فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء

باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا وقع الذباب) بالذال المعجمة ( في شراب أحدكم فليغمسه) أي فيه
( فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء) كذا لأبي ذر عن الحموي وسقط لغيره وهو أولى إذ لا تعلق للأحاديث اللاحقة بذلك كما ستراه قريبًا إن شاء الله تعالى.


[ قــ :3167 ... غــ : 3320 ]
- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً».
[الحديث 3320 - طرفه في: 5782] .

وبه قال: ( حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة البجلي الكوفي قال: ( حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي ( قال: حدثني) بالإفراد ( عتبة بن مسلم) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى بني تميم ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين مصغرتين مولى زيد بن الخطاب القرشي العدوي ( قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) هو شامل لكل مائع وعند ابن ماجه من حديث أبي سعيد فإذا وقع الطعام، وعند أبي داود من حديث أبي هريرة: فإذا وقع في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه كل شيء من مأكول ومشروب ( فليغمسه) زاد في الطب كله وفيه رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه والأمر للإرشاد لمقابلة الداء بالدواء ( ثم لينزعه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ثم لينتزعه بزيادة فوقية قبل الزاي.
وفي الطب ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات أنه يغمس ثلاثًا مع قول بسم الله ( فإن في إحدى جناحيه) بكسر الهمزة وسكون الحاء وهو الأيسر كما قيل ( داء والأخرى) بضم الهمزة وهو الأيمن ( شفاء) والجناح يذكر ويؤنث فإنهم قالوا: في جمعه أجنحة وأجنح فأجنحة جمع المذكر كقذال وأقذلة، وأجنح جمع المؤنث كشمال وأشمل.
والحديث هنا جاء على التأنيث وحذف حرف الجر في قوله والأخرى، وفيه شاهد لمن يجيز العطف على معمولي عاملين كالأخفش، وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الطب بمنّه وكرمه.

واستنبط من الحديث أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه ووجهه كما نقل عن الشافعي أنه قد يفضي الغمس إلى الموت سيما إذا كان المغموس فيه حارًّا فلو نجسه لما أمر به لكن هذا الإطلاق قيده في المهمات بما إذا لم يتغير الماء به فإن تغير فوجهان.
والصحيح أنه ينجس، وحكى في الوسيط عن التقريب قولاً فارقًا بين ما تعم به البلوى كالذباب والبعوض فلا ينجس وبين ما لا تعم كالعقارب والخنافس فينجس.
وحكاه الرافعي في الصغير.
قال الأسنوي: وهو متعين لا محيد عنه لأن محل النص فيه معنيان مناسبان عدم الدم المتعفن وعموم البلوى فكيف يقاس عليه ما وجد فيه أحدهما بل المتجه اختصاصه بالذباب لأن غمسه لتقديم الداء وهو مفقود في غيره.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطب وابن ماجه فيه أيضًا.




[ قــ :3168 ... غــ : 331 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ -فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».
[الحديث 331 - طرفه في: 3467] .

وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة أبو عليّ الواسطي قال: ( حدّثنا إسحاق) بن يوسف الواسطي ( الأزرق) قال: ( حدّثنا عوف) الأعرابي ( عن الحسن) البصري ( وابن سيرين) محمد كلاهما ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) : ( غفر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول أي غفر الله ( لامرأة) لم تسم ( مومسة) بميم مضمومة فواو ساكنة فميم مكسورة فسين مهملة زانية ( مرت بكلب على رأس ركيّ) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو ( يلهث) بالمثلثة يخرج لسانه عطشًا ( قال: كاد يقتله العطش فنزعت خفّها) من رجلها ( فأوثقته بخمارها) بكسر الخاء المعجمة بنصيفها ( فنزعت له من الماء) استقت للكلب بخفها من الركية ( فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها الكلب.

وفيه أن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير تفضلاً منه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطهارة والشرب والنسائي.




[ قــ :3169 ... غــ : 33 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حفظته) أي الحديث ( من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( كما أنك هاهنا) ، قال الكرماني: يعني كما لا يشك في كونك في هذا المكان كذلك لا شك في حفظي من قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عبد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ( عن ابن عباس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لا تدخل الملائكة) غير الحفظة ( بيتًا فيه كلب) يحرم اقتناؤه ( ولا صورة) لحيوان أو الحكم عام في كل كلب وكل صورة.

وقد سبق هذا الحديث في باب: إذا قال أحدكم آمين.




[ قــ :3170 ... غــ : 333 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الكلاب) .
وفي مسلم من حديث عبد الله بن مغفل قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الكلاب ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب" ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم فحمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب العقور، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه منها فقال القاضي حسين وإمام الحرمين والماوردي في باب بيع الكلاب، والنووي في أول البيع من شرحي المهذّب ومسلم، لا يجوز قتلها.
وقال في باب: محرمات الإحرام إنه الأصح وإن الأمر بقتلها منسوخ، وعلى الكراهة اقتصر الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة وزاد كراهة تنزيه، ولكن قال الشافعي في الأم في باب الخلاف في ثمن الكلب واقتل الكلاب التي لا نفع فيها حيث وجدتها وهذا هو الراجح في المهمات ولا يجوز اقتناء الكلب الذي لا منفعة فيه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي في الصيد وكذا ابن ماجه.




[ قــ :3171 ... غــ : 334 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري ( عن يحيى) هو ابن أبي كثير قال: ( حدثني) بالإفراد ( أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حدّثه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من أمسك كلبًا ينقص من) أجر ( عمله كل يوم قيراط) ولمسلم: قيراطان والحكم للزائد لأنه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو يحمل على نوع من الكلاب بعضها أشد أذى من بعض أو لمعنى فيهما أو أنه يختلف باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن ونحوها، والقيراط في البوادي أو يكون في زمنين فذكر القيراط أوّلاً ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين، والمراد بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله ( إلا كل حرث أو ماشية) غنم فيجوز وإلاّ هنا معنى غير صفة لكلب لا استثناء لتعذره، ويجوز أن تنزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء لا صفة كأنه قيل من أمسك الكلب قاله الطيبي.
وأو للتنويع وقيس عليه إمساكها لحراسة الدور والدواب.

وهذا الحديث سبق في باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب المزارعة.




[ قــ :317 ... غــ : 335 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنّيَّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.
فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِيْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا سليمان) هو ابن بلال ( قال: أخبرني) بالإفراد ( يزيد بن خصيفة) هو يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة والفاء مصغرًا الكندي المدني ونسبه لجده ( قال: أخبرني) بالإفراد ( السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير أنه ( سمع سفيان بن أبي زهير الشني) بفتح الشين المعجمة وكسر النون المشددة والتحتية المشددة، ولأبي ذر بالتنوين بفتح النون المخففة وزيادة واو مكسورة بعدها وفي نسخة الشنئي بفتح الشين والنون وبهمزة مكسورة نسبة إلى شنوءة ( أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا) أي لا ينفعه من جهة الزرع والضرع وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقرة ونحوهما ( نقص من عمله كل يوم قيراط فقال السائب) لسفيان بن أبي زهير: ( أنت سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) سفيان: ( إي ورب هذه القبلة) .
بكسر الهمزة حرف جواب بمعنى نعم، فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولوعد الطالب وتوصل باليمين ما وقع هنا، ولم يظهر له تعلق بعض هذه الأحاديث بترجمة الباب، وما ذكره الكرماني من قوله: إن هذا آخر كتاب بدء الخلق وإنه ذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق ببعض المخلوقات فلا يخفى بعده.
والله الموفق.

هذا آخر كتاب بدء الخلق وتم في يوم الأربعاء المبارك العشرين من شهر شوّال سنة عشر وتسعمائة، وأستودع الله تعالى نفسي وديني وابنتي وأحبابنا والمسلمين وأن يطيل أعمارنا في طاعته، ويلبسنا أثواب عافيته بمنه ورحمته، ويفرّج كربنا ويحسن عاقبتنا والمسلمين ويرفع هذا الطعن والطاعون والوباء عنا أجمعين، ويمن بإكمال هذا الكتاب على يدي ويجعله لوجهه الكريم وينفعني به والمسلمين والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.