فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صيام يوم عاشوراء

باب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء
( باب) حكم ( صيام يوم عاشوراء) قال في القاموس العاشوراء والعشوراء ويقصران والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه اهـ.


والأول هو قول الخليل والاشتقاق يدل عليه وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى الثاني وفي المصنف عن الضحاك عاشوراء يوم التاسع قيل لأنه مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل تقول العرب: وردت الإبل عشرًا إذا وردت اليوم التاسع وذلك لأنهم يحسبون في الأظماء يوم الورد، فإذا قامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالث قالوا وردت ربعًا، وإن رعت ثلاثًا وفي الرابع وردت قالوا وردت خمسًا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء وهذا كقوله تعالى: { الحج أشهر معلومات} [البقرة: 97] على القول بأنها شهران وعشرة أيام.


[ قــ :1917 ... غــ : 2000 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ».

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد ( عن عمر بن محمد) بضم العين ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( عن) عم أبيه ( سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر ( -رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( يوم عاشوراء) بنصب يوم على الظرفية ( إن شاء) المرء ( صام) أي: وإن شاء أفطر، وقد ساقه مختصرًا وهو في صحيح ابن خزيمة عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره.

ورواة حديث الباب كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وأخرجه مسلم أيضًا في الصوم.




[ قــ :1918 ... غــ : 001 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي أيضًا ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوام ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت) : ( كان رسول الله) ولأبي الوقت: كان النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان) وكان فرضه في شعبان من السنة الثانية من الهجرة ( كان من شاء صام) يوم عاشوراء ( ومن شاء أفطر) والجمع بين هذا وحديث سالم السابق عن ابن عمر بالحمل على ثاني الحال.




[ قــ :1919 ... غــ : 00 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يَصُومُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".

وبه قال ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام ( عن عائشة) ولأبي الوقت أن عائشة ( -رضي الله عنها- قالت) ( كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية) يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة البيت الحرام فيه ( وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه) أي عاشوراء وزاد أبو الوقت وذر وابن عساكر: في الجاهلية ( فلما قدم) عليه الصلاة والسلام ( المدينة) وكان قدومه بلا ريب في ربيع الأول ( صامه) على عادته ( وأمر) الناس ( بصيامه) ، في أول السنة الثانية ( فلما فرض رمضان) أي صيامه في الثانية في شهر شعبان كما مرّ ( ترك) عليه الصلاة والسلام ( يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة وعلى تقدير صحة القول فقد نسخ، ولم يرو عنه أنه عليه الصلاة والسلام جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمر عليه الصلاة والسلام بصيامه قبل فرض صيام رمضان للوجوب فإنه يبنى على أن الوجوب إذا نسخ هل ينسخ الاستحباب أم لا؟ فيه اختلاف مشهور وإن كان أمره للاستحباب فيكون باقيًا على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه النسائي.




[ قــ :190 ... غــ : 003 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -رضي الله عنهما- يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي المدني القعنبي ( عن مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-) واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي وهو وأبوه من مسلمة الفتح، وقيل أسلم هو في عمرة القضاء وكتم إسلامه وكان أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة وكان يقول أنا أول الملوك ( يوم عاشوراء عام حج) وكان أول حجة حجها بعد أن استخلف في سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين ( على المنبر) زاد يونس عن الزهري بالمدينة، وقال: في روايته في قدمة قدمها ( يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم) ؟ قال النووي: الظاهر أن معاوية قاله لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بنفي الثلاثة اهـ.

فاستدعاؤه لهم تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده.
( سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه) بضم أول يكتب وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول وصيامه رفع نائب عن الفاعل ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: ولم يكتب الله عليكم صيامه نصب على المفعولية، وهذا من كلام الشارع عليه الصلاة والسلام كما عند النسائي، واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أنه لم يكن فرضًا قط ولا نسخ برمضان، وتعقب بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما يكون سمعه سنة تسع أو عشر فيكون ذلك بعد نسخه بإيجاب رمضان، ويكون المعنى لم يفرض بعد إيجاب رمضان جميعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه، وإن كان سمعه قبله فيجوز كونه قبل افتراضه، ونسخ عاشوراء برمضان في الصحيحين عن عائشة وكون لفظ أمر في قوله وأمر بصيامه مشتركًا بين الصيغة الطالبة ندبًا وإيجابًا ممنوع ولو سلم فقولها، فلما فرض رمضان قال من الخ دليل على أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع أن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن فكان باعتبار الوجوب.
( وأنا صائم فمن شاء فليصم) ولابن عساكر في نسخة: فليصمه بضمير المفعول ( ومن شاء فليفطر) بحذف ضمير المفعول.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا النسائي.




[ قــ :191 ... غــ : 004 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".
[الحديث 004 - أطرافه في: 3397، 3943، 4680، 4737] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني قال: ( حدّثنا عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) فأقام إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية ( فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال) : عليه الصلاة والسلام لهم: ( ما هذا) الصوم؟ ( قالوا: هذا يوم صالح) وعند ابن عساكر تكرير هذا يوم صالح مرتين ( هذا يوم نجى الله) يوم بغير تنوين في اليونينية مصحح عليه وفي غيرها منوّنًا ( بني إسرائيل) ولمسلم موسى وقومه ( من عدوهم) فرعون حيث أغرق في اليم ( فصامه موسى) ، زاد مسلم في روايته شكرًا لله تعالى فنحن نصومه، وعند المصنف في الهجرة ونحن نصومه تعظيمًا له، وزاد أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجوديّ فصامه نوح شكرًا.

( قال) : النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فأنا أحق بموسى منكم فصامه) كما كان يصومه قبل ذلك ( وأمر) الناس ( بصيامه) فيه دليل لمن قال كان قبل النسخ واجبًا، لكن أجاب أصحابنا بحمل الأمر هنا على تأكد الاستحباب وليس صيامه عليه الصلاة والسلام له تصديقًا لليهود بمجرد قولهم بل كان يصومه قبل ذلك كما

وقع التصريح به في حديث عائشة، وجوّز المازري نزول الوحي على وفق قولهم أو تواتر عنده الخبر أو صامه باجتهاده أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام.

والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين والقرابة الظاهرة دونهم ولأنه عليه الصلاة والسلام أطوع وأتبع للحق منهم.

ورواة هذا الحديث الثلاثة الأول بصريون والثلاثة الأخر كوفيون، وأخرجه المؤلّف أيضًا في أحاديث الأنبياء، ومسلم وأبو داود والنسائي في الصوم.




[ قــ :19 ... غــ : 005 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ".
[الحديث 005 - طرفه في: 394] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي ( عن أبي عميس) بضم العين المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة واسمه عتبة بضم المهملة وسكون الفوقية ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي ( عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم العدواني الكوفي ثقة رمي بالإرجاء ( عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي الصحابي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( -رضي الله عنه- قال: كان من يوم عاشوراء تعده اليهود) أهل خيبر ( عيدًا) تعظيمًا له والعيد لا يصام ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( فصوموه أنتم) مخالفة لهم فالباعث على الصيام في هذا غير الباعث في حديث ابن عباس السابق إذ هو باعث على موافقته يهود المدينة على السبب وهو شكر الله تلى على نجاة موسى مع موافقة عادته أو الوحي كما مرّ تقريره، ويحتمل أن يكون من تعظيمه عند يهود خيبر في شرعهم صومه، وقد وقع التصريح بذلك عند مسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم قال: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف في باب إتيان اليهود للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم والنسائي في الصوم.




[ قــ :193 ... غــ : 006 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ".

وبه قال ( حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي ( عن ابن عيينة) سفيان ( عن عبيد الله بن أبي يزيد) من الزيادة المكي مولى آل قارظ بن شيبة ( عن

ابن عباس -رضي الله عنهما-)
أنه ( قال) : ( ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحرى) أي يقصد ( صيام يوم فضله على غيره) وصيام شهر فضله على غيره بتشديد الضاد المعجمة جملة في موضع جر صفة ليوم ( إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر) عطف على قوله هذا اليوم وهذا من اللف التقديري لأن المعطوف لم يدخل في لفظ المستثنى منه إلا بتقدير وصيام شهر فضله على غيره كما مرّ أو يعتبر في الشهر أيامه يومًا موصوفًا بهذا الوصف وحينئذ فلا يحتاج إلى تقدير وصيام شهر ( يعني شهر رمضان) هو من قول الراوي، وهذا الحديث أخرجه النسائي.




[ قــ :194 ... غــ : 007 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ أبي عُبَيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ".

وبه قال ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير الحنظلي قال: ( حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع وسقط لغير أبي ذر لفظ ابن أبي عبيد ( عن سلمة بن الأكوع) هو ابن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان بن عبد الله ( -رضي الله عنه- قال) : ( أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من أسلم) هو هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي ( أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم) أي فليمسك ( بقية يومه) حرمة لليوم ( ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء) استدلّ به على أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجزئه بنيته نهارًا وهذا بناء على أن عاشوراء كان واجبًا، وقد منعه ابن الجوزي بحديث معاوية سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم" قال وبدليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء، وقد سبق البحث في ذلك عند ذكر حديث الباب في باب: إذا نوى بالنهار صومًا في أثناء كتاب الصيام.

وهذا الحديث هو السادس من ثلاثيات المؤلّف رحمه الله، ويستحب صوم تاسوعاء أيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام المروي في مسلم "لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع" فإن لم يصم التاسع مع العاشر استحب له صوم الحادي عشر، ونص الشافعي في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة، ونقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره، ويدل له حديث أحمد "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يومًا وبعده يومًا" وكذا يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج وهو تاسع الحجة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عنه فقال: "يكفر السنة الماضية والمستقبلة" رواه مسلم وتسع ذي الحجة رواه أبو داود والأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن تغيرت هيئته من الصوم "لم عذبت نفسك صم شهر الصبر ويومًا من كل شهر" قال: زدني قال: "صم يومين"، قال: زدني.
قال: "صم ثلاثة أيام"، قال: زدني قال: "صم من المحرم والترك ثلاث مرات" وقال بأصابعه الثلاث رواه أبو داود وغيره.


قال في شرح المهذّب: وإنما أمره بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم فأما من لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة وأفضلها المحرم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم، وقال الحنابلة: يكره إفراد رجب بالصوم.
قال في الإنصاف: وهو المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب.
قال: وحكى الشيخ تقي الدين في تحريم إفراده وجهين قال في الفروع: ولعله أخذه من كراهة أحمد وتزول الكراهة عندهم بالفطر من رجب ولو يومًا أو بصوم شهر آخر من السنة قال المجد: وإن لم يله اهـ.

وكذا يستحب صوم ستة من شوّال لقوله عليه الصلاة والسلام من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوّال كان كصيام الدهر رواه مسلم، والأفضل تتابعها وكونها متصلة بالعيد مبادرة للعبادة، وكره مالك صيامها قال في الموطأ: لم أر أحدًا من أهل الفقه والعلم صامها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك مخافة بدعته وأن يلحق أهل الجهالة والجفاء برمضان ما ليس منه، قال في المقدمات: وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها ونحوه في النوادر، وكذا يستحب صوم يوم لا يجد في بيته ما يأكله لحديث عائشة قالت: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء" قلنا: لا.
قال: "إني إذًا صائم" رواه مسلم والنفل من الصوم غير محصور والاستكثار منه مطلوب والمكروه منه صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا منه المشقّة الشديدة وقد ينتهي ذلك إلى التحريم، وصوم يوم عرفة بها للحاج لكن الصحيح أنه خلاف الأولى لا مكروه ويستحب له فطره سواء أضعفه الصوم عن العبادة أم لا.

وقال المتولي: إن كان ممن لا يضعف بالصوم عن ذلك فالصوم أولى له وإلا فالفطر.

ويكره أيضًا التطوّع بالصوم وعليه قضاء صوم من رمضان، وهذا إذا لم يتضيق وقته وإلاّ حرم التطوع وإفراد يوم الجمعة أو السبت وصوم الدهر لمن خاف ضررًا أو فوت حق ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق وصوم الحائض والنفساء للإجماع صوم يوم الشك وصوم النصف الأخير من شعبان إذا لم يصله بما قبله على المختار، وصححه في المجموع وغيره لحديث "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح إلا لقضاء أو موافقة نذر أو عادة فلا يحرم لم يصح مسارعة لبراءة الذمة ولأن له سببًا، فجاز كنظيره من الصلاة في الأوقات الكروهة، ولا يجوز للمرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضر إلا بإذنه كل صومها حينئذ صحيح لأن تحريمه لا لمعنى يعود إلى الصوم فهو كالصلاة في أرض مغصوبة.

وهذا آخر كتاب الصوم وكان الفراغ منه يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وتسعمائة، والله أسأل أن يمن بإتمامه وينفع به ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، وحسبي الله ونعم الوكيل.