فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟

باب كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَمْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ؟
هذا ( باب) بالتنوين ( كيف كان صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكم كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل؟) ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، وابن عساكر: بالليل.

وسقط كان الأولى عند أبوي ذر والوقت والأصيلي، والتبويب كله عند الأصيلي، وللمستملي: باب كيف صلاة الليل؟ وكيف ... ، ولأبي ذر، عن الكشميهني: وكم كان النبي يصلّي بالليل؟.


[ قــ :1098 ... غــ : 1137 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ".

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: أخبرني) بالإفراد، وللأصيلي: أخبرنا ( سالم بن عبد الله أن) أباه ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما، قال) :
( إن رجلاً) في المعجم الصغير للطبراني: أن ابن عمر هو السائل، لكن يعكر عليه ما في مسلم: عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل، وفي أبي داود: أن رجلاً من أهل البادية ( قال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل) ؟ أي عددها؟ ( قال) :
( مثنى مثتى) يسلم من كل ركعتين.
ومثنى في محل رفع خبر مبتدأ وهو قوله: صلاة الليل.
والتكرير للتأكيد، لأن الأول مكرر معنى: لأن معناه: اثنان اثنان ولذلك امتنع من الصرف.

وقال الزمخشري: وإنما لم ينصرف لتكرار العدل فيه، وزعم سيبويه أن عدم صرفه للعدل والصفة.

وتعقبه في الكشاف: بأن الوصفية لا يعرج عليها لأنها لو كانت مؤثرة في المنع من الصرف لقلت: مررت بنسوة أربع، مفتوحًا فلما صرف علم أنها ليست بمؤثرة، والوصفية ليست بأصل لأن

الواضع لم يضعها لتقع وصفًا، بل عرض لها ذلك نحو: مررت بحية ذراع، ورجل أسد.
فالذراع والأسد ليسا بصفتين، للحية والرجل، حقيقة.

( فإذا خفت الصبح) أي: دخول وقته ( فأوتر بواحدة) .
ركعة مفردة، وهو حجة للشافعية على جواز الإيتار بركعة واحدة.

قال النووي: وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط.

والأحاديث الصحيحة ترد عليه، ومباحث ذلك سبقت في باب الوتر.

وهذا الحديث يطابق الجزء الأول من الترجمة، وبه احتج أبو يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي، وأحمد: أن صلاة الليل مثنى مثنى.
وهو أن يسلم في آخر كل ركعتين.

وأما صلاة النهار، فقال أبو يوسف، ومحمد: أربع.
وعند أبي حنيفة: أربع في الليل والنهار، وعند الشافعي: مثنى مثنى فيهما.
واحتج بما رواه الأربعة من حديث ابن عمر مرفوعًا: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.

نعم: له أن يحرم بركعة، وبمائة مثلاً، وفي كراهة الاقتصار على ركعة فيما لو أحرم مطلقًا وجهان:
أحدهما: نعم يكره بناء على القول بأنه إذا نذر صلاة لا تكفيه ركعة.

والثاني: لا بل قال في المطلب: الذي يظهر استحبابه خروجًا من خلاف بعض أصحابنا، وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من أنه يلزمه بالشروع ركعتان.

فإن لم ينو عددًا أو جهل كم صلّى؟ جاز، لما في مسند الدارمي أن أبا ذر صلّى عددًا كثيرًا، فلما سلم قال له الأحنف بن قيس: هل تدري انصرفت على شفع أو على وتر؟ فقال: إن لا أكن أدري فإن الله يدري، فإن نوى عددًا فله أن ينوي الزيادة عليه والنقصان منه.

والعدد عند النحاة ما وضع لكمية الشيء، فالواحد عدد، فتدخل فيه الركعة.

وعند جمهور الحساب: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين على السواء، فالواحد ليس بعدد، فلا تدخل فيه الركعة، لكنه يدخل في حكمه هنا بالأولى، لأنه إذا جاز التغيير بالزيادة في الركعتين، ففي الركعة التي قيل يكره الاقتصار عليها في الجملة أولى.

ومعلوم أن تغييرها بالنقص ممتنع، فإن نوى أربعًا وسلم من ركعتين، أو من ركعة، أو قام إلى خامسة عامدًا قبل تغيير النية، بطلت صلاته لمخالفته ما نواه بغير نيّة، لأن الزائد صلاة، فتحتاج إلى نية.


ولو قام إليها ناسيًا، فتذكر وأراد الزيادة، ولم يردها، لزمه العود إلى القعود، لأن المأتي به سهوًا لغوي، وسجد للسهو آخر صلاته لزيادة القيام.

ومن نوى عددًا فله الاقتصار على تشهد آخر صلاته، وله أن يتشهد بلا سلام في كل ركعتين، كما في الرباعية.
وفي كل ثلاث أو أكثر كما في التحقيق، والمجموع، لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة، لا في ركعة.
لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد، قاله في أسنى المطالب.




[ قــ :1099 ... غــ : 1138 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد قال: حدَّثني يحيى) القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو جمرة) بالجيم والراء المهملة، نصر بن عمران الضبعي ( عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال) :
( كان) ولأبي ذر: كانت ( صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثلاث عشرة ركعة) أي يسلم من كل ركعتين، كما صرح به في رواية طلحة بن نافع ( يعني بالليل) .

وسبق الحديث في أول أبواب الوتر.




[ قــ :1100 ... غــ : 1139 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ".

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني ( إسحاق) هو: ابن راهويه، كما جزم به أبو نعيم لا ابن سيار النصيبي، ولا رواية له في الكتب الستة ( قال: حدّثنا) ولأبي الوقت، والأصيلي: أخبرنا ( عبيد الله) بضم العين، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عبيد الله بن موسى أي: ابن باذام ( قال: أخبرني إسرائيل) بن يونس بن إسحاق السبيعي ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمان بن عاصم الأسدي ( عن يحيى بن وثاب) بفتح الواو وتشديد المثلثة وبعد الألف موحدة ( عن مسروق) هو ابن الأجدع ( قال) :
( سألت عائشة، رضي الله عنها، عن) عدد ( صلاة رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالليل؟ فقالت) :
تارة ( سبع و) تارة ( تسع و) أخرى ( إحدى عشرة) وقع ذلك منه في أوقات مختلفة بحسب اتساع الوقت وضيقه، أو عذر من مرض أو غيره، أو كبر سنه.

وفي النسائي عنها: أنه كان يصلّي من الليل تسعًا، فلما أسن صلّى سبعًا.
قيل: وحكمة اقتصاره على إحدى عشرة ركعة أن التهجد والوتر يختص بالليل، وفرائض النهار الظهر أربع،

والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلاً.
قاله في فتح الباري.

ويعكر عليه صلاة الصبح فإنها نهاية لآية: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] والمغرب ليلية لحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم".
فليتأمل.

( سوى ركعتي الفجر) فالمجموع: ثلاث عشرة ركعة.

وأما ما رواه الزهري، عن عروة.
عنها: كما سيأتي إن شاء الله تعالى، في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر؟ بلفظ: كان يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلّي إذا سمع النداء للصبح ركعتين خفيفتين، وظاهره يخالف ما ذكر؟
فأجيب: باحتمال أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء، لكونه كان يصلّيها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل.
فقد ثبت في مسلم عنها: أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين.

ويؤيد هذا الاحتمال رواية أبي سلمة، عند المصنف، وغيره: يصلّي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا.

فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين، وتعرضت لهما في رواية الزهري.
والزيادة من الحافظ مقبولة.




[ قــ :1101 ... غــ : 1140 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين، مصغرًا العبسي الكوفي ( قال: أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن ( عن القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق ( عن عائشة، رضي الله عنها، قالت) :
( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة) بالبناء على الفتح وسكون شين عشرة، كما أجازه الفراء ( منها) أي: من ثلاث عشرة: ( الوتر، وركعتا الفجر) .

وفي بعض النسخ: وركعتي الفجر، نصب على المفعول معه، وفي رواية مسلم: من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة.
وهذا كان غالب عادته عليه السلام.