فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره

( بابُُ مِيراثِ المَرْأةِ والزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وغَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مِيرَاث الْمَرْأَة ... إِلَى آخِره، قَوْله: وَغَيره، أَي: من الْوَارِثين، فَلَا يحط إِرْث وَاحِد من الْمَرْأَة وَالزَّوْج بِحَال، بل يحط الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع، ويحط الْمَرْأَة من الرّبع إِلَى الثّمن.



[ قــ :6388 ... غــ :6740 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عَن ابْن المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: قضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينِ امْرَأةٍ منْ بَي لَحْيانَ سَقَطَ مَيِّتاً بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ، ثمَّ إنَّ المَرْأةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْها بالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوْجِها، وأنَّ العَقْلَ علَى عَصَبَتِها.
( انْظُر الحَدِيث 8575 وأطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَابْن الْمسيب سعيد.

والْحَدِيث ذكره أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبد الله بن يُوسُف.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه كلهم عَن قُتَيْبَة، فَمُسلم فِي الْحُدُود، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْفَرَائِض، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الدِّيات،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا.

قَوْله: ( فِي جَنِين امْرَأَة) قَالَ البُخَارِيّ فِي الدِّيات: اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فَقَتلهَا وَمَا فِي بَطنهَا ... الحَدِيث يُقَال: إِن الضاربة يُقَال لَهَا أم عفيف بنت مسروج، والمضروبة مليكَة بنت عويم، وَقيل: عُوَيْمِر، برَاء ذكره أَبُو عمر، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فطرحت جَنِينهَا ... الحَدِيث، وَهنا قَالَ: إِن المضروبة من بني لحيان.
وَلَا تخَالف بَينهمَا.
فَإِن لحيان بِكَسْر اللَّام وَقيل بِفَتْحِهَا بطن من هُذَيْل وَهُوَ لحيان بن هُذَيْل بن مدركة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: لحيان أَبُو قَبيلَة وَضَبطه بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة: هذلية وعامرية، وَفِي إسنادها ابْن أبي فَرْوَة وَهُوَ ضَعِيف، وظاهرهما التَّعَارُض، وَفِي ( الصَّحِيح) : أَن إِحْدَاهمَا كَانَت ضرَّة الْأُخْرَى، وَفِي رِوَايَة من طَرِيق مجَالد: وكل مِنْهُمَا تَحت زوج، وَلَا مُنَافَاة أَيْضا لاحْتِمَال إِرَادَة كَونهمَا ليستا ضرتين، وَجَاء أَيْضا أَنَّهَا ضربتها بعمود فسطاط، وَجَاء: فحذفتها، وَجَاء: فدقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر، وَلَا تخَالف لاحْتِمَال تكَرر الْفِعْل.
قَوْله: ( سقط) أَي: الْجَنِين حَال كَونه مَيتا.
قَوْله: ( بغرة) مُتَعَلق بقوله: ( قضى) قَوْله: ( عبد) بِالتَّنْوِينِ بَيَان لغرة ويروى، بِالْإِضَافَة أَيْضا.
قَوْله: ( أَو أمة) كلمة: أَو، للتنويع وَلَيْسَت للشَّكّ، وَعَن أبي دَاوُد: فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِينهَا بغرة عبد أَو أمة أَو فرس أَو بغل أَو حمَار، والْحَدِيث مَعْلُول، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شبيبة من حَدِيث عَطاء مُرْسلا: أَو بغل، فَقَط وَأُخْرَى: أَو فرس من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه،.

     وَقَالَ  بِهِ مُجَاهِد وطاووس.
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه أَن عمر قَالَ: أَو فرس،.

     وَقَالَ  ابْن سِيرِين: يجزىء مائَة شَاة، وَفِي بعض طرق أبي دَاوُد: وَخَمْسمِائة شَاة، وَهُوَ وهم، وَصَوَابه: مائَة شَاة كَمَا نبه عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد.
وَفِي ( مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة) من حَدِيث حمل بن مَالك: أَو عشر من الْإِبِل، أَو مائَة شَاة.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمليح أَيْضا عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَنه قَالَ: أَو عشرُون وَمِائَة شَاة، وَإسْنَاد ضَعِيف، وروى وَكِيع عَن عبد الله بن أبي بكر عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ قَالَ: كَانَت تَحت حمل بن مَالك امْرَأَتَانِ: امْرَأَة من بني سعد، وَامْرَأَة من بني لحيان.
فرمت السعدية اللحيانية فقتلتها وأسقطت غُلَاما، فَقضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة.
فَقَالَ عُوَيْمِر، أحد من قضى عَلَيْهِم بالغرة: يَا رَسُول الله { لَا غرَّة لي قَالَ: فعشر من الْإِبِل.
قَالَ: يَا رَسُول الله}
لَا إبل لي قَالَ: فعشرون وَمِائَة من الشَّاة لَيْسَ فِيهَا عوراء وَلَا فارض وَلَا عضباء، قَالَ: يَا رَسُول الله! فاعني بهَا من صَدَقَة بني لحيان.
فَقَالَ لرجل: فأعنه بهَا، وروى عبد الرَّزَّاق عَن أبي جَابر البياضي وَهُوَ واهٍ عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِين يقتل فِي بطنن الْمَرْأَة بغرة فِي الذّكر غُلَام وَفِي الْأُنْثَى جَارِيَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الْغرَّة مَعْنَاهَا الْأَبْيَض فَلَا يُؤْخَذ فِيهَا الْأسود.
.

     وَقَالَ  مَالك: الحمران أحب إِلَيّ من السودَان،.

     وَقَالَ  الْأَبْهَرِيّ: يَعْنِي الْبيض، فَإِن لم يكن عبيد تِلْكَ الْبَلدة بيضًا كَانَ من السودَان،.

     وَقَالَ  مَالك: وَيكون من أَوسط عبيد تِلْكَ الْبَلدة فَإِن كَانَ أَكْثَرهم الحمران فَمن أوسطهم.

     وَقَالَ  مَالك هُوَ عبد أَو وليدة.
قَوْله: ( بِأَن مِيرَاثهَا) أَي: مِيرَاث هَذِه الْمَرْأَة المقتولة لبنيها وَزوجهَا،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: جُمْهُور النَّاس على الْمِيرَاث فِي هَذِه الْغرَّة للْوَرَثَة وَالْعقل على الْعصبَة.

وَاخْتلفُوا على من تجب الْغرَّة؟ فَقَالَت طَائِفَة، مِنْهُم مَالك وَالْحسن بن حَيّ: هِيَ فِي مَال الْجَانِي ثمَّ الْكَفَّارَة، وَهُوَ قَول الْحسن وَالشعْبِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه جزم إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَالْحكم.
.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: هِيَ على الْعَاقِلَة، وَمِمَّنْ قَالَ: الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة، وحجتهم حَدِيث الْمُغيرَة الَّذِي فِيهِ: وَجعل الْغرَّة عل عَاقِلَة الْمَرْأَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ نَص ثَابت صَحِيح فِي مَوضِع الْخلاف يجب الحكم بِهِ.

وَاخْتلفُوا فِي قيمَة الْغرَّة، فَقَالَ مَالك: تقوم بِخَمْسِينَ دِينَارا أَو بستمائة دِرْهَم نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم الذّكر، وَعشر دِيَة الْحرَّة، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ.
وَرَبِيعَة وَسَائِر أهل الْمَدِينَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَسَائِر الْكُوفِيّين: قيمتهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْجَنِين الَّذِي تجب فِيهِ الْغرَّة مَا هِيَ؟ فَقَالَ مَالك: مَا طرحته من مُضْغَة أَو علقَة أَو مَا علم أَنه ولد فَفِيهِ الْغرَّة.
فَإِن سقط وَلم يستهل فَفِيهِ غرَّة وَسَوَاء تحرّك أَو عطس فَفِيهِ الْغرَّة أَيْضا حَتَّى يستهل فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يتَبَيَّن من خلقه شَيْء.
فَإِن علمت حَيَاته بحركة أَو بعطاس أَو باستهلال أَو بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يستيقن بِهِ حَيَاته ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول سَائِر الْفُقَهَاء، وَأجْمع الْفُقَهَاء على أَن الْجَنِين إِذا خرج ثمَّ مَاتَ كَانَت فِيهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة مَعهَا، فَقَالَ مَالك: بقسامة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: بِدُونِهَا.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة إِذا خرج مَيتا، فَقَالَ مَالك: فِيهِ الْغرَّة وَالْكَفَّارَة،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فَفِيهِ الْغرَّة وَلَا كَفَّارَة وَبِه.
قَالَ دَاوُد: قَوْله: ( وَإِن الْعقل على عصبتها) الْعقل الدِّيَة.
وَأَصله أَن الْقَاتِل كَانَ إِذا قتل قَتِيلا جمع الدِّيَة من الْإِبِل فعقلها بِفنَاء أَوْلِيَاء الْمَقْتُول.
أَي: شدها فِي عقالها ليسلمها إِلَيْهِم ويقبضوها مِنْهُ، فسميت الدِّيَة: عقلا، بِالْمَصْدَرِ يُقَال: عقل الْبَعِير يعقله عقلا وَجمعه عقول والعصبة الْأَقَارِب من جِهَة الْأَب لأَنهم يعصبونه ويعتصب بهم أَي: يحيطون بِهِ ويشد بهم.