْعشَاء إِلَى النّصْف فَقَط، وَلِهَذَا لم يذكر حَدِيثا يدل على امتداد وقته إِلَى الصُّبْح.
انْتهى.
قلت: مُرَاده من هَذَا وَقت الِاخْتِيَار لَا وَقت الْجَوَاز، وَهُوَ صَرِيح بذلك قبل كَلَامه هَذَا بِأَن المُرَاد من التَّرْجَمَة الْوَقْت الْمُخْتَار من الْعشَاء.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَيْضا: فَإِن قلت: قد تقدم أَن الْوَقْت الْمُخْتَار إِلَى الثُّلُث كَمَا قَالَ فِي الْبابُُ السَّابِق: (وَكَانُوا يصلونَ فِيمَا بَين أَن يغيب الشَّفق، إِلَى ثلث اللَّيْل) ؟ قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا إِذْ الثُّلُث دَاخل فِي النّصْف.

وقالَ أبُو بَرْزَةَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَحِبُّ تأخِيرَهَا
هَذَا طرف من حَدِيث أبي بَرزَة الَّذِي تقدم فِي بابُُ وَقت الْعَصْر، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِيه: (وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة) .
فَإِن قلت: هَذَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ إِلَّا نصف اللَّيْل.
قلت: لما وَردت أَحَادِيث فِي هَذَا الْبابُُ بَعْضهَا مُقَيّد بِالثُّلثِ وَبَعضهَا بِالنِّصْفِ، كَانَ النّصْف غَايَة التَّأْخِير، فَدلَّ على التَّرْجَمَة دلَالَة لَا تَصْرِيحًا.



[ قــ :556 ... غــ :572]
- حدَّثنا عَبْدُ الَّرحِيمِ المحَارِبي قَالَ حدَّثنا زَائِدَةُ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عنْ أنَسٍ قَالَ أخَّرَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةَ العِشَاء إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ قَدْ صَلَّى النَّاسُ ونامُوا أمَا إنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة صَرِيحًا.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي الْكُوفِي، ويكنى أَبَا زِيَاد، وَهُوَ من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
وَلَيْسَ للْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
قَوْله: (الْمحَاربي) ، بِضَم الْمِيم وإهمال الْحَاء وَكسر الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة، وَهُوَ نِسْبَة إِلَى: محَارب ابْن عَمْرو بن وَدِيعَة بن لكيز بن أفصى بن عبد الْقَيْس.
الثَّانِي: زَائِدَة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف، وَقد تقدم.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء: الطَّوِيل.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ لَيْسَ لَهُ هَهُنَا إلاَّ هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قد صلى النَّاس) ، أَي: المعهودون من الْمُسلمين إِذْ ذَاك.
قَوْله: ((أما إِنَّكُم) ، بتَخْفِيف الْمِيم حرف التَّنْبِيه.
قَوْله: (مَا انتظرتموها) أَي: مُدَّة انتظاركم، وَالْمعْنَى: أَن الرجل إِذا انْتظر الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ فِي نفس الصَّلَاة.

وزَادَ ابنُ أبي مَرْيَمَ أخبرنَا يَحْيَى بنُ أيُّوبَ قَالَ حدَّثني حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسا قَالَ كأنِّي أنْظُرُ إلَى وَبِيصِ خاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ
وَهَذَا تَعْلِيق نبه بِهِ على أَن حميد الطَّوِيل سمع أنسا، وَذكر هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا فِي اللبَاس بِلَفْظ:.

     وَقَالَ  يحيى بن أَيُّوب عَن حميد ... فَذكره.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا، وَوَصله الْبَغَوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور، قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم.
.
إِلَى آخِره، وَأول الحَدِيث: (سُئِلَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَل اتخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا؟ قَالَ: نعم، أخر الْعشَاء) .
فَذكره وَفِي آخِره: (فَكَأَنِّي أنظر إِلَى وبيص خَاتمه ليلتئذ) .
وَابْن أبي مَرْيَم: هُوَ سعيد بن الحكم الْمصْرِيّ.
قَوْله: (وبيص خَاتمه) ، الوبيص، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالصاد الْمُهْملَة: البريث واللمعان.
و: (الْخَاتم) فِيهِ أَربع لُغَات: كسر التَّاء وخاتام وخيتام.
قَوْله: (ليلتئذ) أَي: لَيْلَة إِذْ أخر الصَّلَاة، والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ.