فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الوصاة بالنساء

( بابُُ الوَصاةِ بالنِّساءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فب بَيَان الوصاة، بِفَتْح الْوَاو وَالصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ بِمَعْنى: الْوَصِيَّة، وَقيل: هُوَ لُغَة فِي الْوَصِيَّة، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْوِصَايَة.



[ قــ :4909 ... غــ :5185 ]
- حدَّثنا إسْحاقُ بنُ نَصرٍ حَدثنَا الحُسَيْنُ الجُعْفِيُّ عنْ زَائِدَةَ عنْ مَيْسَرَةَ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلا يُؤْذِي جارَه.
واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرا فإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيْء فِي الضِّلَع أعْلاَهُ فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرا.

( انْظُر الحَدِيث 1333 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( اسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا) .
وَإِسْحَاق ين نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبابُُ بني سعد، وَالْحُسَيْن بِضَم الْحَاء هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء، قَالَ الرشاطي: الْجعْفِيّ فِي مذْحج ينْسب إِلَى جعفي بن سعد الْعَشِيرَة بن مَالك، وَمَالك هُوَ جماع مذْحج وزائدة هُوَ ابْن قدامَة، وميسرة ضد الميمنة ابْن عمار الْأَشْجَعِيّ، وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ مرلى عزة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُشَدّدَة.

والْحَدِيث قد مضى فِي بَدْء الْخلق فِي: بابُُ قَول الله عز وَجل { وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} ( الْبَقَرَة: 03، وَالْحجر: 82، وص: 17) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي كريب ومُوسَى بن حزَام كِلَاهُمَا عَن حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة عَن ميسرَة إِلَى آخِره.

قَوْله: ( من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) أَي: من كَانَ يُؤمن بالمبدأ والمعاد ( فَلَا يُؤْذِي جَاره) وَمَفْهُومه من آذاه لَا يكون مُؤمنا، وَلَكِن الْمَعْنى لَا يكون كَامِلا فِي الْإِيمَان.

قَوْله: ( وَاسْتَوْصُوا) قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الاستئصاء قبُول الْوَصِيَّة وَالْمعْنَى: أوصيكم بِهن خيرا فاقبلوا وصيتي فِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضلع، واستعير الضلع للعوج أَي: خُلِقْنَ خلقا فِيهِ اعوجاج فكأنهن خُلِقْنَ من أصل معوج فَلَا يتهيأ الِانْتِفَاع بِهن إلاَّ بمداراتهن وَالصَّبْر على اعوجاجهن.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: الْأَظْهر أَن السِّين للطلب مُبَالغَة أَي: اطْلُبُوا الْوَصِيَّة من أَنفسكُم فِي حقهن بِخَير،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: السِّين للْمُبَالَغَة أَي: يسْأَلُون أنفسهم الْفَتْح عَلَيْهِم، كالسين فِي استعجبت، وَيجوز أَن يكون من الْخطاب الْعَام أَي: يستوصي بَعْضكُم من بعض فِي حقهن.

وَفِيه: الْحَث على الرِّفْق وَأَنه لَا مطمع فِي استقامتهن.
قَوْله: ( وَإِن أَعْوَج شَيْء فِي الضلع أَعْلَاهُ) ذكر هَذَا لتأكيد معنى الْكسر لِأَن الْإِقَامَة أظهر فِي الْجِهَة الْأَعْلَى أَو بَيَان أَنَّهَا خلقت من أَعْوَج أَجزَاء الضلع، فَكَأَنَّهُ قَالَ: خُلِقْنَ من أَعلَى الضلع وَهُوَ أعوجاجه، وَإِنَّمَا قَالَ: أَعْلَاهُ، وَلم يقل: أَعْلَاهَا، مَعَ أَن الضلع مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( لم يزل أَعْوَج) وَلم يقل: عوجاه، لِأَن تأنيثه لَيْسَ بحقيقي، فَإِن قيل: العوج من الْعُيُوب فَكيف يَصح مِنْهُ أفعل التَّفْضِيل؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ أفعل الصّفة أَو أَنه شَاذ، أَو الِامْتِنَاع عِنْد الالتباس بِالصّفةِ، فَحَيْثُ يُمَيّز عَنهُ بِالْقَرِينَةِ جَازَ الْبناء عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: لن تستقيم لَك على طَريقَة فَإِن استمتعت بهَا استمتعت بهَا وَبهَا عوج، وَإِن ذهبت تقيمها كسرتها وَكسرهَا طَلاقهَا.
وَفِيه: إِشْعَار باستحالة تقويمها، أَي: إِن كَا لَا بُد من الْكسر فَكَسرهَا طَلاقهَا.
قَالَ:
( هِيَ الضلع العوجاء لست تقيمها ... أَلاَ إنَّ تَقْوِيم الضلوع انكسارها) ( أتجمع ضعفا واقتدارا على الْهوى ... أَلَيْسَ عجيبا ضعفها واقتدارها)




[ قــ :4910 ... غــ :5187 ]
- حدَّثنا أبُو نعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كُنّا نَتَّقِي الكَلاَمَ والإنْبِساطَ إِلَى نِسائِنا علَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَيْبَةَ أنْ يَنْزِلَ فِينا شَيْءٌ، فلَمّا تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكَلْمنا وانْبَسَطْنا.

قيل: لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الحَدِيث لِأَن فِيهِ الْأَخْبَار بِأَنَّهُم كَانُوا يَتَّقُونَ الْخَوْض فِي الْكَلَام والانبساط إِلَى النِّسَاء فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يتَعَلَّق بالترجمة.
قلت: يُمكن أَن تُؤْخَذ الْمُطَابقَة من قَوْله: ( وانبسطنا) لِأَن الانبساط إلَيْهِنَّ من جملَة الْوِصَايَة بِهن.

وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.

والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ ذكره وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُحَمَّد بن بشار.

قَوْله: ( كُنَّا نتقي) أَي: نجتنب الْكَلَام الَّذِي يخْشَى مِنْهُ سوء الْعَاقِبَة.
قَوْله: ( والانبساط) أَي: ونتقي أَيْضا الانبساط إِلَى نسائنا، وَأَرَادَ بِهِ التَّقْصِير فِي حقهن وَترك الرِّفْق بِهن.
قَوْله: ( هَيْبَة) مفعول لَهُ.
لقَوْله: ( تتقي) أَي: نتقي لخوف ( أَن ينزل فِينَا) أَي فِي شَأْننَا شَيْء من الْوَحْي، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: خوف النُّزُول.
قَوْله: ( تكلمنا وانبسطنا) يُرِيد بِهِ تغبير شَأْنهمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور من حَدِيث أبي بن كَعْب، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا وجهنا وَاحِد، قبض نَظرنَا هَكَذَا وَهَكَذَا، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث أنس بن مَالك، قَالَ: لما كُنَّا الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَضَاء مِنْهَا كل شَيْء، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أظلم مِنْهَا كل شَيْء، وَمَا نفضنا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا فلوبنا.