فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا يرجم المجنون والمجنونة

( بابٌُ لَا يُرْجَمُ المَجْنُونُ والمَجْنُونَةُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ لَا يرْجم الرجل الْمَجْنُون وَلَا الْمَرْأَة الْمَجْنُونَة وَهَذَا إِذا وَقع الزِّنَا فِي حَالَة الْجُنُون، وَهَذَا إِجْمَاع، وَأما إِذا وَقع فِي حَالَة الصِّحَّة ثمَّ طَرَأَ الْجُنُون هَل يُؤَخر إِلَى وَقت الْإِفَاقَة؟ قَالَ الْجُمْهُور: لَا لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ التّلف بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ الإيلام فيؤخر حَتَّى يفِيق.

وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أما علِمْتَ أنَّ القَلَمَ رُفِعَ عنِ المَجْنُونِ حتَّى يُفِيقَ وعنِ الصَّبِيِّ حتَّى يُدْرِكَ وعنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقظَ؟ .

أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب لعمر بن الْخطاب، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَرْفُوعا فَقَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن السَّرْح فِي حَدِيثه عَن ابْن وهب أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مر عَليّ بن أبي طَالب بمجنونة بني فلَان قد زنت، فَأمر عمر برجمها فَردهَا عَليّ.

     وَقَالَ  لعمر: أما تذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون المغلوب على عقله، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم قَالَ: صدقت، فخلاعنها.



[ قــ :6462 ... غــ :6815 ]
- حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سلَمَةَ وسَعِيدِ بنِ المسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أتَى رجُلٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ فِي المَسْجدِ فَناداهُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عَنْهُ حتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ دعاهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( أبكَ جُنُونٌ) .
قَالَ: لاَ.
قَالَ: ( فَهَلْ أحْصَنْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إذهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ) .
قَالَ ابنُ شِهابٍ: فَأَخْبرنِي مَنْ سَمِعَ جابرَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْناهُ بالمُصَلَّى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ هَربَ فأدْرَكْناهُ بالحَرَّةِ فَرَجَمْناهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أبك جُنُون؟) لِأَن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ مَجْنُونا لَا يرْجم.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبد الْملك بن شُعَيْب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن عبد الله.

قَوْله: ( أَتَى رجل) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن اللَّيْث رجل من الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة ابْن مُسَافر: رجل من النَّاس، وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمعمر: أَن رجلا من أسلم، وَفِي رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: رَأَيْت مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ حِين جِيءَ بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَفِيه: رجل قصير أعضل لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء، وَفِي لفظ: ذُو عضلات، وَهُوَ جمع عضلة، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ مَا اجْتمع من اللَّحْم فِي أَعلَى بَاطِن السَّاق،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: كل عصبَة مَعهَا لحم فَهِيَ عضلة.
قَوْله: ( حَتَّى ردد عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني حَتَّى رد بدال وَاحِدَة.
قَوْله: ( أَربع مَرَّات) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَربع شَهَادَات.
قَوْله: ( أبك جُنُون؟) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن عَاصِم فِي الطَّلَاق: وَهل بك جُنُون؟.

     وَقَالَ  عِيَاض: فَائِدَة سُؤَاله: أبك جُنُون؟ استقراء لحاله واستبعاد أَن يلح عَاقل بالاعتراف بِمَا يَقْتَضِي إهلاكه، أَو لَعَلَّه يرجع عَن قَوْله.
قَوْله: ( فَهَل أحصنت؟) أَي: تزوجت.

قَوْله: ( قَالَ ابْن شهَاب) أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.

قَوْله: ( فَأخْبرنَا) بِفَتْح الرَّاء.
قَوْله: ( من سمع) فَاعل أخبرنَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: من سمع قيل يشبه أَن يكون ذَلِك هُوَ أَبُو سَلمَة لما صرح باسمه فِي الرِّوَايَات الْأُخَر.
قَوْله: ( بالمصلى) أَي: مصلى الْجَنَائِز وَهُوَ بَقِيع الْغَرْقَد.
قَوْله: ( فَلَمَّا أذلقته) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالقاف أَي: فَلَمَّا أقلقته وأصابته بحرها.
قَوْله: ( بِالْحرَّةِ) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود.
وَالْمَدينَة بَين حرتين.