فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نوم المرأة في المسجد

باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ
( باب نوم المرأة في المسجد) وإقامتها فيه إذا لم يكن لها مسكن غيره.



[ قــ :430 ... غــ : 439 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَىٍّ مِنَ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ.
قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ.
قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ -أَوْ وَقَعَ مِنْهَا- فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطَفَتْه.
ُ قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ.
قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ.
قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا.
قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ.
قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَتْ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي.
قَالَتْ فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلاَّ قَالَتْ:
وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا القرشي الهباري الكوفي، وفي بعض الأصول عبد الله وهو اسمه في الأصل وعبيد لقب غلب عليه وعرف به ( قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي ( عن هشام) وللأصيلي زيادة ابن عروة ( عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة) رضي الله عنها.

( أن وليدة) بفتح الواو أي أمة ( كانت سوداء) أي كانت امرأة كبيرة سوداء ( لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم قالت) أي الوليدة: ( فخرجت صبية لهم) أي لهؤلاء الحيّ وكانت الصبية عروسًا فدخلت مغتسلها وكان ( عليها وشاح أحمر) بكسر الواو وتضم وقد تبدل همزة مكسورة ( من سيور) جمع سير وهو ما يقدّ من الجلد.
وقال الجوهري: الوشاح ينسج عرضًا من أديم ويرصع بالجواهر وتشدّه المرأة بين عاتقها وكشحها.
وقال السفاقسي: خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقال الداودي: ثوب كالبرد أو نحوه ( قالت) أي عائشة: ( فوضعته) أي الوشاح ( أو وقع منها) شك الراوي ( فمرّت به) أي بالوشاح ( حدياة) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد المثناة

التحتية والأصل حديأة بهمزة مفتوحة بعد الياء الساكنة لأنه تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، لكن أبدلت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفًا، وللأربعة فمرت حدياة بإسقاط به ( وهو ملقى) أي مرمى والجملة حالية ( فحسبته لحمًا) سمينًا لأنه كان من جلد أحمر وعليه اللؤلؤ ( فخطفته) بكسر الطاء المهملة لا بفتحها على اللغة الفصيحة.
( قالت فالتمسوه) أي طلبوه وسألوا عنه ( فلم يجدوه.
قالت: فاتهموني به)
( قالت) عائشة ( فطفقوا يفتشون) وللأصيلي وابن عساكر يفتشوني ( حتى فتشوا قبلها) بضم القاف والموحدة أي فرجها، وعبّر بضمير الغيبة لأنه من كلام عائشة وإلا فمقتضى السياق أن تقول قُبلي كما عند المؤلّف في أيام الجاهلية أو هو من كلام الوليدة
على طريقة الالتفات أو التجريد كأنها جردت من نفسها شخصًا وأخبرت عنه ( قالت: والله إني لقائمة معهم) زاد ثابت في دلائله فدعوت الله أن يبرئني ( إذ مرت الحدياة فألقته.
قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم)
أني أخذته ( وأنا منه بريئة) جملة حالية ( وهو ذا هو) حاضر، الضمير الأوّل ضمير الشأن وذا مبتدأ والإشارة إلى ما ألقته الحدياة، والضمير الثاني إلى الذي اتهمتموني به، لكن خبر الثاني محذوف أي حاضر كما مرّ أو الأوِّل مبتدأ وذا خبره، والضمير الثاني خبر بعد خبر أو الثاني تأكيد للأوّل أو تأكيد لذا أو بيان له، أو ذا مبتدأ ثانٍ وخبره الضمير الثاني والجملة خبر الأوّل ( قالت) عائشة ( فجاءت) أي المرأة ( إلى رسول الله) وللأصيلي النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلمت) ( قالت عائشة) رضي الله عنها ( فكانت) أي المرأة وللكشميهني فكان ( لها خباء) بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالمد خيمة من صوف أو وبر ( في المسجد) النبوي ( أو حفش) بحاء مهملة مكسورة ثم فاء ساكنة ثم شين معجمة بيت صغير وفيه يبيت من لا مسكن له في المسجد سواء كان رجلاً أو امرأة عند أمن الفتنة وإباحة الاستظلال فيه بالخيمة ونحوها ( قالت) عائشة: ( فكانت) أي المرأة ( تأتيني فتحدث عندي) أصله تتحدث بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا.
( قالت) عائشة ( فلا تجلس عندي مجلسًا إلاّ قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا) بالمثناة الفوقية قبل العين كذا لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جمع أعجوبة، قال الزركشي: كابن سيده لا واحد له من لفظه ومعناه عجائب.
قال الدماميني: وكذا هو في الصحاح لكن لا أدري لم لا يجعل جمعًا لتعجيب مع أنه ثابت في اللغة يقال: عجبت فلانًا تعجيبًا إذا جعلته يتعجب وجمع الصدر باعتبار أنواعه لا يمتنع، وفي رواية غير المذكورين من أعاجيب ربنا بالهمز بدل التاء، ( إلا) بتخفيف اللام ( أنه من بلدة الكفر أنجاني) همزة إنه مكسورة والبيت من الطويل وأجزاؤه ثمانية وزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات، لكن دخل البيت المذكور القبض في الجزء الثاني وهو حذف الخامس الساكن ( قالت عائشة) رضي الله عنها ( فقلت لها) أي للمرأة ( ما شأنك لا تقعدين معي مقعدًا إلاّ قلت هذا) البيت ( قالت فحدّثنني بهذا الحديث) أي المتضمن للقصة المذكورة.