فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} «من الرأفة»

(بابٌُ .

     قَوْلُهُ : { لَقَدْ جاءَكُمْ رسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ} (التَّوْبَة: 128)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { لقد جَاءَكُم} الْآيَة، كَذَا ثَبت إِلَى آخر الْآيَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: (مَا عنتم) وَقد من الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة على الْمُؤمنِينَ بِمَا أرسل إِلَيْهِم رَسُولا من أنفسهم أَي: من جنسهم وعَلى لغتهم، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: { رَبنَا وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: 129) وقرى: من أَنفسكُم، من النفاسة أَي: من أشرفكم وأفضلكم، وَقيل: هِيَ قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفَاطِمَة وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا.
قَوْله: (عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم) أَي: يعز عَلَيْهِ مَا يشق عَلَيْكُم، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث: بعثت بالحنفية السمحة، وعنتم من الْعَنَت وَهُوَ الْمَشَقَّة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: أَصله التَّشْدِيد،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: الْإِثْم،.

     وَقَالَ  ابْن أبي عرُوبَة: الضلال، وَقيل: الْهَلَاك.
وَحَاصِل الْمَعْنى: يعز عَلَيْهِ أَن تدْخلُوا النَّار، وجمعت هَذِه الْآيَة سِتّ صِفَات لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرسَالَة والنفاسة والعزة وحرصه على إِيصَال الْخيرَات إِلَى أمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والرأفة وَالرَّحْمَة.
قَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل: لم يجمع الله لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء إسمين من أَسْمَائِهِ إلاَّ لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ: { بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} .

     وَقَالَ  عز وَجل: { إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم} (الْبَقَرَة: 143 وَالْحج: 65) .

مِنَ الرَّأفَةِ
يَعْنِي: رؤوف من الرأفة وَهِي الحنو والعطف وَهِي أَشد الرَّحْمَة، وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر.



[ قــ :4424 ... غــ :4679 ]
- ح دَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرَنا شُعَيبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني ابنُ السَّبّاقِ أنَّ زَيْدَ ابنَ ثابِتِ الأنْصارِيَّ رَضِي الله عنهُ وكانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْيَ قَالَ أرْسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمامَةِ وعِنْدَهُ عُمَرُ فَقال أبُو بَكْرٍ إنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمامَةِ بِالنَّاسِ وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِن فيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إلاَّ أنْ تَجْمَعُوهُ وإنِّي لأَرَي أنْ تَجْمَعَ القُرْآنَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ.

قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أفْعَلُ شَيْئاً لَم يَفْعَلْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَالله خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ الله لذالِكَ صَدْرِي ورَأيْتُ الَّذِي رَأي عُمَرُ قَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ وعُمَرُ عِنْدَهُ جالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ أبُو بَكْر إنَّكَ رجُلٌ شابٌّ عاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُك كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لرسُولِ الله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَتَّبَعِ القُرْآنَ فاجْمَعْهُ فَوَالله لوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبالِ مَا كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ مِمّا أمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ قلْتُ كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو بَكْرٍ هُوَ وَالله خَيْرٌ فلمْ أزَلْ أرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ الله لَهُ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ الرِّقاعِ والأكْتافِ والعُسُب وصُدُورِ الرِّجالِ حَتَّى وجَدْتُ مِنْ سُورَة التوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأنْصارِيِّ لَمْ أجِدْهُما مَعَ أحَدٍ غيْرِهِ { لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ علَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} (التَّوْبَة: 128) إِلَى آخِرِها وكانَتِ الصُّحُفُ الَّتي جُمِعَ فِيها القُرْآنُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله ثمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاه الله ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رضيَ الله عَنْهُمَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: { لقد جَاءَكُم رَسُول} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَابْن السباق، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ عبيد حجازي.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن بنْدَار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن الْهَيْثَم بن أَيُّوب.

قَوْله: (مقتل أهل الْيَمَامَة) ، أَي: أَيَّام مقاتلة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة وَكَانَ مقتلهم سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة، واليمامة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم مَدِينَة بِالْيمن وَسميت باسم المصلوبة على بابُُهَا وَهِي الَّتِي كَانَت تبصر من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وتعرف بالزرقاء لزرقة عينهَا وَاسْمهَا عنزة،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: كَانَ إسم الْيَمَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة: جو، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو حَتَّى سَمَّاهَا الْملك الْحِمْيَرِي لما قتل الْمَرْأَة الَّتِي تسمى الْيَمَامَة باسمها،.

     وَقَالَ  الْملك الْحِمْيَرِي:
(وَقُلْنَا فسموا الْيَمَامَة باسمها ... وسرنا وَقُلْنَا لَا نُرِيد الْإِقَامَة)

وَزعم عِيَاض أَنَّهَا تسمى أَيْضا: الْعرُوض، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: الْعرُوض إسم لمَكَّة وَالْمَدينَة مَعْرُوف.
قَوْله: (قد استحر) ، أَي: اشْتَدَّ وَكثر على وزن استفعل من الْحر، وَذَلِكَ أَن الْمَكْرُوه يُضَاف إِلَى الْحر والمحبوب يُضَاف إِلَى الْبرد وَمِنْه الْمثل: تولى حارها من تولى قارها، وَقتل بهَا من الْمُسلمين ألف وَمِائَة، وَقيل: ألف وَأَرْبَعمِائَة مِنْهُم سَبْعُونَ جمعُوا الْقُرْآن.
قَوْله: (فِي المواطن) أَي: الْمَوَاضِع الَّتِي سيغزو فِيهَا الْمُسلمُونَ وَيقتل نَاس من الْقُرَّاء فَيذْهب كثير من الْقُرْآن.
قَوْله: (كَيفَ أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا كَلَام من يُؤثر الِاتِّبَاع ويخشى الابتداع، وَإِنَّمَا لم يجمعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ بمعرض أَن ينْسَخ مِنْهُ أَو يُزَاد فِيهِ، فَلَو جمعه لكتب وَكَانَ الَّذِي عِنْده نُقْصَان يُنكر على من عِنْده الزِّيَادَة، فَلَمَّا أَمن هَذَا الْأَمر بِمَوْتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمعه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، وَلم يصنع عُثْمَان فِي الْقُرْآن شَيْئا، وَإِنَّمَا أَخذ الصُّحُف الَّتِي وَضعهَا عِنْد حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا.
وَأمر زيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن الْحَارِث بن هِشَام وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَأبي بن كَعْب فِي إثني عشر رجلا من قُرَيْش وَالْأَنْصَار فَكتب مِنْهَا مصاحف وسيرها إِلَى الْأَمْصَار لِأَن حُذَيْفَة أخبرهُ بالاختلاف فِي ذَلِك، فَلَمَّا توفيت حَفْصَة أَخذ مَرْوَان بن الحكم تِلْكَ الصُّحُف فغسلها،.

     وَقَالَ : أخْشَى أَن يُخَالف بعض الْقُرْآن بَعْضًا، وَفِي لفظ: أَخَاف أَن يكون فِيهِ شَيْء يُخَالف مَا نسخ عُثْمَان، وَإِنَّمَا فعل عُثْمَان هَذَا وَلم يَفْعَله الصّديق رَضِي الله عَنهُ، لِأَن غَرَض أبي بكر كَانَ جمع الْقُرْآن بِجَمِيعِ حُرُوفه ووجوهه الَّتِي نزل بهَا وَهِي على لُغَة قُرَيْش وَغَيرهَا، وَكَانَ غَرَض عُثْمَان تَجْرِيد لُغَة قُرَيْش من تِلْكَ الْقرَاءَات، وَقد جَاءَ ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي قَول عُثْمَان لهَؤُلَاء الْكتاب، فَجمع أَبُو بكر غير جمع عُثْمَان، فَإِن قيل: فَمَا قصد عُثْمَان بإحضار الصُّحُف وَقد كَانَ زيد وَمن أضيف إِلَيْهِ حفظوه؟ .
قيل: الْغَرَض بذلك سد بابُُ الْمقَالة وَأَن يزْعم أَن فِي الصُّحُف قُرْآنًا لم يكْتب وَلِئَلَّا يرى إِنْسَان فِيمَا كتبوه شَيْئا مِمَّا لم يقْرَأ بِهِ فينكره، فالصحف شاهدة بِجَمِيعِ مَا كتبوه.
قَوْله: (هُوَ وَالله خير) ، يحْتَمل أَن يكون لفظ: خير، أفعل التَّفْضِيل.
فَإِن قلت: كَيفَ ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هُوَ خير؟ قلت: هَذَا خير فِي هَذَا الزَّمَان وَكَانَ تَركه خيرا فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدم تَمام النُّزُول وَاحْتِمَال النّسخ كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ عَن قريب.
قَوْله: (إِنَّك رجل شَاب) ، يُخَاطب بِهِ أَبُو بكر زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: شَاب، لِأَن عمره كَانَ إِحْدَى عشرَة سنة حِين قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وخطاب أبي بكر إِيَّاه بذلك فِي خِلَافَته، فَإِذا اعْتبرت هَذَا يكون عمره حئنذٍ مَا دون خمس وَعشْرين سنة، وَهِي أَيَّام الشَّبابُُ.
قَوْله: (لَا تتهمك) ، دلّ على عدم اتهامه بِهِ.
قَوْله: (كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وكتابته الْوَحْي تدل على أَمَانَته الْغَايَة، وَكَيف وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَمن أَصْحَاب الْفَتْوَى؟ قَوْله: (فتتبع) أَمر، و (الْقُرْآن) مَنْصُوب.
قَوْله: (فوَاللَّه لَو كلفني) ، من كَلَام زيد، يحلف بِاللَّه أَن أَبَا بكر لَو كلفه كَذَا وَكَذَا.
قَوْله: (مَا كَانَ أثقل) جَوَاب: لَو قَوْله: (فتتبعت الْقُرْآن) ، قيل: إِن زيدا كَانَ جَامعا لِلْقُرْآنِ فَمَا معنى هَذَا التتبع والطلب لشَيْء إِنَّمَا هُوَ ليحفظه ويعلمه، أُجِيب: أَنه كَانَ يتتبع وجوهه وقراءاته وَيسْأل عَنْهُمَا غَيره ليحيط بالأحرف السَّبْعَة الَّتِي نزل بهَا الْكتاب الْعَزِيز، وَيعلم الْقرَاءَات الَّتِي هِيَ غير قِرَاءَته.
قَوْله: (أجمعه) حَال من الْأَحْوَال الْمقدرَة المنتظرة.
قَوْله: (من الرّقاع) ، بِكَسْر الرَّاء: جمع رقْعَة يكون من ورق وَمن جلد وَنَحْوهمَا.
قَوْله: (والأكتاف) ، جمع كتف وَهُوَ عظم عريض يكون فِي أصل كتف الْحَيَوَان ينشف وَيكْتب فِيهِ.
قَوْله: (والعسب) ، بِضَم الْعين وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ: جَمِيع عسيب وَهُوَ جريد النّخل العريض مِنْهُ وَكَانُوا يكشطون خوصها ويتخذونها عَصا وَكَانُوا يَكْتُبُونَ فِي طرفها العريض،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: عسيب النّخل كالقضبان لغيره، وَذكر فِي التَّفْسِير: اللخاف، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهِي حِجَارَة بيض رقاق وَاحِدهَا لخفة.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: فِيهَا عرض ودقة، وَقيل: الخزف.
قَوْله: (مَعَ خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ) ، وَهُوَ خُزَيْمَة بن ثَابت بن الْفَاكِه الْأنْصَارِيّ الخطمي ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، شهد صفّين مَعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَقتل يومئذٍ سنة سبع وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: (لم أجدهما مَعَ أحد غير خُزَيْمَة) ، فَإِن قيل: كَيفَ ألحق هَاتين الْآيَتَيْنِ بِالْقُرْآنِ وَشَرطه أَن يثبت بالتواتر؟ قيل لَهُ: مَعْنَاهُ: لم أجدهما مكتوبتين عِنْد غَيره، أَو المُرَاد: لم أجدهما محفوظتين، وَوَجهه أَن الْمَقْصُود من التَّوَاتُر إِفَادَة الْيَقِين، وَالْخَبَر الْوَاحِد المحفوف بالقرائن يُفِيد أَيْضا الْيَقِين، وَكَانَ هَهُنَا قَرَائِن مثل كَونهمَا مكتوبتين وَنَحْوهمَا وَأَن مثله لَا يقدر فِي مثله بِمحضر الصَّحَابَة أَن يَقُول إلاَّ حَقًا وصدقاً.
قلت: إِن خُزَيْمَة أذكرهم مَا نسوه وَلِهَذَا قَالَ زيد: وجدتهما مَعَ خُزَيْمَة، يَعْنِي مكتوبتين وَلم يقل: عرفني أَنَّهُمَا من الْقُرْآن، مَعَ تَصْرِيح زيد بِأَنَّهُ سمعهما من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو نقُول: ثَبت أَن خُزَيْمَة شَهَادَته بشهادتين فَإِذا شهد فِي هَذَا وَحده كَانَ كَافِيا.
قَوْله: (لقد جَاءَكُم) إِلَى آخر بَيَان الْآيَتَيْنِ.

تابَعَهُ عُثْمانُ بنُ عُمَرَ واللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ
أَي: تَابع شعيباً فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ الْعَبْدي وَاللَّيْث بن سعيد الْبَصْرِيّ كِلَاهُمَا عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وروى مُتَابعَة عُثْمَان أَبُو بكر عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث عَن مُحَمَّد ابْن يحيى عَن عُثْمَان بن عمر عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فَذكره، وَأما مُتَابعَة اللَّيْث عَن يُونُس فرواها البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَفِي التَّوْحِيد.

وَقَالَ اللّيْثُ: حدَّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ.

     وَقَالَ  مَعَ أبي خُزَيْمَةَ الأنْصارِيِّ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اللَّيْث رَحمَه الله، لَهُ فِيهِ شيخ آخر عَن ابْن شهَاب، وَأَنه رَوَاهُ عَنهُ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور وَلكنه خَالف فِي قَوْله: مَعَ خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ: (أبي خُزَيْمَة) وَرِوَايَة اللَّيْث هَذِه وَصلهَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث عَنهُ بِهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفرج: قَوْله: أَبُو خُزَيْمَة، وهمٌ ورد عَلَيْهِ بِصِحَّة الطَّرِيق إِلَيْهِ ولاحتمال أَن يَكُونَا سمعاها كِلَاهُمَا.
قلت: أَبُو خُزَيْمَة هَذَا هُوَ ابْن أَوْس بن زيد بن أَصْرَم بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد وَتُوفِّي فِي خلَافَة عُثْمَان وَهُوَ أَخُو مَسْعُود بن أَوْس،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: قَالَ ابْن شهَاب عَن عبيدا السباق عَن زيد بن ثَابت: وجدت آخر التَّوْبَة مَعَ أبي خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ.

وَقَالَ مُوساى عنْ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أَي: قَالَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب، قَالَ: مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن، وَفِي (التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مُسْندًا فِي كتاب الْأَحْكَام فِي (صَحِيحه) .

وتابَعَهُ يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ
أَي: تَابع مُوسَى فِي رِوَايَته عَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة فِي أبي خُزَيْمَة أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب (الْمَصَاحِف) من طَرِيقه.
وَقَالَ أَبُو ثابِتٍ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ.

     وَقَالَ  مَعَ خُزَيْمَةَ أوْ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ
أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي يروي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَشك فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: مَعَ خُزَيْمَة، أَو مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام بِالشَّكِّ، وَالْحَاصِل هُنَا أَن أَصْحَاب إِبْرَاهِيم بن سعد اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: مَعَ أبي خُزَيْمَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَعَ خُزَيْمَة، وَشك بَعضهم.
وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَن آيَة التَّوْبَة مَعَ أبي خُزَيْمَة، وَآيَة الْأَحْزَاب مَعَ خُزَيْمَة.

ابْتَدَأَ بالبسملة تبركاً عِنْد شُرُوعه فِي تَفْسِير سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام.

سُورَةُ يُونُسَ
أَي: هَذَا شُرُوع فِي تَفْسِير بعض مَا فِي سُورَة يُونُس، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الْبَسْمَلَة بعد.
قَوْله: (سُورَة يُونُس) .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي (مقامات التَّنْزِيل) هِيَ مَكِّيَّة، وفيهَا آيَة ذكر الْكَلْبِيّ أَنَّهَا مَدَنِيَّة { لَهُم الْبُشْرَى فِي الحيوة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} (يُونُس: 64) ، وَمَا بلغنَا أَن فِيهَا مدنياً غير هَذِه الْآيَة، وَفِي (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) عَن الْكَلْبِيّ: مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله: { وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن بِهِ} (يُونُس: 40) ، فَإِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ،.

     وَقَالَ  مقَاتل: كلهَا مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ: { فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك لقد جَاءَك الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين وَلَا تكونن من الَّذين كذبُوا بآيَات الله فَتكون من الخاسرين} (يُونُس: 94 95) هَاتَانِ الْآيَتَانِ مدنيتان، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: فِيهَا رِوَايَتَانِ (الأولى) وَهِي الْمَشْهُورَة عَنهُ: هِيَ مَكِّيَّة، (الثَّانِيَة) : مَدَنِيَّة، وَهِي مائَة وتسع آيَات، وَسَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ حرفا، وَألف وَثَمَانمِائَة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كلمة.