فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه

( بابُُ مَناقِبِ عبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَنَاقِب عبد الله بن سَلام، بتَخْفِيف اللَّام ابْن الْحَارِث الإسرائيلي، ثمَّ الْأنْصَارِيّ من بني قينقاع، ويكنى أَبَا يُوسُف، وَهُوَ من ذُرِّيَّة ابْن يُوسُف الصّديق، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَكَانَ حليفاً للْأَنْصَار، وَيُقَال: كَانَ حليفاً للقواقلة من بني عَوْف بن الْخَزْرَج وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: الْحصين فَلَمَّا أسلم سَمَّاهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله، وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَهُوَ أحد الْأَحْبَار، أسلم إِذْ قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة.
وروى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن يزِيد بن عميرَة فَإِنَّهُ سمع معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
يَقُول: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول لعبد الله بن سَلام: أَنه عَاشر عشرَة فِي الْجنَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: هَذَا حَدِيث حسن الْإِسْنَاد صَحِيح.



[ قــ :3636 ... غــ :3812 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ سَمِعت مَالِكًا يحدث عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه قَالَ مَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لأحد يمشي على الأَرْض إِنَّه من أهل الْجنَّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام قَالَ وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة { وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} الْآيَة قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ مَالك الْآيَة أَو فِي الحَدِيث) مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى فَإِن فِيهِ منقبة عَظِيمَة لَهُ وَأَبُو النَّضر بالضاد الْمُعْجَمَة اسْمه سَالم وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي فِي زمن مَرْوَان بن مُحَمَّد والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن سَلام عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن مَنْصُور قَوْله " عَن أبي النَّضر " وَفِي رِوَايَة أبي يعلى عَن يحبى بن معِين عَن أبي مسْهر عَن مَالك حَدثنِي أَبُو النَّضر قَوْله " عَن عَامر " وَفِي رِوَايَة عَاصِم بن مهجع عَن مَالك وَعند الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعت عَامر بن سعد قَوْله " عَن أَبِيه " هُوَ سعد بن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وَفِي رِوَايَة إِسْحَق بن الطباع عَن مَالك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعت أبي قَوْله مَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قيل كَيفَ قَالَ سعد هَذَا وَقد علم أَنه قَالَ ذَلِك فِيهِ وَفِي بَاقِي الْعشْرَة وَأجَاب عَنهُ الْخطابِيّ بِأَنَّهُ كره التَّزْكِيَة لنَفسِهِ وَلزِمَ التَّوَاضُع وَلم ير لنَفسِهِ من الِاسْتِحْقَاق مَا رَآهُ لِأَخِيهِ.

     وَقَالَ  ابْن التِّين هَذَا غير بَين لِأَنَّهُ نفى بَاقِي الْعشْرَة بقوله قلت الْأَوْجه أَن يُقَال لفظ مَا سَمِعت لم ينف أصل الْإِخْبَار بِالْجنَّةِ لغيره.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد أَو المُرَاد بِالْعشرَةِ الَّذين جَاءَ فيهم لفظ الْبشَارَة المبشرون بهَا فِي مجْلِس وَاحِد أَو لم يقل لأحد غَيره حَال مَشْيه على الأَرْض وَلَا بُد من التَّأْوِيل وَكَيف لَا والحسنان وَأَزْوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بل أهل بدر وَنَحْوهم من أهل الْجنَّة قطعا انْتهى قَالَ وَفِيه نزلت أَي وَفِي عبد الله بن سَلام نزلت هَذِه الْآيَة { وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} وَفِي التَّفْسِير الشَّاهِد هُوَ عبد الله بن سَلام وَتَمام الْآيَة على مثله { فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ الضَّمِير فِي مثله لِلْقُرْآنِ أَي على مثله فِي الْمَعْنى وَهُوَ مَا فِي التَّوْرَاة من الْمعَانِي الْمُطَابقَة لمعان الْقُرْآن من التَّوْحِيد والوعد والوعيد وَغير ذَلِك وَحَاصِل الْمَعْنى وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على كَونه من عِنْد الله وَمن جملَة من قَالَ أَن الشَّاهِد هُوَ عبد الله بن سَلام الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَأنْكرهُ مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَقَالا السُّورَة مَكِّيَّة يَعْنِي سُورَة الْأَحْقَاف يَعْنِي السُّورَة الَّتِي فِيهَا الْآيَة الْمَذْكُورَة قَالَ الشّعبِيّ وَأسلم عبد الله بن سَلام قبل مَوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعامين وَاخْتلفَا فِي المُرَاد بِالْآيَةِ فَقَالَ مَسْرُوق الشَّاهِد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ هُوَ رجل من أهل الْكتاب وَأجِيب بِأَنَّهُ يجوز أَن تكون الْآيَة مَدَنِيَّة من سُورَة مَكِّيَّة.

     وَقَالَ  صَاحب مقامات النزيل هَذِه السُّورَة يَعْنِي سُورَة الْأَحْقَاف مَكِّيَّة إِلَّا آيتان مدنيتان مِنْهُمَا هَذِه الْآيَة.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس وَمُقَاتِل الشَّاهِد ابْن يَامِين وروى السّديّ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَابْن يَامِين واسْمه عُمَيْر بن وهب النضري وروى عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن اسْمه مَيْمُون بن يَامِين وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة يَامِين بن يَامِين الإسرائيلي أسلم وَكَانَ من بني النَّضر وَقيل يَامِين بن عمر.

     وَقَالَ  فِي بابُُ الْمِيم مَيْمُون بن يَامِين قَالَ سعيد بن جُبَير كَانَ رَأس الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ فَأسلم قَوْله " قَالَ لَا أَدْرِي " أَي قَالَ عبد الله بن يُوسُف الرَّاوِي عَن مَالك لَا أَدْرِي قَالَ مَالك الْآيَة عِنْد الرِّوَايَة أَو كَانَت هَذِه الْكَلِمَة مَذْكُورَة فِي جملَة الحَدِيث فَلَا يكون خَاصّا بِمَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل هَذَا الشَّك من القعْنبِي أحد الروَاة عَن مَالك وَلَيْسَ بِصَحِيح بل هُوَ عبد الله بن يُوسُف وروى إِسْمَاعِيل بن عبد الله الملقب بسمويه فِي فَوَائده هَذَا عَن عبد الله بن يُوسُف وَلم يذكر هَذَا الْكَلَام عَنهُ وَكَذَا رَوَاهُ الإسمعيلي من وَجه آخر عَن عبد الله بن يُوسُف وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَنهُ فِي غرائب مَالك من وَجْهَيْن آخَرين وَأخرجه من طَرِيق ثَالِث عَنهُ بِلَفْظ آخر مُقْتَصرا على الزِّيَادَة دون الحَدِيث.

     وَقَالَ  أَنه وهم وروى ابْن مَنْدَه فِي الْإِيمَان من طَرِيق إِسْحَق بن يسَار عَن عبد الله بن يُوسُف الحَدِيث وَالزِّيَادَة وَالَّذِي يظْهر من هَذَا الِاخْتِلَاف أَنَّهَا مدرجة



[ قــ :3637 ... غــ :3813 ]
- حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أزْهَرُ السَّمَّانُ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ قَيْسِ ابنِ عُبَادٍ قَالَ كُنْتُ جالِسَاً فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ فدَخَلَ رَجُلٌ علَى وجْهِهِ أثَرُ الخُشُوعِ فقالُوا هذَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ وتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ إنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ المَسْجِدَ قالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ قَالَ وَالله مَا يَنْبَغِي لأِحَدٍ أنْ يقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ وسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَلِكَ رأيْتُ رُؤيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَصَصْتُهَا علَيْهِ ورَأيْتُ كأنِّي فِي رَوْضَةٍ ذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا وخُضْرَتِها وسْطَها عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أسْفَلُهُ فِي الأرْضِ وأعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ فِي أعْلاَهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِيَ ارْقَهْ.

قُلْتُ لاَ أسْتَطِيعُ فأتَانِي مِنْصَفٌ فرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أعْلاهَا فأخَذْتُ بالعُرْوَةِ فَقيلَ لِي اسْتَمْسِكْ فاسْتَيْقَظْتُ وإنَّهَا لَفِي يَدِي فقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلاَمُ وذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإسْلاَمِ وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى فأنْتَ علَى الإسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ وذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي.
الثَّانِي: أَزْهَر، بِسُكُون الزَّاي وَفتح الْهَاء: ابْن سعد الْبَاهِلِيّ مَوْلَاهُم السمان بتَشْديد الْمِيم الْبَصْرِيّ، يكنى أَبَا بكر، مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: عبد الله بن عون بن أرطبان أَبُو عون الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين.
الْخَامِس: قيس بن عباد، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: الْبَصْرِيّ، قَتله الْحجَّاج صبرا.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن سَلام عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن جبلة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كنت جَالِسا فِي مَسْجِد الْمَدِينَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ: (كنت بِالْمَدِينَةِ فِي نَاس فيهم بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجَاء رجل فِي وَجهه أثر من خشوع) .
قَوْله: (تجوز فيهمَا) ، أَي: خفف وتكلف الْجَوَاز فيهمَا.
قَوْله: (ثمَّ خرج وتبعته) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَأَتْبَعته فَدخل منزله وَدخلت، فتحدثنا، فَلَمَّا استأنس قلت لَهُ: إِنَّك لما دخلت قَالَ رجل: كَذَا وَكَذَا.
قَوْله: (قَالَ: وَالله لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول مَا لَا يعلم) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم (قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا يَنْبَغِي لأحد) ، وَهَذَا إِنْكَار من عبد الله بن سَلام حَيْثُ قطعُوا لَهُ بالحنة، فَيحْتَمل أَن هَؤُلَاءِ بَلغهُمْ خبر سعد أَنه من أهل الْجنَّة وَلم يسمع هُوَ ذَلِك، أَو أَنه كره الثَّنَاء عَلَيْهِ بذلك تواضعاً، أَو غَرَضه: إِنِّي رَأَيْت رُؤْيا على عَهده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، وَهَذَا لَا يدل على النَّص بِقطع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَنِّي من أهل الْجنَّة، فَلهَذَا كَانَ مَحل الْإِنْكَار.
قَوْله: (لم ذَلِك؟) أَي: لأجل مَا قَالُوا ذَلِك القَوْل؟ قَوْله: (ذكر) أَي: عبد الله بن سَلام.
قَوْله: (أرقه) ، بهاء السكت فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أرق، بِدُونِ الْهَاء، وَهُوَ أَمر من رقى يرقى من بابُُ علم يعلم إِذا ارْتَفع وَعلا، ومصدره: رقي، بِضَم الرَّاء وَكسر الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: (فَأَتَانِي منصف) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون، وَهُوَ الْخَادِم.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، بِفَتْح الْمِيم وَالْأول أشهر قَوْله: (فَرفع ثِيَابِي) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (ثمَّ قَالَ: بثيابي من خَلْفي) ، وَوصف أَنه رَفعه من خَلفه بِيَدِهِ.
قَوْله: (فرقيت) بِكَسْر الْقَاف على الْمَشْهُور وَحكي فتحهَا.
قَوْله: (فَاسْتَيْقَظت) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وَلَقَد استيقظت) .
قَوْله: (وَإِنَّهَا) الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَإِن العروة فِي يَدي، مَعْنَاهُ: أَنه بعد الْأَخْذ اسْتَيْقَظَ فِي الْحَال قبل التّرْك لَهَا، يَعْنِي: استيقظت حَال الْأَخْذ من غير فاصلة بَينهمَا، أَو أَن أَثَرهَا فِي يَدي كَانَ يَده بعد الاستيقاظ كَانَت مَقْبُوضَة بعد كَأَنَّهَا تسْتَمْسك شَيْئا، مَعَ أَنه لَا مَحْذُور فِي الْتِزَام كَون العروة فِي يَده عِنْد الاستيقاظ لشمُول قدرَة الله لنحوه.
قَوْله: (الْإِسْلَام) يُرِيد بِهِ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، وَيُرِيد بالعمود: الْأَركان الْخَمْسَة أَو كلمة الشَّهَادَة وَحدهَا، وَيُرِيد بالعروة الوثقى الْإِيمَان قَالَ تَعَالَى: { وَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى} (الْبَقَرَة: 65) .
والوثقى على وزن فعلى من وثق بِهِ ثِقَة ووثوقاً، أَي: ائتمنه وأوثقه وَوَثَّقَهُ بِالتَّشْدِيدِ أحكمه.
قَوْله: (وَذَلِكَ الرجل: عبد الله بن سَلام) يحْتَمل أَن يكون هُوَ قَوْله: وَلَا مَانع أَن يخبر بذلك وَيُرِيد نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام الرَّاوِي.

وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنا مُعاذٌ حدَّثنا ابنُ عَوْن عنْ مُحَمَّدٍ حدَّثنا قَيْسُ بنُ عُبَّادٍ عنِ ابنِ سَلاَمٍ قَالَ وَصِيفٌ مَكانَ مِنْصَفٌ
أَي: قَالَ لي خَليفَة بن خياط، وَهُوَ أحد شُيُوخه: حَدثنَا معَاذ بن معَاذ بن نصر الْعَنْبَري قَاضِي الْبَصْرَة حَدثنَا عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين حَدثنَا قيس بن عباد الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة عَن عبد الله بن سَلام أَنه قَالَ: فَأَتَانِي وصيف، مَكَان منصف، والوصيف بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْخَادِم الصَّغِير غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة، وَمن طَرِيق معَاذ بن معَاذ الْمَذْكُور روى مُسلم الحَدِيث الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا معَاذ حَدثنَا ابْن عون ... إِلَى آخِره نَحوه، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن قُتَيْبَة من حَدِيث خَرشَة بن الْحر مطولا بِأَلْفَاظ غير مَا فِي الرِّوَايَة الأولى.





[ قــ :3638 ... غــ :3814 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ أتَيْتُ المَدِينَةَ فلَقِيتُ عبْدَ الله بنَ سَلاَمٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ ألاَ تَجيءُ فأُطْعِمَكَ سَوِيقاً وتَمْرَاً وتَدْخُلُ فِي بَيْتٍ ثُمَّ قالَ إنَّكَ بأرْضٍ الرِّبَا بِها فاشٍ إذَا كانَ لَكَ علَى رَجُلٍ حَقٌّ فأهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلاَ تَأخُذُهُ فإنَّهُ رِبَاً ولَمْ يَذْكُرِ النَّضْرُ وأبُو دَاوُدَ ووَهْبٌ عنْ شُعْبَةَ الْبَيْتَ.
( الحَدِيث 4183 طرفه فِي: 437) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: من حَيْثُ إِنَّه علم مِنْهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل فِي بَيت عبد الله وَفِيه تَعْظِيم لَهُ.
وَالْآخر: من حَيْثُ إِنَّه أَمر بترك قبُول هَدِيَّة الْمُسْتَقْرض، وَهَذَا من غَايَة الْوَرع، وَفِيه منقبة عَظِيمَة.

وَسَعِيد بن أبي بردة يروي عَن أَبِيه أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَاضِي الْكُوفَة مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَة وَهُوَ ابْن نَيف وَثَمَانِينَ سنة.

قَوْله: ( وَتدْخل فِي بَيت) ، التَّنْوِين فِيهِ للتعظيم أَي: بَيت عَظِيم مشرف بِدُخُول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ وَهُوَ أحد وَجْهي الْمُطَابقَة على مَا ذكرنَا.
قَوْله: ( بِأَرْض) أَي: أَرض الْعرَاق أَي: إِنَّك مُقيم بِأَرْض.
قَوْله: ( الرِّبَا بهَا فاشٍ) ، جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لأرض، وَمعنى: فاشٍ ظَاهر وشاسع كثير من الفشو.
قَوْله: ( حمل تبن) ، بِكَسْر الْحَاء.
قَوْله: ( أَو) فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع.
قَوْله: ( قت) ، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ نوع من علف الدَّوَابّ.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ رَبًّا) أَي: فَإِن قبُول هَدِيَّة الْمُسْتَقْرض جَار مجْرى الرِّبَا من حَيْثُ إِنَّه زَائِد على مَا أَخذه من الْمُسْتَقْرض، وَيُمكن أَن يكون رَأْي عبد الله بن سَلام أَنه عِنْده حَقِيقَة الرِّبَا، وعَلى كل حَال الْوَرع والزهد وَالتَّقوى يَنْفِي ذَلِك.
قَوْله: ( وَلم يذكر النَّضر) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة هُوَ ابْن شُمَيْل، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن النَّضر ابْن شُمَيْل وَأَبا دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ ووهب بن جرير لما رووا الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شُعْبَة لم يذكرُوا فِيهِ لفظ: ( وَتدْخل فِي بَيت) .