فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: إذا زكى رجل رجلا كفاه

( بابٌُ إذَا زَكَّى رَجُلٌ رجُلاً كَفَاهُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ أَي: كفى رجلا الَّذِي هُوَ المزكَّى، بِفَتْح الْكَاف، يَعْنِي لَا يحْتَاج إِلَى آخر مَعَه، وَقد ذكر فِي أَوَائِل الشَّهَادَات: بابُُ تَعْدِيل كم يجوز، فتوقف فِي جَوَابه، وَهَهُنَا صرح بالأكتفاء بِالْوَاحِدِ، وَفِيه خلاف: فَعِنْدَ مُحَمَّد بن الْحسن: يشْتَرط إثنان كَمَا فِي الشَّهَادَة، وَهُوَ الْمُرَجح عِنْد الشَّافِعِيَّة والمالكية، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ.
وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف: يكْتَفى بِوَاحِد، والاثنان أحب، وَكَذَا الْخلاف فِي الرسَالَة والترجمة.

وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ وجَدْتُ مَنْبُوذاً فلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ عَسَى الغُوَيْرُ بُؤساً كأنَّهُ يَتَّهِمُنِي قَالَ عَرِيفي أنَّهُ رَجُلٌ صَالح قَالَ كذَلِكَ اذْهَبْ وعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( قَالَ عريفي أَنه رجل صَالح، قَالَ كَذَلِك اذْهَبْ) ، فَإِنَّهُ يدل على أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قبل تَزْكِيَة الْوَاحِد وَاكْتفى بِهِ، وَأَبُو جميلَة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الْمِيم: واسْمه سِنِين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وبنونين أولاهما مَفْتُوحَة مُخَفّفَة بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف، كَذَا ضَبطه عبد الْغَنِيّ بن سعيد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مَاكُولَا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوهم من شدد التحتانة كالداودي.
قلت: كَيفَ ينْسب الدَّاودِيّ إِلَى الْوَهم وَلم ينْفَرد هُوَ بِالتَّشْدِيدِ، فَإِن البُخَارِيّ ذكر فِي ( تَارِيخه) كَانَ ابْن عُيَيْنَة وَسليمَان بن كثير يثقلان سنيناً، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن التِّين، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى: حَدثنَا هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سِنِين أبي جميلَة، وَأَنه أدْرك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَخرج مَعَه عَام الْفَتْح، وَأَنه الْتقط مَنْبُوذًا، فَأتى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَسَأَلَهُ عَنهُ فَأثْنى عَلَيْهِ خيرا، وَأنْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال، وَجعل ولاءه لَهُ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَبُو جميلَة سِنِين، وَقيل: ميسرَة ضد الميمنة ابْن يَعْقُوب الطهوي، بِضَم الطَّاء وَفتح الْهَاء، وَقيل: بسكونها، وَقد يفتحون الطَّاء مَعَ سُكُون الْهَاء، فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات، ورد عَلَيْهِ: بِأَن أَبَا جميلَة الَّذِي ذكره وترجمه لَيْسَ بِأبي جميلَة الْمَذْكُور فِي البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ تَابِعِيّ طهوي كُوفِي، وَذَاكَ صَحَابِيّ عِنْد الْأَكْثَرين، وَإِن كَانَ الْعجلِيّ ذكره من التَّابِعين واسْمه سِنِين بن فرقد.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: هُوَ سلمي،.

     وَقَالَ  غَيره: هُوَ ضمري، وَقيل: سليطي.
وَذكره الذَّهَبِيّ فِي ( الصَّحَابَة) .

     وَقَالَ : أَبُو جميلَة سِنِين السّلمِيّ، أدْرك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَدِيثه فِي التِّرْمِذِيّ روى عَنهُ الزُّهْرِيّ.
قلت: تفرد الزُّهْرِيّ بالرواية عَنهُ.
قَوْله: ( وجدت مَنْبُوذًا) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره ذال مُعْجمَة، وَمَعْنَاهُ: اللَّقِيط.
قَوْله: ( فَلَمَّا رأى عمر) ، أَي: فَلَمَّا رَآهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( قَالَ: عَسى الغوير أبؤساً) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن الْكشميهني، وَسقط فِي رِوَايَة البَاقِينَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: حَدثنَا ابْن علية عَن الزُّهْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه سمع سنيناً أَبَا جميلَة يَقُول: وجدت مَنْبُوذًا فَذكره عريفي لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَتَيْته فَقَالَ: هُوَ حر وَوَلَاؤُهُ لَك ورضاعه علينا، وَمعنى تَمْثِيل عمر بِهَذَا الْمثل عَسى النوير أبؤساً أَن عمر اتهمه أَن يكون وَلَده أَتَى بِهِ للْفَرض لَهُ فِي بَيت المَال، وَيحْتَمل أَن يكون ظن أَنه يُرِيد أَن يفْرض ويلي أمره وَيَأْخُذ مَا يفْرض لَهُ.
ويصنع مَا شَاءَ، فَقَالَ عمر هَذَا الْمثل، فَلَمَّا قَالَ لَهُ عريفه: إِنَّه رجل صَالح صدقه،.

     وَقَالَ  الميداني فِي ( مجمع الْأَمْثَال) تأليفه: الغوير تَصْغِير غَار، والأبؤس جمع بؤس، وَهُوَ الشدَّة.
وَيُقَال الأبؤس الداهية.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: إِن أصل هَذَا الْمثل أَنه كَانَ غَار فِيهِ نَاس فانهار عَلَيْهِم، أَو قَالَ: فَأَتَاهُم عَدو فَقَتلهُمْ فِيهِ، فَقيل ذَلِك لكل من دخل فِي أَمر لَا يعرف عاقبته.
وَفِي ( علل الْخلال) قَالَ الزُّهْرِيّ: هَذَا مثل يضْربهُ أهل الْمَدِينَة.
.

     وَقَالَ  سُفْيَان: أَصله أَن نَاسا كَانَ بَينهم وَبَين آخَرين حَرْب، فَقَالَت لَهُم عَجُوز: إحذروا واستعدوا من هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم يألونكم شرا، فَلم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم فزع.
فَقَالَت الْعَجُوز: عَسى الغوير أبؤساً، تَعْنِي: لَعَلَّه أَتَاكُم النَّاس من قبل الغوير، وَهُوَ الشّعب.
.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ: غوير مَاء لكَلْب مَعْرُوف فِي نَاحيَة السماوة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الغوير طَرِيق يعبرون فِيهِ، وَكَانُوا يتواصون بِأَن يحسروه لِئَلَّا يؤتوا مِنْهُ، وروى الْحَرْبِيّ عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
أَن الغوير نفق فِي حصن الرباء، وَيُقَال: هَذَا مثل لكل شَيْء يخَاف أَن يَأْتِي مِنْهُ شَرّ، وانتصاب أبؤساً بعامل مُقَدّر، تَقْدِيره: عَسى الغوير يصير أبؤساً.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ: جعل: عَسى بِمعنى: كَانَ، ونزله مَنْزِلَته، يضْرب للرجل يُقَال لَهُ: لَعَلَّ الشَّرّ جَاءَ من قبلك، وَيُقَال: تَقْدِيره: عَسى أَن يَأْتِي الغوير بشر.
قَوْله: ( كَأَنَّهُ يتهمني) ، أَي: بِأَن يكون الْوَلَد لَهُ، كَمَا ذكرنَا أَن يكون قَصده الْفَرْض لَهُ من بَيت المَال.
قَوْله: ( قَالَ عريفي) ، العريف النَّقِيب، وَهُوَ دون الرئيس، قَالَ ابْن بطال: وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قسم النَّاس أقساماً وَجعل على كل ديوَان عريفاً ينظر عَلَيْهِم، وَكَانَ الرجل النابذ من ديوَان الَّذِي زَكَّاهُ عِنْد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( قَالَ: كَذَلِك) ، أَي: قَالَ عمر لعريفه: هُوَ صَالح مثل مَا يَقُول، وَزَاد مَالك فِي رِوَايَته: قَالَ: نعم، يَعْنِي: كَذَلِك.
قَوْله: ( إذهب وعلينا نَفَقَته) ، وَفِي رِوَايَة مَالك: إذهب فَهُوَ حر وَلَك وَلَاؤُه وعلينا نَفَقَته، يَعْنِي: من بَيت المَال.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال فِي هَذِه الْقَضِيَّة: إِن القَاضِي إِذا سَأَلَ فِي مجْلِس نظره عَن أحد فَإِنَّهُ يجتزىء بقول الْوَاحِد، كَمَا صنع عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما إِذا كلف الْمَشْهُود لَهُ أَن يعدل شُهُوده، فَلَا يقبل أقل من اثْنَيْنِ.

وَفِيه: جَوَاز الِالْتِقَاط، وَإِن لم يشْهد، وَأَن نَفَقَته إِذا لم يعرف فِي بَيت المَال وَأَن ولاءه لملتقطه.
وَفِيه: أَن اللَّقِيط حر،.

     وَقَالَ  قوم: إِنَّه عبد، وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّه حر، عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِبْرَاهِيم، وَالشعْبِيّ.



[ قــ :2547 ... غــ :2662 ]
- حدَّثنا ابنُ سَلام قَالَ أخبرنَا عبدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَّاءُ عنْ عبدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي بَكْرَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ أثْنَى رَجُلٌ علَى رَجُلٍ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ويْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ مِرَاراً ثُمَّ قالَ مَنْ كانَ مِنْكُمْ مادِحاً أخاهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أحْسِبُ فُلاناً وَالله حَسِيبُهُ ولاَ أُزَكِّي عَلى الله أحَداً أحْسِبُهُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ.

قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ شَارِح التراجم: وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أرشد إِلَى أَن التَّزْكِيَة كَيفَ تكون، فَلَو لم تكن مُقَيّدَة لما أرشد إِلَيْهَا، لَكِن للمانع أَن يَقُول: إِنَّهَا مُقَيّدَة مَعَ تَزْكِيَة أُخْرَى لَا بمفردها.
وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أحد الطَّرِيقَيْنِ.
انْتهى.
قلت: قَوْله: إِنَّهَا مُقَيّدَة مَعَ تَزْكِيَة أُخْرَى، غير مُسلم وَالْمَنْع بطرِيق مَا ذكره غير صَحِيح، لِأَن الحَدِيث يدل على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اعْتبر تَزْكِيَة الرجل إِذا اقتصد، وَلَا يتغالى وَلم يعب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ إلاَّ الإغراق والغلو فِي الْمَدْح، وَبِهَذَا يرد قَول من قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَبَر: إِن تَزْكِيَة الْوَاحِد للْوَاحِد كَافِيَة.
حَيْثُ يحْتَاج إِلَى التَّزْكِيَة الْبَتَّةَ، وَكَذَا فِيهِ رد لقَوْل من قَالَ: اسْتِدْلَال البُخَارِيّ على التَّرْجَمَة بِحَدِيث أبي بكرَة ضَعِيف، لِأَنَّهُ ضعف مَا هُوَ صَحِيح، لِأَنَّهُ علل بقوله: فَإِن غَايَته أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتبر تَزْكِيَة الرجل أَخَاهُ إِذا اقتصد وَلم يغل، وتضعيفة بِهَذَا هُوَ عين تَصْحِيح وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لما ذَكرْنَاهُ، وكل هَذِه التعسفات مَعَ الرَّد على البُخَارِيّ بِمَا ذكر لأجل الرَّد على أبي حنيفَة حَيْثُ احْتج بِهَذَا الحَدِيث على اكتفائه فِي التَّزْكِيَة بِوَاحِد، فَافْهَم.

ثمَّ رجال الحَدِيث الْمَذْكُور خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام، وَفِي بعض النّسخ اسْمه وَاسم أَبِيه.
الثَّانِي: عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ.
الثَّالِث: خَالِد ابْن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ.
الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة.
الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو بكرَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، واسْمه: نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن آدم وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن عمر وَأبي بكر وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن يُونُس.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( أثنى رجل على رجل عِنْد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قيل: يحْتَمل أَن يكون المثني، بِكَسْر النُّون هُوَ: محجن بن الأدرع الْأَسْلَمِيّ، وَأَن يكون الْمثنى عَلَيْهِ ذُو البجادين، لِأَن للْأولِ حَدِيثا عِنْد الطَّبَرَانِيّ لَا يبعد أَن يكون هُوَ إِيَّاه، وَللثَّانِي حَدِيثا عِنْد ابْن إِسْحَاق يشْعر أَن يكون الْمثنى عَلَيْهِ ذَا البجادين.
ومحجن، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَفِي آخِره نون: ابْن الأدرع، قَالَ الذَّهَبِيّ: قديم الْإِسْلَام، نزل الْبَصْرَة واختط مَسْجِدهَا، لَهُ أَحَادِيث قلت: عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: وَذُو البجادين، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْجِيم: واسْمه عبد الله بن عبد بهم بن عفيف الْمُزنِيّ، مَاتَ فِي غَزْوَة تَبُوك، قَالَ عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: دَفنه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحطه بِيَدِهِ فِي قَبره،.

     وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي قد أمسيت عَنهُ رَاضِيا فارضَ عَنهُ) .
قَالَ ابْن مَسْعُود: فليتني كنت صَاحب الحفرة.
قَالَ الذَّهَبِيّ: حَدِيث صَحِيح قَوْله: ( وَيلك) ، لفظ الويل فِي الأَصْل الْحزن والهلاك وَالْمَشَقَّة من الْعَذَاب، وَيسْتَعْمل بِمَعْنى التفجع والتعجب، وَهَهُنَا كَذَلِك، وينتصب عِنْد الْإِضَافَة ويرتفع عِنْد الْقطع.
وَوجه انتصابه بعامل مُقَدّر من غير لَفظه.
قَوْله: ( قطعت عنق صَاحبك) ، وَفِي رِوَايَة: قطعْتُمْ عنق الرجل، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: قطعْتُمْ ظهر الرجل، وَهِي اسْتِعَارَة من قطع الْعُنُق الَّذِي هُوَ الْقَتْل لاشْتِرَاكهمَا فِي الْهَلَاك.
قَوْله: ( لَا محَالة) ، بِفَتْح الْمِيم أَي: الْبَتَّةَ لَا بُد مِنْهُ قَوْله: ( أَحسب فلَانا) ، أَي: أَظُنهُ، من: حسب يحْسب بِكَسْر عين الْفِعْل فِي الْمَاضِي وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل محسبة وحسباناً، بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ الظَّن، وَأما: حسبته أَحْسبهُ بِالضَّمِّ حسباً وحسباناً وحسابة إِذا عددته.
قَوْله: ( وَالله حسيبه) ، أَي: كافيه، فعيل بِمَعْنى مفعول، من أحسبني الشَّيْء إِذا كفاني.
قَوْله: ( وَلَا أزكي على الله أحدا) أَي: لَا أقطع لَهُ على عَاقِبَة أحد بِخَير وَلَا غَيره، لِأَن ذَلِك مغيب عَنَّا، وَلَكِن نقُول: نحسب ونظن، لوُجُود الظَّاهِر الْمُقْتَضِي لذَلِك.
قَوْله: ( أَحْسبهُ كَذَا وَكَذَا) ، أَي: أَظُنهُ على حَالَة كَذَا، وَصفَة كَذَا، إِن كَانَ يعلم ذَلِك مِنْهُ: وَالْمرَاد من قَوْله: يعلم، يظنّ، وَكَثِيرًا يَجِيء الْعلم بِمَعْنى الظَّن، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَعْنَاهُ يظنّ، حَتَّى لَا يُقَال: إِذا كَانَ يعلم مِنْهُ فلِمَ يَقُول أَحْسبهُ؟ فَإِن قلت: قد جَاءَ أَحَادِيث صَحِيحَة بالمدح فِي الْوَجْه.
قلت: النَّهْي مَحْمُول على الإفراط فِيهِ أَو على من يخَاف عَلَيْهِ، وَأما من لَا يخَاف عَلَيْهِ، ذَلِك لَكمَا تقواه ورسوخ عقله فَلَا نهى إِذا لم يكن فِيهِ مجازفة، بل إِن كَانَ يحصل بذلك مصلحَة كالإزدياد عَلَيْهِ، والاقتداء بِهِ كَانَ مُسْتَحبا، قَالَه النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) .