فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره

باب مَنْ نَظَرَ فِى كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ
( باب من نظر في كتاب من يحذر) مبني للمفعول ( على المسلمين) منه ( ليستبين أمره) .


[ قــ :5929 ... غــ : 6259 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنِى حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِىَّ وَكُلُّنَا فَارِسٌ فَقَالَ «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا
رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ» قَالَ: فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ: لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قُلْنَا أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِى كِتَابٌ فَأَنَخْنَا بِهَا فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا، فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا قَالَ صَاحِبَاىَ: مَا نَرَى كِتَابًا قَالَ:.

قُلْتُ لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ مِنِّى أَهْوَتْ بِيَدِهَا إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ»؟ قَالَ: مَا بِى إِلاَّ أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ وَلاَ بَدَّلْتُ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلاَّ وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: «صَدَقَ فَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ فَقَالَ «يَا عُمَرُ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ» قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ.

     وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن بهلول) بضم الموحدة وسكون الهاء التيمي الكوفي قال: ( حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي قال: ( حدثني) بالإفراد ( حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ( عن سعد بن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة ختن أبي عبد الرحمن السلمي ( عن أبي عبد الرحمن السلمي) بضم السين وفتح اللام ( عن علي -رضي الله عنه-) أنه ( قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والزبير بن العوّام وأبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ( الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو وسبق في الجهاد بدل قوله هنا أبا مرثد والمقداد ولا منافاة لاحتمال اجتماعهما إذ التخصيص بالذكر لا ينفي الغير ( وكلنا فارس فقال) :
( انطلقوا) بكسر اللام ( حتى تأتوا روضة خاخ) بمعجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة ( فإن بها امرأة من المشركين) اسمها سارة ( معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين) أي إلى ناس من المشركين ممن بمكة كما في رواية سورة الممتحنة ( قال) علي رضي الله عنه: ( فأدركنها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قلنا) لها ( أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب فأنخنا بها) جملها ( فابتغينا) فطلبنا الكتاب ( في رحلها) بالحاء المهملة في متاعها ( فما وجدنا شيئًا.
قال صاحباي)
: الزبير وأبو مرثد ( ما نرى كتابًا.
قال)
عليّ ( قلت لقد علمت ما كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي يحلف به لتخرجنّ الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم وتشديد النون ( أو لأجردنك) من ثيابك ( قال) عليّ -رضي الله عنه- ( فلما رأت الجدّ مني) بكسر الجيم وتشديد المهملة ( أهوت بيدها إلى حجزتها) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد إزارها ( وهي محتجزة بكساء فأخرجت الكتاب) .

فإن قلت: سبق في باب الجاسوس من كتاب الجهاد أنها أخرجته من عقاصها أي شعرها وهنا قال: من حجزتها.
أجيب: بأنه ربما كان في الحجزة أولاً فأخرجته وأخفته في العقاص فأخرج منها ثانيًا أو بالعكس.

( قال: فانطلقنا به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لحاطب: ( ما حملك يا حاطب على ما صنعت؟ قال: ما بي إلا أن كون مؤمنًا بالله ورسوله) بكسر الهمزة وتشديد اللام على الاستئناف وللكشميهني أن لا بفتح الهمزة ( وما غيّرت) ديني يريد أنه لم يرتد عن الإسلام ( وما بدلت) بتشديد المهملة ( أردت أن تكون لي عند القوم يد) منّة ونعمة ( يدفع الله بها عن أهلي ومالي) الذي بمكة ( وليس من أصحابك) أحد له ( هناك) أهل ومال ( إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( صدق فلا تقولوا له إلاّ خيرًا قال: فقال عمر بن الخطاب: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه) بالنصب والفاء أوله وللكشميهني أضرب بإسقاط الفاء والجزم ( قال) علي -رضي الله عنه-: ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر) الذين شاهدوا وقعتها ( فقال) مخاطبًا لهم خطاب تكريم ( اعملوا ما شئتم ففد وجبت لكم الجنة) بالمغفرة في الآخرة وإلاّ فلو توجه على أحد منهم حدّ أو حق استوفي منه في الدنيا ( قال: فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم) .
وقول عمر -رضي الله عنه- مع قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تقولوا إلا خيرًا يحمل على أنه لم يسمع ذلك، أو كان قوله قبل قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله السفاقسي ويحتمل أن يكون عمر لشدته في أمر الله وحمل النهي على ظاهره من منع القول السيئ له ولم في ذلك مانعًا من إقامة ما وجب عليه من العقوبة للذنب الذي ارتكبه فبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صادق في اعتذاره فإن الله عفا عنه، وفيه جواز النظر في كتاب الغير إذا كان طريقًا إلى دفع مفسدة هي أكبر من مفسدة النظر، فحديث ابن عباس المروي عند أبي داود بسند ضعيف من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكما ينظر في النار إنما هو في حق من لم يكن متهمًا على المسلمين، وأما من كان متهمًا فلا حرمة له، والحاصل أنه يخص منه ما يتعين طريقًا إلى دفع المفسدة كما مرّ والحديث مرّ مرارًا.