فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك

باب بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
( باب) حكم ( بيع الطعام قبل أن يقبض) أي قبل قبضه فأن مصدرية ( و) حكم ( بيع ما ليس عندك) .


[ قــ :2051 ... غــ : 2135 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَىْءٍ إِلاَّ مِثْلَهُ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: الذي) ولابن عساكر قال: أما الذي ( حفظناه من عمرو بن دينار) أنه ( سمع طاوسًا) اليماني ويشير إلى أن في غير رواية عمرو بن دينار عن طاوس زيادة على ما حدّثهم به عمرو عنه كسؤال طاوس من ابن عباس عن سبب النهي وجوابه وغير ذلك.
وقال البرماوي كالكرماني: لما كان سفيان منسوبًا إلى التدليس أراد رفعه بالتصريح بالسماع والحفظ من طاوس حال كونه ( يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) حال كونه ( يقول: أما الذي نهى عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو الطعام أن يباع) من بائعه أو غيره ( حتى يقبض) موضع أن يباع رفع بدلاً من الطعام وإنما أبدلت النكرة من المعرفة بلا نعت لأن المضارع مع أن متوغل في التعريف قاله البرماوي كالكرماني ( قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله) أي مثل الطعام، وفي رواية مسلم من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وهذا من تفقه ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحكيم بن حزام: "لا تبيعن شيئًا حتى تقبضه" رواه البيهقي وقال إسناده حسن متصل وهو مذهب الشافعية سواء كان طعامًا أو عقارًا أو منقولاً.
وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا في العقار، وقال مالك: لا يصح في الطعام، وقال أحمد: لا يصح في المكيل والموزون.

قال المازري: وتمسك الشافعي بنهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربح ما لم يضمن فعم، وتمسك أبو حنيفة بقوله حتى يستوفيه فاستثنى ما لا ينقل لتعذّر الاستيفاء فيه، وتمسك من منع في كل المكيلات والموزونات بقوله حتى يكتاله فجعل العلة الكيل وأجرى سائر المكيلات والموزونات مجرى واحدًا وتمسك مالك رحمه الله بنهيه عن بيع الطعام فدلّ على أن غير الطعام مما فيه حق توفية بخلاف الطعام إذ لو منع من

الجميع لم يكن لذكر الطعام فائدة ودليل الخطاب كالنص عند الأصوليين وفي صفة القبض عند الشافعي تفصيل فما يتناول باليد كالثوب فقبضه بالتناول وما لا ينقل كالعقار فبالتخلية وما ينقل في العادة كالحبوب فبالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به، والعلة في النهي ضعف الملك فإنه معرّض للسقوط بالتلف.




[ قــ :05 ... غــ : 136 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ».
زَادَ إِسْمَاعِيلُ «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا مالك) الإمام ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم ( حتى يستوفيه زاد إسماعيل) بن أبي أويس في روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ( من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم ( حتى يقبضه) وجه ابن حجر الزيادة بأن في قوله: "حتى يقبضه" زيادة في المعنى على قوله: "حتى يستوفيه" لأنه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه للمشتري بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلاً وتعقبه العيني بأن الأمر بالعكس لأن لفظ الاستيفاء يشعر بأن له زيادة في المعنى على لفظ الإقباض من حيث أنه إذا أقبض بعضه وحبس بعضه لأجل الثمن يطلق عليه معنى الإقباض في الجملة ولا يقال له استوفاه حتى يقبض الكل.
وقال البرماوي كالكرماني: معناه زاد رواية أخرى وهي يقبضه إذ الرواية الأخرى يستوفيه وإلاّ فهو عين السابق إذ معنى الاستيفاء القبض والرجال أربعة وهذه الطريق قد وصلها البيهقي، ولم يذكر في حديثي الباب بيع ما ليس عندك وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبط من النهي عن البيع قبل القبض، ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى وحديث النهي عن بيع ما ليس عندك أخرجه أصحاب السُّنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني من المبيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه فقال لا تبع ما ليس عندك.