فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الإخاء والحلف

( بابُُ الإخاء والحِلْفِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الإخاء، أَي: المؤاخاة.
قَوْله: وَالْحلف، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وبالفاء وَهُوَ الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم، وَقد حالفه أَي: عاهده.

وَقَالَ أبُوا جُحَيْفَةَ: آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ سَلْمانَ وَأبي الدَّرْداءِ
أَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي.
نزل الْكُوفَة وابتنى بهَا دَارا، وَقد مر هَذَا التَّعْلِيق فِي بابُُ: كَيفَ آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أَصْحَابه، وآخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أول قدومه الْمَدِينَة، وحالف بَينهم وَكَانُوا يتوارثون بذلك الإخاء وَالْحلف دون ذَوي الرَّحِم،.

     وَقَالَ  الْحسن: كَانَ هَذَا قبل نزُول آيَة الْمَوَارِيث، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَ ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: فَلَمَّا نزلت: { وَلكُل جعلنَا موَالِي} ( النِّسَاء: 33) يَعْنِي: وَرَثَة، نسخت.
وَيُقَال: إِن الحليف كَانَ يَرث السُّدس مِمَّن حالفه حَتَّى نزلت: { وأولو الْأَرْحَام} ( الْأَنْفَال: 75) .

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَلَا يجوز الْحلف الْيَوْم فِي الْإِسْلَام الحَدِيث جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَمَا كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَا يزِيدهُ الْإِسْلَام إلاَّ شدَّة،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: نسخ الله حلف الْجَاهِلِيَّة وَحلف الْإِسْلَام بقوله: { وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} ورد الْمَوَارِيث إِلَى الْقرَابَات.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ: لَمّا قَدِمْنا المَدِينَةَ آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث مضى مَوْصُولا فِي فَضَائِل الْأَنْصَار.



[ قــ :5754 ... غــ :6082 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أنَسِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنا عَبْدُ الرَّحْمانِ فآخاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوْ لِمْ وَلَوْ بِشاةٍ.
يحيى هُوَ الْقطَّان.
وَحميد هُوَ ابْن أبي حميد الطَّوِيل.
والْحَدِيث فِيهِ اخْتِصَار، وَمر فِي أول البيع مطولا، وَإِنَّمَا قَالَ: ( أَو لم) لِأَنَّهُ تزوج بعد الْحلف.





[ قــ :5755 ... غــ :6083 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ صبَّاحٍ حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ زَكَرِيَّاءَ حَدثنَا عاصِمٌ قَالَ:.

قُلْتُ ل أنَسِ بنِ مالِكٍ: أبَلَغَك أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الإسْلامِ؟ فَقَالَ: قَدْ حالَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ قُرَيْشٍ والأنْصارِ فِي دَاري.
( انْظُر الحَدِيث 94 وطرفه) .


عَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.
والْحَدِيث مضى فِي الْكفَالَة بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام.

قَوْله: ( لَا حلف فِي الْإِسْلَام) لِأَن الْحلف للانفاق وَالْإِسْلَام قد جمعهم وَألف بَين الْقُلُوب فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، وَكَانُوا يتحالفون فِي الْجَاهِلِيَّة لِأَن الْكَلِمَة مِنْهُم لم تكن مجتمعة.
قَوْله: ( قد حَالف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لَيْسَ بَين قَوْله: ( قد حَالف) وَبَين قَوْله: ( لَا حلف فِي الْإِسْلَام) مُنَافَاة، لِأَن الْمَنْفِيّ هُوَ المعاهدة الْجَاهِلِيَّة، والمثبت هُوَ المؤاخاة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَا حلف فِي الْإِسْلَام مَعْنَاهُ: حلف التورات وَمَا يمْنَع الشَّرْع مِنْهُ، وَأما المؤاخاة والمحالفة على طَاعَة الله والتعاون على الْبر فَلم ينْسَخ، إِنَّمَا الْمَنْسُوخ مَا يتَعَلَّق بالجاهلية.