فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6] "

باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 5 - 6] جَمْعُهُ سُعُرٌ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ.

( باب) قول الله تعالى: ( {يا أيها الناس إن وعد الله) بالبعث والجزاء ( {حق}) كائن ( {فلا تغرنكم الحياة الدنيا}) فلا تخدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع والتلذذ بزهرتها ومنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله ( {ولا يغرنكم بالله الغرور}) وهو الشيطان لأن ذلك ديدنه فإنه يمنيكم الأماني الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تعذيبك ( {إن الشيطان لكم عدو}) ظاهر العداوة وفعل بأبيكم آدم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله ( {فاتخذوه عدوًّا}) في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدن منكم إلا ما يدل على معاداته ومغاضبته في سركم وجهركم فهذا هو العدوّ المبين فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان وأن يرزقنا اتباع كتابه والاقتفاء برسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنه على ما يشاء قدير ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله ( {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}) [فاطر: 5 - 6] والسعير ( جمعه سعر) بضمتين وسقط لأبي ذر فلا تغرنكم إلى آخر قوله السعير وقال: بعد قوله {حق} الآية إلى قوله {السعير}.

( قال مجاهد) : مما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( الغرور) بفتح الغين ( الشيطان) قال الراغب: غررت فلانًا أصبت غرته ونلت منه ما أريده فالغرة غفلة في يقظة والغرار غفلة مع غفوة وأصل ذلك من الغرّ وهو الأثر الظاهر من الشيء ومنه غرة الفرس وغرار السيف حده وغرّ الثوب أثر كسره وقيل اطوه على غرّه وغرّه كذا غرورًا قال تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 6] فالغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان.
وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وقرئ بضم الغين وهو مصدر وعن بعضهم الغرور بالضم الأباطيل وثبت قوله.
قال مجاهد: الخ للكشميهني وسقط لغيره.


[ قــ :6095 ... غــ : 6433 ]
- حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِىِّ أَخْبَرَنِى مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِطَهُورٍ وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ وَهْوَ فِى هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ:.

     وَقَالَ  النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَغْتَرُّوا».

وبه قال: ( حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي مولاهم الكوفي المعروف بالضخم قال: ( حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة ابن عبد الرَّحمن أبو معاوية النحوي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث ( القرشي) قال: ( أخبرني) بالإفراد ( معاذ بن عبد الرَّحمن) بن عثمان التيمي ( أن ابن أبان) ولأبي ذر: أن حمران بن أبان بضم الحاء المهملة وسكون الميم مولى عثمان بن عفان اشتراه في زمن أبي بكر الصديق ( أخبره) أي أخبر معاذ بن عبد الرَّحمن ( قال: أتيت عثمان) ولأبي ذر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ( بطهور) بفتح الطاء بماء يتطهر به ( وهو جالس على المقاعد) موضع بالمدينة ( فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ) بلفظ الماضي ولأبي ذر يتوضأ ( وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثم قال) :
( من توضأ) وضوءًا ( مثل هذا الوضوء) وسبق في الطهارة بلفظ من توضأ نحو وضوئي هذا ونحو إن قدرت بمعنى قريب فتكون ظرفًا على التوسع في المكان أي قارب فعلي فعله بمعنى أن من قاربته فقد قاربك، وإن قدرت بمعنى مثل كان فيه تجوّز أيضًا لأنه لا يقدر أحد على مثل وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كل وجه لا في نيته ولا في إخلاصه ولا في عمله بكمال طهارته واستيعاب غسل أعضائه والنحو لغة القصد، والمثل تقول: هذا نحو زيد أي مثل زيد ومتى قدرتها بمعنى مثل كان نعتًا لمصدر محذوف أي توضأ وضوءًا مثل وضوئي، واختار سيبويه أن تكون حالاً لأن حذف الموصوف دون الصفة لا يجوز إلا في مواضع معدودة وتقدير الحال هنا من محذوف أي توضأ الوضوء مثل وضوئي فإن قدرت نحو بمعنى قريبًا كانت ظرفًا ويكون قربًا مجازيًا وفي ورود الرواية هنا بلفظ مثل رد على نافيها ( ثم أتى المسجد فركع ركعتين) .
ولمسلم من طريق نافع بن جبير عن حمران ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وفي رواية هشام بن
عروة عن أبيه عن حمران عنده أيضًا فيصلّي صلاة وفي أخرى له عنه فيصلّي الصلاة المكتوبة ( ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي مسلم رواية هشام إلا غفر له ما بينها وبين الصلاة التي تليها أي التي سبقتها.
وأصرح منه رواية أي صخر عن حمران عند مسلم أيضًا فيصلّي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينهن ( قال) عثمان: ( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تغتروا) لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالاً على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه أو أن المكفر بالصلاة الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبائر بناء على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر.

والمطابقة في قوله لا تغتروا وأخرج الحديث مسلم في الطهارة والنسائي في الصلاة.