فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب خاتم النبوة

( بابُُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صفة خَاتم النُّبُوَّة، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَين كَتِفي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من علاماته الَّتِي كَانَ أهل الْكتاب يعرفونه بهَا.



[ قــ :3380 ... غــ :3541 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله حدَّثنا حاتِمٌ عنِ الجُعَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائبَ بنَ يَزيدَ قَالَ ذَهَبَتْ بِي خالَتِي إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ ابنَ أُخْتِي وَقِعُ فمَسَحَ رأسِي ودَعَا لي بالبَرَكَةِ وتَوَضَّأ فشَرِبْتُ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فنَظَرْتُ إلَى خاتَمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَنَظَرت إِلَى خَاتم بَين كَتفيهِ) .
وَمُحَمّد بن عبد الله بِالتَّصْغِيرِ أَبُو ثَابت الْمدنِي، مَشْهُور بكنيته، وَهُوَ من أَفْرَاده، وحاتم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة بعد الْألف: ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بابُُ اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
( وَقع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْقَاف، أَي: وجع وَقد مضى فِي كتاب الطَّهَارَة بِلَفْظ: وجع، وَقيل: يشتكي رجله، ويروى بِلَفْظ الْمَاضِي.

قَالَ ابنُ عُبَيْدِ الله الحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
قَالَ إبْرَاهِيم بنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زرِّ الحَجَلَةِ
ابْن عبيد الله، هُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه فسر الحجلة الَّتِي وَقع فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن فِيهِ: فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة، على مَا يَأْتِي فِي: بابُُ الدُّعَاء للصبيان، من كتاب الدُّعَاء.
فَإِن قلت: لم تقع هَذِه اللَّفْظَة هُنَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، فَمَا وَجه تَفْسِيرهَا هُنَا؟ قلت: الظَّاهِر أَنه لما روى هَذَا الحَدِيث عَن شَيْخه مُحَمَّد بن عبيد الله، وَقع السُّؤَال فِي الْمجْلس عَن كَيْفيَّة الْخَاتم؟ فَقَالَ هُوَ: أَعنِي ابْن عبيد الله، أَو غَيره، وَهُوَ مثل زر الحجلة، فَسئلَ هُوَ عَن معنى الحجلة، فَقَالَ: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه فِي هَذَا وَلَيْسَ مثل مَا قَالَ بَعضهم: هَكَذَا وَقع، وَكَأَنَّهُ سقط مِنْهُ شَيْء لِأَنَّهُ يبعد من شَيْخه مُحَمَّد ابْن عبيد الله أَن يُفَسر الحجلة وَلم يَقع لَهَا فِي سِيَاقه ذكر، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة ثمَّ فَسرهَا كَذَلِك.
انْتهى.
قلت: قَوْله: كَأَنَّهُ سقط، لَيْسَ مَوضِع الشَّك، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي نفس حَدِيث السَّائِب بن يزِيد، وَلكنهَا لَيست بمذكورة هَهُنَا، وَهِي مَذْكُورَة فِيهِ فِي الطَّرِيق الآخر الَّذِي أخرجه فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بابُُ الدُّعَاء للصبيان، فَلَا معنى لقَوْله: وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مثل زر الحجلة، لِأَنَّهُ لَا مَحل للشَّكّ، وَالْوَجْه فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ، فَافْهَم.
وَمَعَ هَذَا تَفْسِيره: من حجل الْفرس الَّذِي بَين عَيْنَيْهِ بِمَعْنى الْبيَاض، فِيهِ نظر، لِأَن الْمَعْرُوف الَّذِي بَين عَيْني الْفرس إِنَّمَا هُوَ غرَّة، وَالَّذِي فِي قوائمه هُوَ التحجيل، وَلَئِن سلمنَا أَن يكون هَذَا التَّفْسِير صَحِيحا فَلَيْسَ لَهُ معنى إِن أَرَادَ الْبيَاض، لِأَنَّهُ لَا يبْقى فَائِدَة لذكر الزر.
قَوْله: ( وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة) هُوَ أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَنه روى هَذَا الحَدِيث كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبيد الله الْمَذْكُور، إلاَّ أَنه خَالفه فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقَالَ: ( مثل زر الحجلة) مثل مَا وَقع فِي نفس الحَدِيث، وَسَيَأْتِي عَنهُ مَوْصُولا فِي كتاب الطِّبّ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد أمعنا فِي هَذَا الْبابُُ الْكَلَام فِي كتاب الطَّهَارَة، فَليرْجع إِلَيْهِ هُنَاكَ من أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَالله أعلم.
<