فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام

( بابُُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةٍ الإسْلاَم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من حلف بِملَّة سوى مِلَّة الْإِسْلَام، وَلم يذكر مَا يَتَرَتَّب على الْحَالِف اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبابُُ، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ من حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام، وَالْملَّة بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد اللَّام،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْملَّة الدّين كملة الْإِسْلَام واليهودية والنصرانية، وَقيل: هِيَ مُعظم الدّين وَجُمْلَة مَا يَجِيء بِهِ الرُّسُل.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَنْ حَلَفَ بالّلاتِ والعُزَّي فَلْيَقلْ: لَا إلاهَ إلاّ الله) ولَمْ يَنْسُبْه إِلَى الكفُفرِ

هَذَا تَعْلِيق ذكره مَوْصُولا عَن قريب فِي: بابُُ لَا يحلف بِاللات والعزى عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَرَادَ بِهِ أَن الْحَالِف بِاللات والعزى يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَيكفر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، لم ينْسبهُ إِلَى الْكفْر، وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : حَدثنَا عبيد الله حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي معصب عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: حَلَفت بِاللات والعزى فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِنِّي حَلَفت بِاللات والعزى، فَقَالَ: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، ثَلَاثًا، وأنفث عَن شمالك ثَلَاثًا، وتعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَلَا تعد.



[ قــ :6305 ... غــ :6652 ]
- حدّثنا مُعَلّى بنُ أسَدٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ أيُّوبَ عَن أبي ثِلاَبَةَ عنْ ثابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإسْلاَم فَهْوَ كَمَا قَالَ، ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، ولعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرِ فَهْوَ كَقَتْلِهِ) .

طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام عبد الله بن زيد، ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة.

والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي قَاتل النَّفس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى فِي الْأَدَب أَيْضا.

قَوْله: ( فَهُوَ كَمَا قَالَ) ، قَالَ الْمُهلب: يَعْنِي هُوَ كَاذِب فِي يَمِينه لَا كَافِر لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَن يعْتَقد الْملَّة الَّتِي حلف بهَا فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَام، أَو يكون مُعْتَقدًا الْإِسْلَام بعدالحنث فَهُوَ كَاذِب فِيمَا قَالَه.
لِأَن فِي الحَدِيث الْمَاضِي لم ينْسبهُ إِلَى الْكفْر، وَقيل: يُرَاد بِهِ التهديد والوعيد.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقصار: مَعْنَاهُ النَّهْي عَن مُوَافقَة ذَلِك اللَّفْظ والتحذير مِنْهُ لَا أَنه يكون كَافِرًا بِاللَّه.
قَوْله: ( عذب بِهِ) أَي: بالشَّيْء الَّذِي قتل نَفسه بِهِ، لِأَن جزاءه من جنس عمله.
قَوْله: ( وَلعن الْمُؤمن كقتله) يَعْنِي: فِي التَّحْرِيم أَو فِي الإبعاد فَإِن اللَّعْن تبعيد من رَحْمَة الله، وَقيل: المُرَاد الْمُبَالغَة فِي الْإِثْم.
قَوْله: ( وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله) يَعْنِي: فِي الْحُرْمَة، وَقيل: لِأَن نسبته إِلَى الْكفْر الْمُوجب لقَتله كالتقل لِأَن المتسبب للشَّيْء كفاعله.


( بابٌُ لَا يَقُولُ: مَا شاءَ الله وشِئْتَ، وهَلْ يَقُولُ: أَنا بِاللَّه ثُمَّ بِكَ؟)

أَي: هَذَا بابُُ مترجم بِلَفْظ: لَا يَقُول الشَّخْص فِي كَلَامه: مَا شَاءَ الله وشئت، على صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمَاضِي، قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي لَا يجمع بَينهمَا، يَعْنِي بَين قَوْله: مَا شَاءَ الله، وَقَوله: وشئت لجَوَاز كل وَاحِد مِنْهُمَا مُفردا.
.

     وَقَالَ  غَيره: لِأَن الْوَاو يُشْرك بَين الْمَعْنيين وَلَيْسَ هَذَا من الْأَدَب، وَقد روى فِي ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم: مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان، وَلَكِن ليل: مَا شَاءَ الله، ثمَّ مَا شَاءَ فلَان.
وَإِنَّمَا جَازَ دُخُول: ثمَّ، مَكَان: الْوَاو، لِأَن مَشِيئَة الله مُقَدّمَة على مَشِيئَة خلقه، قَالَ عز وَجل: { ( 76) وَمَا تشاؤن إِلَّا أَن يَشَاء الله} ( الْإِنْسَان: 04 والتكوير: 9) فَهَذَا من الْأَدَب، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت.
قَوْله: وَهل يَقُول: أَنا بِاللَّه رَبك؟ ذكره بالاستفهام لعدم ثُبُوت أحد الْأَمريْنِ عِنْده، وهما جَوَاز القَوْل بذلك وَعَدَمه، وَلَكِن روى عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول: أعوذ بِاللَّه وَبِك، حَتَّى يَقُول: ثمَّ بك، وَالْعلَّة فِي ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن بِالْوَاو يلْزم الِاشْتِرَاك، وبكلمة: ثمَّ، لَا يلْزم لِأَن مَشِيئَة الله مُتَقَدّمَة.



[ قــ :6305 ... غــ :6653 ]
- وَقَالَ عَمْرُو بنُ عاصِمٍ: حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا إسْحقاُ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي عَمْرَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثَهُ أنّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: ( إِن ثَلاَثَةً فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أرَادَ الله أنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكاً فأتَى الأبْرَصَ، فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبالُ فَلاَ بَلاَغَ لي إلاّ بِاللَّه ثُمَّ بِكَ.
.
)
فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

( انْظُر الحَدِيث 4643) .

قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الْبابُُ مَا يدل عَلَيْهِ.
يَعْنِي: لَيْسَ فِي الْبابُُ حَدِيث يدل على مَا ترْجم، ثمَّ تكلّف بِالْجَوَابِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ طائل، فَقَالَ: يرْوى عَن أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي أَنه قَالَ: انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد الْفربرِي فرأيته لم يتم بعد، وَقد بقيت عَلَيْهِ مَوَاضِع مبيضة كَثِيرَة فِيهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا، وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم عَلَيْهَا، فاضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض.
قَالُوا: وَقد وَقع فِي النّسخ كثير من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان لِأَن أَبَا الْهَيْثَم والحموي نسخا مِنْهُ أَيْضا، فبحسب مَا قدر كل وحد مِنْهُم مَا كَانَ فِي رقْعَة أَو فِي حَاشِيَة أَو مُضَافَة أَنه من الْموضع الْفُلَانِيّ أَضَافَهُ إِلَيْهِ.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : والْحَدِيث فِي ذَلِك أَي فِي عدم جوازان يُقَال مَا شَاءَ الله وشئت، مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا مسعر عَن معبد بن خَالِد عَن عبد الله بن بشار عَن قتيلة، امْرَأَة من جُهَيْنَة، قَالَت: جَاءَ يَهُودِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تشركون وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ: والكعبة، وتقولون: مَا شَاءَ الله وشئت.
فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَن يَقُولُوا: وَرب الْكَعْبَة، وَأمرهمْ أَن يَقُولُوا: مَا شء الله ثمَّ شِئْت.

وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلم يكن من شَرطه فترجم بِهِ واستنبط مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
انْتهى.

قلت: هَذَا لَا بَأْس بِهِ للقرب من التَّرْجَمَة مَا شَاءَ الله وشئت، لِأَن فِيهِ هَذَا، وَقَوله: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت.

قَوْله: ( مُحَمَّد بن بشار) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار، أَي: الْحَافِظ، روى عَن الْجَمَاعَة، وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم ابْن كدام روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومعبد بن خَالِد الجدلي التَّابِعِيّ روى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَعبد الله بن يسَار الْجُهَنِيّ روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وَقتيلَة بِضَم الْقَاف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قتيلة بنت صَيْفِي الجهنية، وَيُقَال: الْأَنْصَارِيَّة، كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول روى عَنْهَا عبد الله بن يسَار.

قَوْله: ( وَقَالَ عمر بن عَاصِم) هُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَغير مَوضِع وَهن علق عَنهُ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ يروي عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه زيد الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة واسْمه عَمْرو الْأنْصَارِيّ قَاضِي أهل الْمَدِينَة، وَوصل البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق فِي بَدْء الدُّنْيَا فِي: بابُُ مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل،.

     وَقَالَ : حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة: أَن أَبَا هُرَيْرَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن ثَلَاثَة من بني إِسْرَائِيل ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَالثَّلَاثَة هم: أبرص وأقرع وأعمى.

قَوْله: ( الحبال) بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع حَبل، ويروى بِالْجِيم.
قَوْله: ( فَلَا بَلَاغ لي) قَالَ الْكرْمَانِي: الْبَلَاغ الْكِفَايَة،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يحيز مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت اسْتِدْلَالا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَلَا بَلَاغ لي إلاَّ بِاللَّه ثمَّ بك، وَلم يجز أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله وشئت، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب.