فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

باب إِسْلاَمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-
( باب إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع.


[ قــ :3684 ... غــ : 3863 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ ( عن قيس بن أبي حازم) التابعي الكبير البجلي ( عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه ( قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) .




[ قــ :3685 ... غــ : 3864 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ -وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَقَالَ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ.
قَالَ: لاَ سَبِيلَ إِلَيْكَ.
بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ.
فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا.
قَالَ لاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ.
فَكَرَّ النَّاسُ".
[الحديث 3864 - طرفه في: 3865] .

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن
وهب)
عبد الله المصري أيضًا ( قال: حدّثني) بالتوحيد ( عمر بن محمد) بضم العين ( قال: فأخبرني) بالإفراد ( جدي زيد بن عبد الله بن عمر) بفاء العطف على شيء مقدر كأنه قال: قال: كذا فأخبرني بكذا ( عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه ( قال: بينما) بالميم ( هو) أي عمر بن الخطاب ( في الدار) حال كونه ( خائفًا) من قريش لما أسلم ( إذ جاءه العاص) بكسر الصاد مصححًا عليها في الفرع كأصله لأنها من الناقص لأن أصله العاصي بالياء كالقاضي فخفف بترك الياء وبضم الصاد إذا قلنا أنه من الأجوف أي ألفه مبدلة عن واو وأصله العوص ( ابن وائل) بالمد ( السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء ( أبو عمرو) والعاص جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم وهو ابن هاشم بن سعيد بن سهم ( عليه حلة حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة جر بإضافة حلة إليها برد مخطط، ولأبي ذر: حبر إسقاط الهاء ( وقميص مكفوف) مخيط ( بحرير وهو) أي العاص ( من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية) بالحاء المهملة جمع حليف من الحلف وهو المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد ( فقال له) العاص ( ما بالك؟) بضم اللام ما شأنك ( قال: زعم قومك) بنو سهم ( أنهم سيقتلونني) ولأبي ذر: سيقتلوني بنون واحدة ( أن أسلمت) أي لأجل إسلامي بفتح همزة أن وفي الناصرية بكسرها كالفرع ولم يضبطها في اليونينية ( قال) له العاص ( لا سبيل) لهم ( إليك) فقال: عمر -رضي الله عنه- ( بعد أن قالها) أي كلمة لا سبيل إليك ( أمنت) بهمزة مفتوحة وميم مكسورة ونون ساكنة وفوقية مضمومة من الأمان أي زال خوفي لقول: العاص لأنه كان مطاعًا في قومه ( فخرج العاص فلقي الناس قد سال) بغير همز أي امتلأ ( بهم الوادي) وادي مكة ( فقال) العاص: ( أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- ( الذي صبا) أي خرج عن دين آبائه ( قال) العاص: ( لا سبيل) لكم ( إليه فكرّ الناس) بتشديد الراء أي رجعوا.




[ قــ :3686 ... غــ : 3865 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا: صَبَأ عُمَرُ -وَأَنَا غُلاَمٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي- فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ: قَدْ صَبَأ عُمَرُ، فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ.
قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ.
فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال عمرو بن دينار) : قال سفيان ( سمعته) أي عمرو بن دينار ( قال: قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره) ولأبي ذر عن الكشميهني إليه عند داره ( وقالوا: صبأ عمر) بغير همز خرج عن دينه إلى دين آخر قال ابنه ( وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج) من إبريسم وقد تفتح داله ( فقال: قد صبا عمر) سقط لفظ قد من اليونينية ( فما ذاك) الاجتماع فلا يعرض له أحد ( فأنا) أي والحال أنا ( له جار) بالجيم وتخفيف الراء أي أجرته من أن يظلمه أحد ( قال) ابن عمر -رضي الله عنه- ( فرأيت الناس تصدعوا) بالصاد والدال المشدّدة المفتوحتين المهملتين أي تفرقوا ( عنه فقلت) لأبي ( من هذا الرجل؟) الذي تفرق الناس
بسببه ( قال) : بالإفراد وفي اليونينية قالوا: هو ( العاص بن وائل) .




[ قــ :3687 ... غــ : 3866 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَىْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لأَظُنُّهُ كَذَا إِلاَّ كَانَ كَمَا يَظُنُّ.
بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَىَّ الرَّجُلَ.
فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ.
قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَخْبَرْتَنِي.
قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَت: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلاَسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلاَصِ وَأَحْلاَسِهَا.
قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نائمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
فَوَثَبَ الْقَوْمُ.
قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا.
ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ".

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي (قال: حدّثني) بالتوحيد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمر) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (أن سالمًا حدّثه عن) أبيه (عبد الله بن عمر) أنه (قال: ما سمعت عمر لشيء قط) بفتح القاف وتشديد الطاء لأجل شيء أو عن شيء قط (يقول: أني أظنه كذا إلاّ كان كما يظن) لأنه كان من المحدثين بفتح الدال (بينما) بالميم (عمر) -رضي الله عنه- (جالس) وجواب بينما قوله (إذ مرّ به رجل جميل) قال البيهقي: يشبه أن يكون هو سواد بن قارب بفتح السين وتخفيف الواو وقارب بالقاف والراء المكسورة بعدها موحدة (فقال عمر: لقد أخطأ ظني) في كونه في الجاهلية بأن صار مسلمًا (أو) قال: (إن هذا) سواد بن قارب مستمر (على دينه في الجاهلية) على عبادة الأوثان (أو لقد) بالهمزة والواو الساكنة في اليونينية وغيرها وفي الفرع ولقد (كان كاهنهم) بكسر الهاء أي كاهن قومه (عليّ) بتشديد الياء أي أحضروا (الرجل) أو قربوه مني (فدعي) بضم الدال مبنيًّا للمفعول (له) أي لأجل عمر (فقال): ولأبي ذر قال: (له) عمر (ذلك) الذي قاله في غيبته من التردّد وقال أبو عمر كان يتكهن في الجاهلية فأسلم وداعبه عمر يومًا وقال: ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما كنا عليه نحن وأنت يا عمر من جاهليتنا وكفرنا من الكهانة فما لك تعيرني بشيء تبت منه وأرجو من الله العفو عنه (فقال) سواد (ما رأيت) شيئًا (كاليوم) أي مثل ما رأيت اليوم أي حيث (استقبل) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول (به) أي فيه (رجل) نائب عن الفاعل (مسلم) صفة له، وللأربعة استقبل بفتح الفوقية مبنيًّا للفاعل به أي بالكلام رجلاً مفعول لرأيت ومسلمًا صفته كذا أعرّبه الكرماني وتبعه البرماوي.

وقال: العيني: فيه شيء إن كان مراده رأيت المصرح به في الحديث، فإن قدر لفظ رأيت آخر يكون موجهًا تقديره ما رأيت يومًا مثل هذا اليوم رأيت استقبل به أي بالكلام المذكور رجلاً مسلمًا، فقوله: استقبل به جملة معترضة بين الفاعل والمفعول وحاصل المعنى ما رأيت كاليوم رأيت فيه رجلاً استقبل فيه أي في اليوم اهـ.
وعند البيهقي في رواية مرسلة: قد جاء الله بالإسلام فما لنا وذكر الجاهلية.

(قال) عمر -رضي الله عنه- له: (فإني أعزم عليك) أي ألزمك (إلا ما أخبرتني) أي ما أطلب منك إلا الإخبار (قال) سواد: (كنت كاهنهم) أي أخبرهم بالمغيبات في الجاهلية (قال) له عمر: (فما أعجب) بالضم وما استفهامية (ما جاءتك به جنيتك) من أخبار الغيب (قال: بينما) بالميم (أنا يومًا في السوق جاءتني) الجنية (أعرف فيها الفزع) بفتح الفاء والزاي والمهملة أي الخوف (فقالت) لي ولأبي ذر وقالت: (ألم تر الجن وإبلاسها) بكسر الهمزة وسكون الموحدة والنصب عطفًا على سابقه أي وخوفها (وبأسها) من اليأس ضد الرجاء (من بعد إنكاسها) بكسر الهمزة وسكون النون أي من بعد انقلابها على رأسها.
قال ابن فارس: معناه يئست من استراق السمع بعد أن كانت ألفته فانقلبت عن الاستراق وقد أيست من السمع (ولحوقها) بالنصب عطفًا على إبلاسها أو بالجر عطفًا على إنكاسها أي ولحوق الجن (بالقلاص) بالقاف المكسورة آخره صاد مهملة جمع قلوص الناقة الشابة (وأحلاسها) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة بعدها لام ألف فسين مهملة جمع حلس بكسر أوّله، وهو كساء يجعل تحت رحل الإبل على ظهورها تلازمه، ومنه قيل فلان حلس بيته أي ملازمه.
قال في الكواكب: والمراد بيان ظهور النبي العربي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومتابعة الجن للعرب ولحوقهم بهم في الدين إذ هو رسول الثقلين، وهذا الشعر من الرجز، لكن وقع الأخير غير موزون.
نعم روي ورحلها العيس بأحلاسها وهذا موزون والعيس بكسر العين الإبل، وعند البيهقي موصولاً من حديث البراء بن عازب في دلائل النبوة له بعد قوله وأحلاسها:
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى راسها
قال: ثم نبهني فأفزعني وقال: يا سواد إن الله عز وجل بعث نبيًّا فانهض إليه تسعد وترشد، فلما كان في الليلة الثانية أتاني فنبهني ثم قال:
عجبت للجن وتطلابها ... وشدّها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... وليس قدماها كأذنابها
فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى قابها
فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فنبهني فقال:
عجبت للجن وتنفارها ... وشدّها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشر كأخيارها
فانهض إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجن ككفارها
قال: فوقع في قلبي الإسلام وأتيت المدينة، فلما رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مرحبًا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قد قلت شعرًا فاسمعه مني فقلت:
أتاني رئيي بعد ليل وهجعة ... ولم أك فيما قد بليت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك نبيّ من لؤي بن غالب
فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت ... بي الذعلب الوجناء عند السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين شفاعة ... إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب
قال: فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه (قال عمر) -رضي الله عنه-: (صدق) سواد (بينما) بالميم (أنا عند آلهتهم) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بينما أنا نائم عند آلهتهم أي أصنامهم (إذ جاء رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه وعند أحمد من وجه آخر أنه ابن عبس شيخ أدرك الجاهلية (بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح) بفتح الجيم وبعد اللام المكسورة تحتية ساكنة فحاء مهملة أي يا وقح ومعناه المكافح والمكاشف بالعداوة، ويحتمل أن يكون نادى رجلاً بعينه أو من كان متصفًا بذلك (أمر نجيح) بنون مفتوحة فجيم مكسورة آخره حاء مهملة من النجاح وهو الظفر بالبغية (رجل فصيح) بالفاء من الفصاحة ولأبي ذر عن الكشميهني يصيح بتحتية مفتوحة بدل الفاء من الصياح (يقول: لا إله إلا أنت) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا إله إلا الله (فوثب القوم) بالثاء المثلثة أي قاموا قال عمر: فلما رأيت ذلك (قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح) ولأبي ذر عن الكشميهني يصيح (يقول: لا إله إلا الله لإقمت فما نشبنا) بفتح النون وكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة أي ما مكثنا وتعلقنا بشيء (أن قيل هذا نبي) قد ظهر.

وعند أبي نعيم في دلائله أن أبا جهل جعل لمن يقتل محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة ناقة.
قال عمر -رضي الله عنه-: فقلت له يا أبا الحكم الضمان صحيح؟ قال: نعم.
قال: فتقلدت سيفي أريده فمررت على عجل وعم يريدون أن يذبحوه فقمت أنظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل يا آل
ذريح أمر بجيح رجل يصيح بلسان فصيح.
قال عمر -رضي الله عنه-: فقلت في نفسي إن هذا الأمر ما يراد به إلا أنا.
قال: فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها.

وفي حديث أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال: قال لنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: تحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟ قلنا: نعم.
قال: كنت من أشد الناس على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبينا أنا في: يوم حار بالهاجرة لقيني رجل من قريش اسمه نعيم بن عبد الله النحام وكان مخفيًّا إسلامه -رضي الله عنه- فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك أختك قد صبت فرجعت مغضبًا فدخلت عليها فقلت: يا عدوة نفسها بلغني أنك قد صبأت وأرفع شيئًا في يدي فأضربها به فسال الدم فبكت ثم قالت: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت فقلت لها أعطينه فقالت: لا أعطيكه لست من أهله إنك لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر، وهذا لا يمسه إلا المطهرون فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم} فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت بالكتاب من يدي ثم رجعت إلى نفسي فأخذته فإذا فيه: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحديد: 1] فكلما مررت بالاسم من أسماء الله تعالى ذعرت ثم رجعت إلى نفسي حتى بلغت: (آمنوا بالله ورسوله} [الحديد: 7] إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} [الحديد: 8] فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارًا بما سمعوه مني، فلما دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بمجامع قميصي فجذبني إليه ثم قال: أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده.
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فكبّر المسلمون تكبيرة سمعت بطرفي مكة ثم قال: ثم خرجت فقرعت باب خالي فقلت له: أشعرت أني صبوت فأجاف الباب دوني وتركني، فلما اجتمع الناس جئت إلى رجل لا يكتم السر فذكرت له فيما بيني وبينه أني قد صبوت ليشيع ذلك ليصيبني ما أصاب المسلمين من أذى قريش قال: فرفع الرجل صوته بأعلاه ألا أن ابن الخطاب قد صبأ.
قال: فما زال الناس يضربوني وأضربهم قال فقال خالي: ما هذا؟ فقيل له ابن الخطاب فقام على الحجر فأشار بكمه فقال: ألا أني قد أجرت ابن أختي.
قال: فانكشف الناس عني قال: وكنت لا أشأ أن أرى أحدًا من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب المسلمين.
قال: فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت له جوارك رد عليك فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام.
وهذا الخبر رواه ابن إسحاق وأن الذي كان في الصحيفة سورة طه.




[ قــ :3688 ... غــ : 3867 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: "سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن المثنى) العنزي قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: ( حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم قال: ( سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل -رضي الله عنه- ( يقول للقوم) : في مسجد الكوفة ( لو رأيتني) بضم التاء وسقط لو لأبي ذر أي لو رأيت نفسي ( موثقي عمر على الإسلام) بضم الميم وسكون الواو وكسر المثلثة إهانة لي وتضييقًا عليّ لكوني أسلمت ( أنا وأخته) زوجتي فاطمة بنت الخطاب ( وما) كان عمر ( أسلم ولو أن أُحدًا) الجبل المعروف بالمدينة ( انقض) بالنون والقاف والضاد المعجمة المشددة انكسر وانهدم ولأبي ذر عن الكشميهني انفض بالفاء أي تفرق ( لما صنعتم بعثمان) بن عفان -رضي الله عنه- يوم الدار ( لكان محقوقًا) بفتح الميم وسكون المهملة وقافين بينهما واو ساكنة أي واجبًا ( أن ينقض) أي أن ينهدم، وللكشميهني: أن ينفض بالفاء أي أن يتفرق والمعنى لو تحركت القبائل لطلب ثأر عثمان لفعلوا واجبًا.

وهذا الحديث سبق في الباب الذي قبل هذا والله الموفق.