فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله

(بابُُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الإسْلاَمِ والنُّبُوَّةِ وأنْ لَا يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ أرْبابَُُاً مِنْ دُونِ الله)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّاس إِلَى الْإِسْلَام.
قَوْله: والنبوة، أَي وبالدعاء أَيْضا إِلَى الِاعْتِرَاف بنبوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: وَأَن لَا يتَّخذ، أَي: الدُّعَاء أَيْضا بِأَن لَا يتَّخذ بَعضهم بَعْضًا أَرْبابًُُا من دون الله، يَعْنِي: لَا يَقُولُونَ عُزَيْر ابْن الله، وَلَا الْمَسِيح ابْن الله، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بشر مثلكُمْ فَلَا يصلحان أَن يَكُونَا فِي مَسْلَك الربوبية.

وقَوْلِهِ تَعَالى { مَا كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتِيَهُ الله} (آل عمرَان: 97) .
إِلَى آخِرِ الآيَةِ

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: دُعَاء، أَي: فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى ... إِلَى آخِره.



[ قــ :2811 ... غــ :2940 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عنْ صالِحِ ابنِ كَيْسانَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسلاَمِ وبعَثَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ مَعَ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وأمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ وكانَ قَيْصَرُ لَمَّا كشَفَ الله عنْهُ جُنُودَ فارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إيلِياءَ شُكْراً لِمَا أبْلاهُ الله فلَمَّا جاءَ قَيْصَرَ كتاب رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِينَ قرَأهُ الْتَمِسُوا لِي هاهُنًّ أحَداً مِنْ قَوْمِهِ لأِسْأَلَهُمْ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ فأخبرَني أبُو سُفيَانَ أنَّهُ كانَ بالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَاراً فِي المُدَّةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فوَجَدْنَا رَسُولُ قَيْصَر بِبَعْضِ الشَّأمِ فانطُلِقَ بِي وبِأصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إيلِيَاءَ فأُدْخِلْنَا علَيْهِ فإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وعلَيْهِ التَّاجُ وإذَا حوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ فَقالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أيُّهُمْ أقْرَبُ نَسَباً إِلَى هاذَا الرَّجُلِ الَّذي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ أبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنا أقْرَبُهُمْ إلَيْهِ نَسَباً قَالَ مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمِّي ولَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنافٍ غَيْرِي فَقال قَيْصَرُ أدْنُوهُ وأمَرَ بِأصْحَابِي فَجَعَلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمانِهِ قُلْ لأِصْحَابِهِ إنِّي سائِلٌ هَذا الرَّجُلَ عنِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِي فإنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أبُو سُفْيَانَ وَالله لَوْلاَ الحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَن يأثُرَ أصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ لَكَذَّبْتُهُ حِينَ سألَنِي عنْهُ ولَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أنْ يأثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ ثُمَّ قالَ لِتَرْجُمانِهِ قلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ قلْتُ هُوَ فِينا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هاذَا القَوْلَ أحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ.

قُلْتُ لاَ فقالَ كُنْتُمُ تَتَّهِمُونَهُ علَى الكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ مَا قَالَ.

قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كانَ مِنِ آبائِهِ مِنْ مَلِكٍ.

قُلْتُ لاَ قَالَ فأشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أمْ ضعَفَاؤهُمْ.

قُلْتُ بَلُ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ فَيَزِيدُونَ أوْ يُنْقِصُونَ.

قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ.

قُلْتُ لاَ قَالَ فَهَلْ يَغْدُرُ.

قُلْتُ لاَ ونَحْنُ الآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أنْ يَغْدِرَ قَالَ أبُو سُفْيَانَ ولَمْ يُمكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيها شَيْئاً أنْتَقِصُهُ بِهِ لاَ أخافُ أنْ تُؤثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا قَالَ فَهَلْ قاتلْتُمُوهُ أوْ قاتَلَكُمْ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كانَتْ حَرْبُهُ وحَرْبُكُمْ.

قُلْتُ كانَتْ دُولاً وسِجَالاً يُدَالُ عَلَيْنَا المَرَّةَ ونُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى قَالَ فَماذَا يأمُرُكُمْ قَالَ يأمُرُنَا أنْ نَعْبُدَ الله وحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ويَنْهَانَا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ويأمُرُنَا بالصَّلاةِ والصَّدَقَةِ والعَفَافِ والوَفَاءِ بالعَهْدِ وأدَاءِ الأمانَة فَقال لِتُرْجِمَانِهِ حِينَ.

قُلْتُ ذالِكَ لَهُ قُلْ لَهُ إنِّي سَألْتُكَ عنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فزَعَمْتَ أنَّهُ ذُو نَسَبٍ وكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وسألْتُكَ هَلْ قَالَ أحَدٌ مِنْكُمْ هذَا القَوْلَ قَبْلَهُ فزَعَمْتَ أنْ لاَ فَقُلْتُ لَوْ كانَ أحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا قَبْلَهُ.

قُلْتُ رَجُلٌ يأتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قَيلَ قَبْلَهُ وسألْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بالْكَذِب قَبْلَ أنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتُ أنْ لاَ فَعَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ علَى النَّاسِ ويَكْذِبَ عَلَى الله وسألْتُكَ هَلْ كانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وسألْتُكَ أشْرَافَ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فزَعَمْت أنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وهُمْ أتْبَاعُ الرُّسُلِ وسَألْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أوْ يَنْقُصُونَ فزَعَمْتَ أنَّهُمْ يَزِيدُونَ وكَذَلِكَ الإيمانُ حتَّى يَتِمَّ وسألْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ فزَعَمْتَ أنْ لاَ فكَذَلِكَ الإيمانُ حِينَ تَخْلِط بَشَاشَتُهُ القلوبَ لاَ يَسْخُطهُ أحَدٌ وسألْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فزَعَمْتَ أنْ لَا وكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ وسألْتُكَ هَلْ قاتَلْتُمُوهُ وقاتلَكُمْ فزَعَمْتَ أنْ قَدْ فَعَلَ وأنَّ حَرْبَكُمْ وحَرْبَهُ تَكُونُ دُولاً ويُدَالُ عَلَيْكُمْ المَرَّةَ وتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى وكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وتَكُونُ لَها العاقِبَةُ وسألْتُكَ بِماذَا يأمُرُكُمْ فزَعَمْتَ أنَّهُ يأمُرُكُمْ أنْ تَعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ويَنْهَاكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبدُ آبَاؤكُمْ ويأمُرُكُمْ بالصَّلاةِ والصِّدْقِ والعَفافِ والوَفاءِ بالْعَهْدِ وأدَاءِ الأمانَةِ قَالَ وهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أعْلَمُ أنَّهُ خارِجٌ ولاكِنْ لَمْ أظُنَّ أنَّهُ مِنْكُمْ وإنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقَّاً فَيُوشِكُ أنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ولَوْ أرْجُو أنْ أخْلُصَ إلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ ولَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ.
قَالَ أبُو سُفْيانَ ثُمَّ دَعا بِكِتابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُرِيءَ فإذَا فِيهِ بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورسولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى أمَّا بَعْدُ فإنِّي أدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإسْلامِ أسْلِمْ تَسْلَمْ وأسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فإنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثْمُ الأرِيسِييِّنَ { ويَا أهْلَ الكِتابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ أنْ لَا نَعْبُدَ إلاَّ الله ولاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبابُُاً مِنْ دُونِ الله فإنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بأنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمرَان: 46) .
قَالَ أبُو سُفْيانَ فَلَمَّا أنْ قَضَى مَقالَتَه عَلَتْ أصْواتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلاَ أدْرِي ماذَا قالُوا وأُمِرَ بِنَا فأُخْرِجْنَا فلَمَّا أنْ خَرَجْتُ مَعَ أصْحَابِي وخَلَوْتُ بِهِمْ.

قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أُمِرَ أمْرُ ابنِ أبِي كَبْشَةَ هَذا مَلِكُ بَني الأصْفَرِ يُخَافِهُ.
قَالَ أبُو سُفْيَانَ وَالله مَا زِلْتُ ذَلِيلاً مُسْتَيْقِنَاً بأنَّ أمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أدْخَلَ الله قَلْبِي الإسْلاَمَ وأنَا كَارِهٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من أَلْفَاظ الحَدِيث.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمَدِينِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، والْحَدِيث بِطُولِهِ قد تقدم فِي أول الْكتاب فِي بَدْء الْوَحْي وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً، وَلَكِن انْظُر وَاعْتبر جدا.
فَإِن بَين الطَّرِيقَيْنِ والمتنين اخْتِلَافا فِي الْأَلْفَاظ كثيرا من زِيَادَة ونقصان، فلنتكلم هُنَا على مَا يَقْتَضِي الْكَلَام.

فَقَوله: (لما أبلاه الله) قَالَ القتيبي، يُقَال: من الْخَيْر: أبليته أبليه إبلاءً، وَمن الشَّرّ: بلوته بلَاء، وَالْمَعْرُوف أَن الِابْتِلَاء يكون فِي الْخَيْر وَالشَّر مَعًا من غير فرق بَين فعلَيْهِمَا.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة} (الْأَنْبِيَاء: 53) .
وَإِنَّمَا مَشى قَيْصر شكرا لاندفاع فَارس عَنهُ، وَمِنْه الحَدِيث: من أبلى فَذكر فقد شكر، وَالْإِيلَاء الإنعام وَالْإِحْسَان، يُقَال: بلوت الرجل وأبليت عِنْده بلَاء حسنا، والابتلاء فِي الأَصْل: الِاخْتِيَار والامتحان، يُقَال: بلوته وابتليته وأبليته.
قَوْله: (قَالَ ابْن عَبَّاس: فَأَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان) هَكَذَا، ويروى أَبُو سُفْيَان بن حَرْب.
قَوْله: (فَوَجَدنَا) ، بِفَتْح الدَّال فعل ومفعول.
وَقَوله: (رَسُول قَيْصر) بِالرَّفْع فَاعله، وَقيل: يروي بِالْعَكْسِ.
قَوْله: (بِبَعْض الشَّام) ، قيل: غَزَّة الْمَدِينَة الْمَشْهُورَة.
قَوْله: (فأدخلنا عَلَيْهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (أدنوه) ، بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الأدناء أَي قربوه قَوْله (عِنْد كَتِفي) بتَشْديد الْيَاء قَوْله (من أَن يَأْمر بِسُكُون الْهمزَة وَضم الثَّاء الْمُثَلَّثَة، مَعْنَاهُ: من أَن يرْوى ويحكى،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: أثرت الحَدِيث إِذا ذكرته عَن غَيْرك.
قَوْله: (فصدقته) ، كَذَا بالضمير الْمَنْصُوب، ويروى: (فصدقت) ، بِدُونِ الضَّمِير.
قَوْله: (من ملك) ، بِكَسْر اللَّام ويروى: (من ملك) ، بِفَتْح اللَّام على صُورَة الْفِعْل الْمَاضِي، وَكلمَة: من، حرف الْجَرّ فِي الأول، وَفِي الثَّانِي: اسْم مَوْصُول.
قَوْله: (دولاً) بِضَم الدَّال، وَهُوَ مَا يتداول بَينهم فَتَارَة يكون لبَعض وَتارَة يكون لآخرين.
قَوْله: (وسجالاً) ، بِكَسْر السِّين قد مر مَعْنَاهُ مستقصىً.
قَوْله: (يدال علينا) ، بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (وندال) ، بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا مَعْنَاهُ يغلبنا مرّة ونغلبه أُخْرَى.
قَوْله: (يأتم بقوله) أَي: يَقْتَدِي بِهِ، وَهُنَاكَ يأتسي بقول، ويروى: (يتأسى) .
قَوْله: (لم يكن ليَدع الْكَذِب) ، بِكَسْر اللَّام أَي: ليترك.
قَوْله: (وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلى) ، أَي: تختبر بالغلبة عَلَيْهِم ليعلم صبرهم.
قَوْله: (فَتكون لَهَا الْعَاقِبَة) ، ويروى: (لَهُ) ، وَالضَّمِير فِي: لَهُ، يرجع إِلَى قَوْله: إِلَى هَذَا الرجل، فِيمَا مضى، وَكَذَلِكَ الضمائر الَّتِي فِي قَوْله: مِنْهُ، وقاتلتموه، وحربه، وَنسبه، وَأَنه، وَقَبله، وتتهمونه، وآبائه، ويتبعونه، واتبعوه، ولدينه، وَعَلِيهِ، وَأَنه، وَإِلَيْهِ، ولقيه، وَعِنْده، وقدميه، ونخافه، وَأمره، قَوْله: (فيوشك) ، أَي: يسْرع فِي ذَلِك.





[ قــ :81 ... غــ :94 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ قَالَ حدَّثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ الله علَى يَدَيْهِ فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وكُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَى فقالَ أيْنَ علِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فأمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرأ مَكانَهُ حتَّى كأنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقاتِلُهُمْ حتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بِساحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ وأخْبِرْهُمْ بِما يَجِبُ علَيْهِمْ فَوَالله لأنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ واحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام) .
وَعبد الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن قُتَيْبَة فِي الْفَضَائِل.

قَوْله: ( يَوْم خَيْبَر) ، وَيَوْم خَيْبَر كَانَ فِي أول سنة سبع.
.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة: لما رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة مكث بِالْمَدِينَةِ عشْرين يَوْمًا، أَو قَرِيبا من ذَلِك، ثمَّ خرج إِلَى خَيْبَر وَهِي الَّتِي وعدها الله تَعَالَى إِيَّاه، وَحكى مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ أَن افْتِتَاح خَيْبَر فِي سنة سِتّ، وَالصَّحِيح أَن ذَلِك فِي أول سنة سبع.
قَوْله: ( لَأُعْطيَن الرَّايَة) ، أَي: الْعلم،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن الْأَكْوَع، قَالَ: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى بعض حصون خَيْبَر فقاتل ثمَّ رَجَعَ وَلم يكن فتح وَقد جهدهمْ، ثمَّ بعث الْغَد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقاتل عمر ثمَّ رَجَعَ وَلم يكن فتح، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَيُحب الله وَرَسُوله يفتح الله على يَدَيْهِ لَيْسَ بفرار، قَالَ سَلمَة: فَدَعَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب، وَهُوَ يَوْمئِذٍ أرمد، فتفل فِي عَيْنَيْهِ، ثمَّ قَالَ: خُذ هَذِه الرَّايَة وامضِ بهَا حَتَّى يفتح الله عَلَيْك بهَا، فَخرج وَهُوَ يُهَرْوِل هرولة وَأَنا لخلفه نتبع أَثَره حَتَّى ركز رايته فِي رضم من حِجَارَة تَحت الْحصن، فَاطلع إِلَيْهِ يَهُودِيّ من رَأس الْحصن، فَقَالَ من أَنْت.
قَالَ: أَنا عَليّ بن أبي طَالب، قَالَ: يَقُول الْيَهُودِيّ: علوتم وَمَا أنزل على مُوسَى، أَو كَمَا قَالَ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى فتح الله على يَدَيْهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: كَانَ أول حصون خَيْبَر فتحا حصن ناعم، وَعِنْده قتل مَحْمُود بن سَلمَة، ألقيت عَلَيْهِ رحى مِنْهُ فَقتلته.
قَوْله: ( فَقَامُوا يرجون لذَلِك) ، أَي: قَامَ أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين مَعَه حَال كَونهم راجين لإعطاء الرَّايَة لَهُ حَتَّى يفتح الله على يَدَيْهِ.
قَوْله: ( أَيهمْ يعْطى) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( فَغَدوْا وَكلهمْ يَرْجُو) ، أَي: كل وَاحِد مِنْهُم يَرْجُو أَن يعْطى، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: يَرْجُو إِعْطَاء الرَّايَة لَهُ.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن عَليّ بن أبي طَالب؟ فَقيل: يشتكي عَيْنَيْهِ، من اشْتَكَى عضوا من أَعْضَائِهِ فاشتكى عَيْنَيْهِ من الرمد.
قَوْله: ( فَأمر) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإحضار عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( فدعي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: دعى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَهُ، أَي: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فبصق) ، بالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي.
قَوْله: ( فَقَالَ: فَقَاتلهُمْ) الْقَائِل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا) أَي: حَتَّى يَكُونُوا مُسلمين مثلنَا.
قَوْله: ( فَقَالَ: على رسلك) ، أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: على رسلك، بِكَسْر الرَّاء، يُقَال: إفعل هَذَا على رسلك، أَي: اتئد فِيهِ وَكن فِيهِ على الهينة.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ضبط بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا.
قَوْله: ( لِأَن يهدي بك) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( خير لَك من حمر النعم) ، حمر النعم، بِضَم الْحَاء: أعزها وأحسنها، يُرِيد خير لَك من أَن تكون فتتصدق بهَا، وَلكَون الْحمرَة أشرف الألوان عِنْدهم، قَالَ: حمر النعم وَالنعَم، بِفتْحَتَيْنِ إِذا أطلق يُرَاد بِهِ الْإِبِل وَحدهَا، وَإِن كَانَ غَيرهَا من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، دخل فِي الإسم مَعهَا.





[ قــ :813 ... غــ :943 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وحدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ عنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَساً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقولُ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا غَزا قَوْماً لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فإنْ سَمِعَ أذَاناً أمْسكَ وإنْ لَمْ يَسْمَعْ أذَاناً أغارَ بعْدَما يُصْبِحُ فنَزَلْنا خَيْبَرَ لَيْلاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إِذا سمع أذاناً أمسك) ، لِأَن التَّرْجَمَة: الدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال، وَالْأَذَان يبين حَالهم، وَعبد الله ابْن مُحَمَّد هُوَ المسندي وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ الْفَزارِيّ واسْمه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْحَارِث.
قَوْله: ( لم يغر) ، بِضَم الْيَاء: من الإغارة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا لم يعلم حَال الْقَوْم هَل بلغتهم الدعْوَة أم لَا فينتظر بهم الصَّباح ليستبين حَالهم بِالْأَذَانِ وَغَيره من شَعَائِر الْإِسْلَام.
قَوْله: ( لَيْلًا) نصب على الظّرْف أَي: فِي اللَّيْل.





[ قــ :813 ... غــ :944 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا غَزَا بِنا..
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث أنس أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير عَن حميد عَن أنس، وبتمامه أخرجه البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة أَيْضا فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ مَا يحقن بِالْأَذَانِ من الدِّمَاء،.

     وَقَالَ : حَدثنِي قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ إِذا غزا بِنَا قوما لم يكن يَغْزُو بِنَا حَتَّى يصبح وَينظر، فَإِن سمع أذاناً كف عَنْهُم، وَإِن لم يسمع أذاناً أغار عَلَيْهِم ... الحَدِيث.


( وَحدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن حميد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج إِلَى خَيْبَر فَجَاءَهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذا جَاءَ قوما بلَيْل لَا يُغير عَلَيْهِم حَتَّى يصبح فَلَمَّا أصبح خرجت يهود بِمساحِيهِمْ وَمَكَاتِلهمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّد وَالله مُحَمَّد وَالْخَمِيس فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين) هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث أنس أخرجه عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي إِلَى آخِره والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن يُوسُف وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن إِسْحَاق بن مُوسَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين قَوْله " حَتَّى يصبح " المُرَاد بِهِ دُخُول وَقت الصُّبْح وَهُوَ طُلُوع الْفجْر فَإِن قلت روى مُسلم من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ فأتيناهم حِين بزغت الشَّمْس فَمَا الْجمع بَين الْحَدِيثين قلت قَالَ شَيخنَا الْجَواب أَنهم صلوا الصُّبْح بِغَلَس قبل أَن يدخلُوا زقاق خَيْبَر الَّذِي أجْرى فِيهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَنَّهُمْ وصلوا إِلَى الْقرْيَة حِين بزغت الشَّمْس قَوْله " بِمساحِيهِمْ " بتَخْفِيف الْيَاء جمع مسحاة بِكَسْر الْمِيم وَالْمِيم زَائِدَة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من سحوت الطين عَن وَجه الأَرْض وسحيته إِذا جرفته.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي المسحاة كالمجرفة إِلَّا أَنَّهَا من حَدِيد والمكاتل جمع مكتل بِكَسْر الْمِيم وَالْمِيم فِيهِ أَيْضا زَائِدَة.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر المكاتل القفاف.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي المكتل شبه الزنبيل يسع خَمْسَة عشر صَاعا قَوْله " مُحَمَّد " أَي جَاءَ مُحَمَّد قَوْله " وَالْخَمِيس " عطف عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَيْش وَالسَّبَب فِي تَسْمِيَته بالخميس أَنه خمس فرق الْمُقدمَة وَالْقلب والميمنة والميسرة والساق قَوْله " الله أكبر " الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة التَّكْبِيرَة مرّة وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي طَلْحَة تكراره ثَلَاثًا وَهُوَ حسن قَوْله " خربَتْ خَيْبَر " فِيهِ سجع وَلَا بَأْس بِهِ إِذا لم يكن فِي ذَلِك تكلّف وَقَوله " خربَتْ خَيْبَر " يحْتَمل أَن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَه بِوَحْي من الله فِي أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يغلب عَلَيْهَا ويخربها وَيحْتَمل أَن يكون تفاؤلا بذلك على عَادَة الْعَرَب فِي جزمهم بالأمور والإخبار عَن وُقُوعهَا بِصِيغَة الْمَاضِي قبل وُقُوعهَا إِذا كَانَ ذَلِك متوقعا قَرِيبا وَقيل سَبَب تفاؤله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك لما رأى من آلَات الحراب مَعَهم من الْمساحِي والمكاتل قَوْله " إِنَّا إِذا نزلنَا " إِلَى آخِره فِيهِ الاستشهاد بِالْقُرْآنِ فِيمَا يحسن ويجمل وَفِي هَذَا الحَدِيث الحكم بِالدَّلِيلِ لكَونه كف عَن الْقِتَال بِمُجَرَّد سَماع الْأَذَان -



[ قــ :815 ... غــ :946 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثنا سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا لَا إلَه إلاَّ الله فَمَنْ قَالَ لَا إلاه إلاَّ الله فَقَدْ عصَمَ منِّي نَفْسَهُ ومالَهُ إلاَّ بِحَقِّهِ وحِسابُهُ علَى الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قِتَاله مَعَهم إِلَى أَن يَقُولُوا: لَا إلاه إلاَّ الله، دَعوته إيَّاهُم إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى إِذا قَالُوا: لَا إلاه إلاَّ الله، يرفع الْقِتَال لكنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا الحَدِيث فِي حَال قِتَاله لأهل الْأَوْثَان الَّذين كَانُوا لَا يقرونَ بِالتَّوْحِيدِ، وهم الَّذين قَالَ الله تَعَالَى عَنْهُم: { إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم: لَا إلاه إلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} ( الصافات: 53) .
فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِقْرَار بالوحدانية وخلع مَا دونه من الْأَوْثَان، فَمن أقرّ بذلك مِنْهُم كَانَ فِي الظَّاهِر دَاخِلا فِي صفة الْإِسْلَام، وَأما الْآخرُونَ من أهل الْكفْر الَّذين كَانُوا يوحدون الله تَعَالَى غير أَنهم يُنكرُونَ نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَؤُلَاءِ: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلاَّ الله ويشهدوا أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فإسلام هَؤُلَاءِ الْإِقْرَار بِمَا كَانُوا بِهِ جاحدين، كَمَا كَانَ إِسْلَام أُولَئِكَ إقرارهم بِاللَّه أَنه وَاحِد لَا شريك لَهُ وعَلى هَذَا تحمل الْأَحَادِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي حَدِيث ابْن عمر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ { فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} ( التَّوْبَة: 5 و 11) .

وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَهَذَا السَّنَد بِعَين هَؤُلَاءِ الرِّجَال قد مرغير مرّة على نسق وَاحِد.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن عُثْمَان وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة.

قَوْله: ( أمرت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، يدل على أَن الله تَعَالَى أمره، وَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ ذَلِك فهم أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره.
قَوْله: ( حَتَّى يَقُولُوا) ، كلمة: حَتَّى، للغاية، وَقد جعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَايَة الْمُقَاتلَة القَوْل بقول: لَا إلاه إلاَّ الله، وَفِي حَدِيث ابْن عمر بِالشَّهَادَتَيْنِ والتوفيق بَينهمَا مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: فقد عصم أَي حفظ وحقن معنى العصم فِي اللُّغَة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي والعصمة الْحِفْظ قَوْله إِلَّا بِحقِّهِ أَي إِلَّا بِحَق لَا إلاه إلاَّ الله الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام فِي حق الْمُشْركين عَبدة الْأَوْثَان، وَحقه ثَلَاثَة أَشْيَاء: قتل النَّفس الْمُحرمَة، وَالزِّنَا بعد الْإِحْصَان، والارتداد عَن الدّين.
قَوْله: ( وحسابه على الله) ، أَي: فِيمَا يسر بِهِ من الْكفْر والمعاصي، وَالْمعْنَى: إِنَّا نحكم عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، ونؤاخذه بحقوقه بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر حَاله، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَوَلَّى حسابه فيثيب المخلص ويعاقب الْمُنَافِق ويجازي الْمصر بِفِسْقِهِ أَو يعْفُو عَنهُ.

رَوَاهُ عُمَرُ وابْنُ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: روى مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة عبد الله بن عمر وَأَبوهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أما رِوَايَة ابْن عمر فوصلها البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان، وَأما رِوَايَة عمر فوصلها فِي الزَّكَاة.