فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غسل الرجل مع امرأته

( بابُُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرأَتِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم غسل الرجل مَعَ امْرَأَته من إِنَاء وَاحِد.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين أَبْوَاب هَذَا الْكتاب.
أَعنِي: كتاب الْغسْل، ظَاهر لِأَن كلهَا فِيمَا بتعلق بِالْغسْلِ وَمَا يتَعَلَّق بالجنب.



[ قــ :246 ... غــ :250 ]
- حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إياسِ قالَ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشَةَ قالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ إناءٍ واحدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقالُ لَهُ الفَرَقُ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله خَمْسَة: وَقد ذكرُوا وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، وَالزهْرِيّ هُوَ ابْن مُسلم، وَعُرْوَة بن الزبير، بن الْعَوام.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

الحَدِيث أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ، قَالَ: حدّثنا يحيى، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان.
قَالَ: حَدثنِي مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: ( كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من إِنَاء وَاحِد) .

بَيَان لغاته وَإِعْرَابه قَوْله: ( من قدح) بِفتْحَتَيْنِ، وَاحِد الْأَقْدَام الَّتِي للشُّرْب، والقدم: بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال، السهْم قبل أَن يراش ويركب نصله.
قَوْله: ( الْفرق) بِفَتْح الْقَاف وَفتح الرَّاء، قَالَه القتني وَغَيره،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هُوَ الْأَفْصَح.

     وَقَالَ  ابْن التِّين بتسكين الرَّاء، وَحكى ذَلِك عَن أبي زيد وَابْن دُرَيْد وَغَيرهمَا من أهل اللُّغَة، وَعَن ثَعْلَب الْفرق بِالْفَتْح، والمحدثون يسكنونه، وَكَلَام الْعَرَب بِالْفَتْح،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْفرق بِالْفَتْح، سِتَّة عشرَة رطلا، وبالإسكان مائ وَعِشْرُونَ رطلا وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ سُفْيَان؟ يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة: الْفرق ثَلَاثَة آصَع،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَعَلِيهِ الجماهير.
وَقيل: صَاعَانِ.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْفرق مكيال مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ هُوَ سِتَّة عشر رطلا.
.

     وَقَالَ  أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ إسكان الرَّاء جَائِز، وَهُوَ لُغَة فِيهِ، وَهُوَ مِقْدَار ثَلَاثَة أصوع سِتَّة عشر رطلا عِنْد أهل الْحجاز.

ثمَّ الْإِعْرَاب، فَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي ( شرح الْمشكاة) قَوْلهَا: ( كنت أغتسب أَنا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أبرز الضَّمِير ليعطف عَلَيْهِ الْمظهر.
فَإِن قلت: كَيفَ يَسْتَقِيم الْعَطف.
إِذْ لَا يُقَال: اغْتسل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: هُوَ على تقليب الْمُتَكَلّم على الْغَائِب كَمَا غلب الْمُخَاطب على الْغَائِب فِي قَوْله تَعَالَى: { اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} ( سُورَة الْبَقَرَة: 35) ( سُورَة الْأَعْرَاف: 19) عطف زَوجك، على: أَنْت فَإِن قلت: الْفَائِدَة فِي تَغْلِيب: اسكن، هِيَ أَن تدم كَانَ أصلا فِي سُكْنى الْجنَّة وحواء عَلَيْهَا السَّلَام، تَابِعَة لَهُ، فَمَا الْفَائِدَة فِيمَا نَحن فِيهِ.
قلت: الإيذان بِأَن النِّسَاء مَحل الشَّهَوَات وحاملات للاغتسال فَكُن أصلا فِي.
فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير: اغْتسل أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِنَاء مُشْتَرك بيني وَبَينه فيبادرني ويغتسل بِبَعْضِه وَيتْرك مَا بَقِي فاغتسل أَنا مِنْهُ.
قلت: يُخَالِفهُ الحَدِيث الآخر، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تَغْتَسِل الْمَرْأَة بِفضل الرجل.
انْتهى.
وَعَكسه أَيْضا على مَا تقدم فِيمَا مضى.
وَقد نقل الْكرْمَانِي فِي شَرحه مَا قَالَه الطَّيِّبِيّ، وَنَقله بَعضهم أَيْضا مُخْتَصرا من غير أيضاح قَوْله: ( من إِنَاء وَاحِد من قدح) كلمة من الأولى ابتدائية وَالثَّانيَِة بَيَانِيَّة.
قَالَ الْكرْمَانِي: الأولى: أَن يكون قدم بَدَلا من إِنَاء بتكرار حرف الْجَرّ فِي الْبدن.
انْتهى وَنَقله بَعضهم فِي شَرحه،.

     وَقَالَ : يحْتَمل أَن يكون.
قدح.
بَدَلا من إِنَاء.
قلت: لَا يُقَال فِي مثل ذَلِك يحْتَمل: لِأَن الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الْكرْمَانِي جائزان قطعا غَايَة مَا فِي الْبابُُ يرجح أَحدهمَا بالأولوية.
كَمَا نبه عَلَيْهِ، ثمَّ هَذَا الْإِنَاء الْمَذْكُور كَانَ من شبه يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، وَلَفظه.
( تورمن شبه) بِفَتْح الشين المعمة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ نوع من النّحاس يُقَال: كوز شبه، وَشبه بِمَعْنى.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: جَوَاز اغتسال الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد، وَكَذَلِكَ الْوضُوء، وَهَذَا بِالْإِجْمَاع.
وَفِيه: تطهر الْمَرْأَة بِفضل الرجل، وَأما الْعَكْس فَجَائِز عِنْد الْجُمْهُور، سَوَاء خلت الْمَرْأَة بِالْمَاءِ أَو لم تخل.
وَذهب الإِمَام أَحْمد إِلَى إِنَّهَا إِذا خلت بِالْمَاءِ واستعملته لَا يجوز للرجل اسْتِعْمَال فَضلهَا.
فَإِن قلت: ذكر ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يُنْهِي أَن يغْتَسل الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد.
قلت: غَابَ عَنهُ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَالسّنة قاضية عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: ورد نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة.
قلت: قَالَ الْخطابِيّ: أهل الْمعرفَة بِالْحَدِيثِ لم يرفع وأطرق أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث، وَلَو ثَبت فَهُوَ مَنْسُوخ، وَقد استقضينا الْكَلَام فِي بابُُ وضوء الرجل وَالْمَرْأَة من إِنَاء وَاحِد.
وَفِيه: طَهَارَة فضل الْجنب وَالْحَائِض.
قَالَ الدَّرَاورْدِي: وَفِيه: جَوَاز نظر الرجل إِلَى عَورَة امْرَأَته وَعَكسه، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من طَرِيق سُلَيْمَان بن مُوسَى أَنه سُئِلَ عَن الرجل ينظر إِلَى فرج امْرَأَته، فَقَالَ: سَأَلت عَطاء فَقَالَ: سَأَلت عَائِشَة، فَذكرت هَذَا الحَدِيث.