فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران: 170]

باب فَضْلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَنْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 179 - 181] .

( باب فضل قول الله تعالى) : أي فضل من ورد فيه قول الله تعالى، ولأبي ذر: عز وجل ( {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء) أي بل هم أحياء ( {عند ربهم}) ذوو زلفى منه ( {يرزقون}) من الجنة ( {فرحين}) حال من الضمير في يرزقون ( {بما آتاهم الله من فضله}) وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة ( {ويستبشرون}) عطف على فرحين أي يسرون بالبشارة ( {بالذين لم يلحقوا بهم}) أي بإخوانهم المؤمنين الذين فارقوهم أحياء فيلحقوا بهم ( {من خلفهم ألاّ خوف عليهم}) فيمن خلفوهم من ذريتهم ( {ولا هم يحزنون}) على ما خلفوا من أموالهم ( {يستبشرون}) قال القاضي كرره للتوكيد، أو ليعلق به ما هو بيان لقوله ( أن لا خوف عليهم) ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم ( {بنعمة من الله}) ثواب لأعمالهم ( {وفضل}) زيادة عليه كقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] وتنكيرهما للتعظيم ( {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}) [آل عمران: 169 - 170 - 171] من جملة المستبشر به عطف على فضل.

وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد مرفوعًا: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرةً وعشيًّا.
وقال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة بالشهداء قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروه بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير، فأخبر الله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمرهم وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا فذلك قوله تعالى: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} [آل عمران: 170] الآية.

وسياق الآيتين الكريمتين ثابت في رواية الأصيلي وكريمة، وقال في رواية أبي ذر: يرزقون -إلى- وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين.


[ قــ :2686 ... غــ : 2814 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ
مَعُونَةَ.
ثَلاَثِينَ غَدَاةً، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ أَنَسٌ: أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس الأصبحي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه ( قال) : ( دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة) بفتح الميم وضم العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون موضع من جهة نجد ( ثلاثين غداة على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة بدل من الذين قتلوا بإعادة العامل ( وذكوان) بالذال المعجمة ( وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملة وتشديد التحتية ( عصت الله ورسوله) ( قال أنس: أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ) ، لفظه ( بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) .
زاد عمر بن يونس عن عكرمة عن إسحاق بن أبي طلحة عند ابن جرير {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} [آل عمران: 169] وبهذه الزيادة تحصل المطابقة بين الحديث والآية.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي بأتم من هذا وأخرجه مسلم في الصلاة.




[ قــ :687 ... غــ : 815 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ.
فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ".
[الحديث 815 - طرفاه في: 4044، 4618] .

وبه قال: ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) بفتح العين ابن دينار المكي أنه ( سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- يقول: اصطبح ناس) منهم والد جابر ( الخمر) أي شربوها بالغداة ( يوم أُحُد) وكانت إذ ذاك مباحة ( ثم قتلوا شهداء) ، والخمر في بطونهم فلم يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها ولا كونها في بطونهم من حكم الشهادة وفضلها، لأن التحريم إنما يلزم بالنهي وما كان قبل النهي فغير مخاطب به، ( فقيل لسفيان) بن عيينة: ( من آخر ذلك اليوم) أي في هذا الحديث هذا اللفظ موجود ( قال) سفيان: ( ليس هذا فيه) .

وأما مطابقة الحديث للترجمة فقال ابن المنير: عسر جدًّا إلا أن يكون مراده التنبيه على أن الخمر التي شربوها لم تضرهم لأن الله أثنى عليهم بعد موتهم ورفع عنهم الخوف والحزن، وما ذاك أن الخمر كانت يومئذٍ مباحة، ولا يتعلق التكليف بفعل المكلف باعتبار ما في علم الله تعالى حتى يبلغه رسوله اهـ.

قال في المصابيح بعد ذكره لهذا: لم تحصل النفس على شفاء من مطابقة الحديث للترجمة لأن هؤلاء الذين اصطبحوا ثم ماتوا وهي في بطونهم لم يفعلوا ما يتوقع عليه عتاب ولا عقاب ضرورة
أنها كانت مباحة حينئذٍ فهي كغيرها من مباحات صدرت منهم ذلك اليوم فما الحكمة في تخصيص هذا المباح دون غيره اهـ.

وأجاب في فتح الباري: بإمكان أن يكون أورد الحديث للإشارة إلى أحد الأقوال في سبب نزول الآية المترجم بها، فقد روى الترمذي من حديث جابر أيضًا: إن الله تعالى لما كلم والد جابر وتمنى أنه يرجع إلى الدنيا ثم قال: يا رب بلغ من ورائي فأنزل الله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} الآية [آل عمران: 169] .

وحديث الباب قد أخرجه المؤلّف أيضًا فى المغازي والتفسير.