فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر

باب مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ
وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ -وَهْيَ مُحْرِمَةٌ- .

     وَقَالَتْ : لاَ تَلَثَّمْ وَلاَ تَتَبَرْقَعْ وَلاَ تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلاَ زَعْفَرَانٍ.
.

     وَقَالَ  جَابِرٌ: لاَ أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا.
وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ.

( باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر) بضم الهمزة والزاي، وفي اليونينية: بسكونها لا غير جمع إزار كخمر وخمار وهو للنصف الأسفل، والأردية جمع رداء وهو للنصف الأعلى وعطفهما على الثياب من عطف الخاص على العام، وهذا الترجمة مغايرة للسابقة على ما لا يخفى.

( ولبست عائشة) -رضي الله عنها- ( الثياب المعصفرة) المصبوغة بالعصفر ( وهي محمرة) وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد بإسناد صحيح، والجمهور على جوازه للمحرم خلافًا لأبي حنيفة وقال: إنه طيب وأوجب فيه الفدية.
( وقالت:) عائشة مما وصله البيهقي: ( لا تلثم)
بالجزم على النهي وبمثناة واحدة مع تشديد المثلثة وأصله تتلثم فحذفت إحدى التائين كـ { نارًا تلظى} [الليل: 14] تخفيفًا واللثام: ما يغطي الشفة ( ولا تتبرقع) بالجزم كذلك لكن بمثناتين على الأصل كذا في الفرع وفي غيره ولا تبرقع بحذف إحدى التاءين والرفع في الكلمتين والجزم ( ولا تلبس ثوبًا) مصبوغًا ( بورس) بسكون الراء، ولأبي ذر في رواية بورس بكسرها ( ولا زعفران) .
والجملة من قوله وقالت إلى هنا ساقطة في رواية ( ق) وفي الفتح: سقوطها أيضًا عن الحموي.


( وقال جابر:) هو ابن عبد الله الصحابي -رضي الله عنه- مما وصله الشافعي ومسدد: ( لا أرى المعصفر طيبًا) .
أي مطيبًا لأنه خبر في الأصل عن معصفر ولا يخبر بالمعنى عن اسم عين وقد مرّ في المعصفر قريبًا ( ولم تر عائشة) -رضي الله عنها- ( بأسًا بالحلي) بضم الحاء المهملة وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام ( والثوب الأسود والمورد) المصبوغ على لون الورد، وسيأتي موصولاً إن شاء الله تعالى في باب طواف النساء في آخر حديث عطاء عن عائشة ( والخف للمرأة) وصله ابن أبي شيبة.

( وقال إبراهيم) : النخعي مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة: ( لا بأس أن يبدل ثيابه) بضم حرف المضارعة وسكون الموحدة وتخفيف الدال المهملة مضارع أبدل، ولأبي الوقت: أن يبدّل ثيابه بفتح الموحدة وتشديد المهملة ومقالة إبراهيم هذه ساقطة في رواية ق.


[ قــ :1481 ... غــ : 1545 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَمَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَىْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلاَّ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا.
ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ".
[الحديث 1545 - طرفاه في: 1625، 1731] .

وبالسند السابق أول الكتاب إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة قال: ( حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا وضم سين سليمان ( قال: حدثني) بالإفراد ( موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا ( كريب) مولى ابن عباس ( عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال) :
( انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة) بين الظهر والعصر يوم السبت كما صرح به الواقدي، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى تحقيقه ( بعدما ترجل) بالجيم المشددة أي سرح شعره ( وادّهن) استعمل الدهن وأصله ادتهن فأبدلت التاء دالاً وأدغمت في الأخرى ( ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه) أحدًا ( عن شيء من الأردية) جمع رداء ( والأزر) بضم الزاي وإسكانها جمع إزار، ( تلبس) بضم المثناة الفوقية وفتح الموحدة ( إلا المزعفرة) بالنصب على الاستثناء والجر على حذف الجار أي إلا عن المزعفرة

( التي تردع) بفتح المثناة الفوقية والدال آخره عين مهملتين، وفي رواية: تردع بضم أوله وكسر ثالثه أي التي كثر فيها الزعفران حتى ينفضه على من يلبسها.
وقال عياض: الفتح أوجه ومعنى الضم أنها تبقي أثره ( على الجلد) .

قال في التنقيح، قال أبو الفرج: يعني ابن الجوزي كذا وقع في البخاري وصوابه تردع الجلد بحذف، "على" أي تصبغه.
وأجاب في المصابيح، بأن الجوهري قال في الصحاح، يقال: ردعته الشيء فارتدع أي لطخته فتلطخ، قال: فإذا كان كذلك فيجوز أن يكون المراد في الحديث التي تردع لابسها بأثرها وعلى الجلد ظرف مستقر في محل نصب على الحال وهو وجه جيد لا يلزم من ارتكابه تخطئة الرواية.
قال: ويحتمل أن يكون تردع قد تضمن معنى تنفض أي تنفض أثرها على الجلد انتهى.

( فأصبح) عليه الصلاة والسلام ( بذي الحليفة) أي وصل إليها نهارًا ثم بات بها.
وفي مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى الظهر بها ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها بنعلين، ثم ( ركب راحلته حتى استوى على البيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية، وعند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام صلّى الظهر ثم ركب وصعد جبل البيداء ثم ( أهلّ هو وأصحابه) ، وهل كان عليه الصلاة والسلام مفردًا الحج أو قارنًا أو متمتعًا، خلاف يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
( وقلد بدنته) بنعلين للإشعار بأنه هدي.
قال الأزهري: تكون البدنة من الإبل والبقر والغنم، وقال النووي هي البعير ذكرًا كان أو أنثى وهي التي استكملت خمس سنين، وللكشميهني: بدنه بضم الموحدة وسكون الدال المهملة بلفظ الجمع ( وذلك) المذكور من الركوب والاستواء على البيداء والإهلال والتقليد ( لخمس بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها والإشارة لخروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وهو الصواب لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعًا لما ثبت، وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الحجة الخميس، ولا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس وإن جزم به ابن حزم بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في الصحيحين عن أنس أنهم صلوا معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين، فدلّ على أن خروجهم لم يكن الجمعة، ويحمل قوله: لخمس بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس.
ويؤيده قول جابر لخمس بقين من ذى الحجة أو أربع وإنما لم يقل الراوي إن بقين بحرف الشرط لأن الغالب تمام الشهر، وبه احتج من قال: لا حاجة للإتيان به، والآخر راعى احتمال النقص فقال يحتاج إليه للاحتياط.

( فقدم) عليه الصلاة والسلام ( مكة) من أعلاها ( لأربع ليال خلون من ذي الحجة) صبيحة يوم الأحد ( فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل) ، بفتح أوله وكسر ثانيه أي لم يصر حلالاً ( من أجل بدنه) بسكون الدال ( لأنه) عليه الصلاة والسلام ( قلدها) .
فصارت هديًا ولا يجوز لصاحب

الهدي أن يتحلل حتى يبلغ الهدي محله ( ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون) بفتح الحاء المهملة وضم الجيم المخففة الجبل المشرق على المحصب حذاء مسجد العقبة، وفي المشارق وغيرها مقبرة أهل مكة على ميل ونصف من البيت ( وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام ( مهل بالحج) بضم الميم وكسر الهاء ( ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها) لعله لشغل منعه من ذلك ( حتى رجع من عرفة وأمر أصحابه) الدين لم يسوقوا الهدي ( أن يطوفوا) بتشديد الطاء مفتوحة كذا في الفرع وأصله، وفي غيره: يطوفوا بضمها مخففة ( بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رؤوسهم) لأجل أن يحلقوا بمنى ( ثم يحلوا) بفتح أوله وكسر ثانيه لأنهم متمتعون ولا هدي معهم كما قال ( وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت) وفي نسخة: ومن كان ( معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب) كسائر محرمات الإحرام حلال له، فالطيب مبتدأ حذف خبره والجملة عطف على الجملة.

وموضع الترجمة قوله: فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس والحديث من أفراد المؤلّف، ورواه أيضًا مختصرًا.