فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من لم يبال من حيث كسب المال

باب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ
( باب من لم يبال من حيث كسب المال) .


[ قــ :1975 ... غــ : 2059 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ».
[الحديث 3059 - طرفه في: 2083] .

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: ( حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: ( حدّثنا سعيد بن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) الضمير في منه عائد إلى ما وفيه ذم ترك التحري في المكاسب.
وقال السفاقسي: أخبر بهذا عليه الصلاة والسلام تحذيرًا من فتنة المال وهو من بعض دلائل نبوّته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلاّ فأخذ المال من الحلال ليس مذمومًا من حيث هو والله أعلم.


باب التِّجَارَةِ فِي الْبَرِّ وغيرهِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] .

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.

( باب التجارة في البر) بفتح الموحدة والراء المهملة المشددة، ولأبوي ذر والوقت: في البز بالزاي بدل الراء، وقال الحافظ ابن حجر: عليه الأكثر وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه بل بطريق عموم المكاسب، وصوّب ابن عساكر الأولى وهو أليق بمواخاة الترجمة للاحقة وهي التجارة في البحر وكذا ضبطها الحافظ الدمياطي، وأما قول البرماوي تبعًا لبعضهم إنه تصحيف فقال في الفتح: إنه خطأ إذ ليس في الآية ولا الحديث ولا الأثر اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين، ولابن عساكر: البرّ بضم الموحدة وبالراء، ونسبها ابن حجر لضبط ابن بطال وغيره فيما قرأه بخط القطب الحلبي وليس في الباب ما يقتضي تعيينه من بين أنواع التجارات، وزاد في رواية أبي الوقت وغيره بالجر عطفًا على السابق.
قال الحافظ ابن حجر: ولم يقع في رواية الأكثر وثبتت عند الإسماعيلي وكريمة.

( وقوله تعالى) بالخفض عطفًا على السابق أو بالرفع على الاستئناف ( { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} ) [النور: 37] قال ابن عباس: يقول عن الصلاة المكتوبة.
وقال السدي: عن
الصلاة في جماعة، وعن مقاتل بن حيان لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها، والتجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح وعطف البيع على التجارة مع كونها أعم لأن البيع كما في الكشاف أدخل في الإلهاء من قيل أن التاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكلية من صناعته ألهته ما لا يلهيه شراء شيء يتوقع فيه الربح في الوقت أو لأن هذا يقين وذاك مظنون، أو أن الشراء يسمى تجارة إطلاقًا لاسم الجنس على النوع أو التجارة لأهل الجلب يقال: تجر فلان في كذا إذا جلبه، واختلف في المعنى فقيل لا تجارة لهم فلا يشتغلون عن الذكر، وقيل لهم تجارة ولكنها لا تشغلهم، وعلى هذا تنزل البخاري فإنما أراد إباحة التجارة وإثباتها لا نفيها، وأراد بقوله في البز وغيره أنه لا يتقيد في تخصيص نوع من البضائع دون غيره، وإنما التقييد في أن لا يشتغل بالتجارة عن الذكر ولم يسق في الباب حديثًا
يقتضي التجارة في البز بعينها من بين سائر أنواع التجارات.
قال ابن بطال: غير أن قوله تعالى: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37] يدخل فيه جميع أنواع التجارة من البز وغيره.
قال في المصابيح: لا نسلم شمول الآية لكل تجارة بطريق العموم الاستغراقي فإن التجارة والبيع فيها من المطلق لا من العام.

فإن قلت: كيف يتجه هذا وكل من التجارة والبيع في الآية وقع نكرة في سياق النفي؟ وأجاب: بأن ترجمة البخاري مقتضية لإثبات التجارة لا نفيها وأن المعنى لهم تجارة وبيع لا يلهيانهم عن ذكر الله فإذن كل منهما نكرة في سياق الإثبات فلا تعم.

( وقال قتادة كان القوم) أي الصحابة ( يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم) أي عرض لهم ( حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع) أي لم تشغلهم الدنيا وزخرفها وملاذها وربحها ( عن ذكر الله حتى يؤدّوه إلى الله) عز وجل الذي هو خالقهم ورازقهم فيقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم وقال ابن بطال ورأيت في تفسير الآية قال كانوا حدادين وخزازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفي لم يرفعه من الغرزة ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة وهذا التعليق قال في الفتح لم أره موصولاً عن قتادة نعم روى ابن أبي حاتم وابن جرير فيما ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت الآية وعزاه في فتح الباري لتخريج عبد الرزاق.

060، 061 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: "كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.


[ قــ :1975 ... غــ : 061 ]
- وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: "سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ

الصَّرْفِ فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ».
[الحديث 060 - أطرافه في: 180، 497، 3939] .
[الحديث 061 - أطرافه في: 181، 498، 3940] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد البصري ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن دينار) بفتح العين المكي ( عن أبي المنهال) بكسر الميم وسكون النون آخره لام اسمه عبد الرحمن بن مطعم الكوفي ( قال: كنت أتجر في الصرف) وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة أو أحدهما بالآخر ( فسألت زيد بن أرقم) الأنصاري الكوفي ( -رضي الله عنه- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال البخاري ( ح) .

( وحدّثني) بالتوحيد ( الفضل بن يعقوب) الرخامي بضم الراء بعدها خاء معجمة أبو العباس البغدادي الحافظ قال: ( حدّثنا الحجاج بن محمد) الأعور الترمذي الأصل سكن المصيصة ( قال ابن جريج) عبد الملك: ( أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن دينار وعامر بن مصعب) بضم الميم وفتح العين ( أنهما سمعا أبا المنهال) عبد الرحمن بن مطعم ( يقول: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف) سقط لفظ ابن عازب ( فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصرف فقال) :
( إن كان يدًا بيد) أي متقابضين في المجلس ( فلا بأس) به ( إن كان نساء) بفتح النون والسين المهملة ممدودًا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: نسيئًا بكسر السين ثم مثناة تحتية ساكنة مهموزًا أي متأخرًا ( فلا يصلح) واشتراط القبض في الصرف متفق عليه وإنما الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد.

ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وموضع الترجمة قوله: وكانا تاجرين على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأخرج المؤلّف الطريق الثانية بنزول رجل لأجل زيادة عامر بن مصعب مع عمرو بن دينار في رواية ابن جريج عنهما عن أبي المنهال المذكور، وليس لعامر بن مصعب في البخاري سوى هذا الموضع الواحد، وروى المؤلّف هذا الحديث في البيوع وهجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسلم في البيوع وكذا النسائي.