فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة

( بابُُ إتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إتْيَان الْيَهُود ... إِلَى آخِره.

هادُوا صارُوا يَهُودَ وأمَّا .

     قَوْلُهُ  هُدْنَا تُبْنَا: هائِدٌ تائِبٌ
مَشى البُخَارِيّ هَهُنَا على عَادَته فِي ذكر أَلْفَاظ من الْقُرْآن مِمَّا يماثل لفظ الحَدِيث، فَإِن قَوْله: { هادوا} .
مَذْكُور فِي قَوْله: { وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب} .
وَمَعْنَاهُ هُنَا: صَارُوا يهود، وَأما قَوْله: { هدنا} .
فمذكور فِي قَوْله: { إِنَّا هدنا إِلَيْك} .
وَمَعْنَاهُ: تبنا إِلَيْك، وَكَذَا فسر أَبُو عبيد اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورين،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: هاد يهود هوداً: تَابَ وَرجع إِلَى الْحق فَهُوَ هائد، وَقوم هود مثل حَائِل وحول، وبازل وبزل،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: التهود التَّوْبَة وَالْعَمَل الصَّالح، وَيُقَال أَيْضا: هاد وتهود: إِذا صَار يَهُودِيّا.



[ قــ :3757 ... غــ :3941 ]
- حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا قُرَّةُ عنُ مُحَمَّدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ لآمَنَ بِيَ اليَهُودُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بتعسف، وَهُوَ أَن يُقَال: لَو أَتَى إِلَيْهِ عشرَة من الْيَهُود حِين قدم الْمَدِينَة لآمن الْيَهُود، بَيَان صِحَة هَذِه الْمُلَازمَة أَن يُقَال: إِن: لَو، للمضي فَمَعْنَاه: لَو آمن فِي الزَّمَان الْمَاضِي قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة أَو عقب قدومه مثلا عشرَة لتابعهم الْكل، لَكِن لم يُؤمنُوا حِينَئِذٍ فَلم يتابعهم الْكل، قيل: قَالَ كَعْب: الْعشْرَة هم الَّذين سماهم الله فِي سُورَة الْمَائِدَة فعلى هَذَا، فَالْمُرَاد من الْعشْرَة فِي الحَدِيث نَاس معينون مِنْهُم وإلاَّ فقد آمن بِهِ أَكثر من عشرَة، قَالَ كَعْب: لم يسلم من الَّذين سماهم فِي الْمَائِدَة إلاَّ عبد الله بن سَلام وَعبد الله بن صوريا، ( فَإِن قلت) : ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي ( دلائله) : أَن حبرًا من أَحْبَار الْيَهُود سمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ سُورَة يُوسُف، فجَاء مَعَه بِنَفر من الْيَهُود فأسلموا كلهم.
قلت: قد يكون النَّفر غير أَحْبَار وهم أَتبَاع غير مُعينين مِنْهُم، وَالْمرَاد بِالْعشرَةِ الْأَعْيَان مِنْهُم.

والْحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه مُسلم أَيْضا فِي التَّوْبَة عَن يحيى ابْن حبيب عَن قُرَّة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: ابْن خَالِد السدُوسِي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.





[ قــ :3758 ... غــ :394 ]
- حدَّثني أحْمَدُ أوْ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله الغُدَانِيُّ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ أخبرَنا أبُو عُمَيْسٍ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهَابٍ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وإذَا أُنَاسٌ مِنَ اليَهُودِ يُعَظِّمُونَ عاشُورَاءَ ويَصُومُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْنُ أحَقُّ بِصَوْمِهِ فأمَرَ بِصَوْمِهِ.
( انْظُر الحَدِيث 005) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بالتعسف مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وَذَلِكَ أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي مضى فِي كتاب الصَّوْم، قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة ... الحَدِيث.
وَفِيه: ( فَأَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم) ، فَدلَّ على أَن الْيَهُود أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالُوا: هَذَا يَوْم نجا الله بني إِسْرَائِيل من عدوهم، فصامه مُوسَى، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم) ، فصامه.
وَحَدِيث أبي مُوسَى وَحَدِيث ابْن عَبَّاس كِلَاهُمَا من أصل وَاحِد، فَبِهَذَا الْوَجْه تحصل الْمُطَابقَة فَافْهَم.

قَوْله: ( أَحْمد أَو مُحَمَّد بن عبيد الله) بِالشَّكِّ مِنْهُ هُنَا، وَقد ذكره فِي التَّارِيخ فِيمَن اسْمه: أَحْمد وَعبيد تَصْغِير العَبْد وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: عبد الله بِالتَّكْبِيرِ، وَالْأول أصح، وَاسم جده: سُهَيْل الغداني، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة، وَأَبُو عُمَيْس، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: واسْمه عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن عبد الله بن عتبَة بن عبد الله بن مَسْعُود الْهُذلِيّ الْكُوفِي.
قَوْله: ( دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قدم.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّوْم.





[ قــ :3759 ... غــ :3943 ]
- حدَّثنا زِيادُ بنُ أيُّوبَ حدَّثنا هُشَيْمٌ حدَّثنا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عنْ ذَلِكَ فقالُوا هَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي أظْفَرَ الله فيهِ مُوسَى وبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ ونَحْنُ نَصُوُمُهُ تَعْظِيماً لَهُ فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْنُ أوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أمَرَ بِصَوْمِهِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( نَحن أولى بمُوسَى مِنْكُم) كَمَا حققناه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث السَّابِق، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن أَيُّوب أَبُو هَاشم الطوسي، كَانَ يُقَال لَهُ: دلوية، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَضم اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، كَانَ الإِمَام أَحْمد يَقُول: إِنَّه شُعْبَة الصَّغِير، سكن بَغْدَاد وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وهشيم مصغر هشم ابْن بشير السّلمِيّ الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الْبَصْرِيّ وَيُقَال: الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بابُُ صِيَام عَاشُورَاء.





[ قــ :3760 ... غــ :3944 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وكانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ وكانَ أهْلُ الكِتابِ يَسْدِلُونَ رؤُوسَهُم وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهْلِ الكِتَابِ فِيما لَمْ يُؤمَرَ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأسَهُ.
( انْظُر الحَدِيث 3558 وطرفه) .


لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ إلاَّ أَن يُقَال: وَقع اسْتِطْرَادًا لما وَقع فِي الحَدِيث السَّابِق.
وعبدان لقب عبد الله ابْن عُثْمَان، وَقد مر غير مرّة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.

والْحَدِيث مر فِي: بابُُ صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( يسدل) أَي: يُرْخِي، من سدل الثَّوْب إِذا أرخاه، وَهُوَ من بابُُ نصر ينصر، وَجَاء أَيْضا من بابُُ ضرب يضْرب، وَالْفرق فرق الشّعْر بعضه من بعض.





[ قــ :3761 ... غــ :3945 ]
- حدَّثني زِيادُ بنُ أيُّوبَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخْبرَنا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ هُمْ أهْلُ الكِتَابِ جَزَّؤُهُ أجْزَاءًا فآمَنُوا بِبَعْضِهِ وكَفَرُوا بِبَعْضِهِ.

لما كَانَ: أهل الْكتاب، مَذْكُورا فِي الحَدِيث السَّابِق فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ ابْن عَبَّاس: هم أهل الْكتاب الَّذين جزؤه، أَي: جزؤا الْقُرْآن أَجزَاء فآمنوا بِبَعْضِه، وَكَفرُوا بِبَعْضِه، ذكر هَذَا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} ( الْحجر: 91) .
أَي: أَجزَاء، وَهُوَ جمع عضة، وَأَصلهَا: عضوة على وزن فعلة من عضا الشَّاة إِذا جزأها أَعْضَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بعد قَوْله: ( وَكَفرُوا بِبَعْضِه) يَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: { الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} ( الْحجر: 91) .