فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} [النساء: 19] الآية

باب { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الآيَةَ، وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَعْضُلُوهُنَّ: لاَ تَقْهَرُوهُنَّ.
حُوبًا: إِثْمًا.

تَعُولُوا: تَمِيلُوا.
نِحْلَةً: النِّحْلَةُ الْمَهْرُ.

هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا} ) أن ترثوا في موضع رفع على الفاعلية بيحل أي لا يحل لكم إرث النساء والنساء مفعول به إما على حذف مضاف أي أن ترثوا أموال النساء والخطاب للأزواج لأنه روي أن الرجل كان إذا لم يكن له في المرأة غرض أمسكها حتى تموت فيرثها أو تفتدي بمالها إن لم تمت، وإما من غير حذف على معنى أن يكن بمعنى الشيء الموروث إن كان الخطاب للأولياء أو لأقرباء الميت كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وكرها في موضع نصب على الحال من النساء أي ترثوهن كارهات أو مكرهات ( { ولا تعضلوهن} ) جزم بلا الناهية أو نصب عطف على أن ترثوا ولا لتأكيد النفي وفي الكلام حذف أي لا تعضلوهن من النكاح إن كان الخطاب للأولياء أو لا تعضلوهن من الطلاق إن كان للأزواج ( { لتذهبوا ببعض} ) اللام متعلقة بتعضلوهن والباء للتعدية المرادفة لهمزتها أو للمصاحبة فالجار في محل نصب على الحال ويتعلق بمحذوف أي لتذهبوا مصحوبين ببعض ( { ما آتيتموهن} ) [النساء: 19] ( الآية) وما: موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة وعلى التقديرين فالعائد محذوف وسقط ولا تعضلوهن إلى آتيتموهن لغير أبي ذر وقالوا الآية.

( ويذكر عن ابن عباس) مما وصله الطبري وابن أبي حاتم { لا تعضلوهن} أي ( لا تقهروهن) بالقاف، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تنتهروهن بالنون وقوله تعالى: { إنه كان} ( { حوبًا} ) [النساء: 2] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح أي ( إثمًا) وقوله تعالى: { ذلك أدنى ألاَّ} ( { تعولوا} ) [النساء: 3] قال ابن عباس فيما وصله ابن المنذر أي ( تميلوا) من عال يعول إذا مال وجار وفسره الإمام الشافعي بأن لا تكثر عيالكم وردّه جماعة كأبي
بكر بن داود الرازي والزجاج فقال الزجاج: هذا غلط من جهة المعنى واللفظ، أما الأول فلأن إباحة السراري مع أنها مظنة كثرة العيال كالتزوج وأما اللفظ فلأن مادة عال بمعنى أكثر عياله من ذوات الياء لأنه من العيلة، وأما عال بمعنى حار فمن ذوات الواو فاختلفت المادتان.

وقال صاحب النظم قال أوّلًا ألاّ تعدلوا فوجب أن يكون ضده الجور، وأيضًا فقد خالف المفسرين وقد ردّ الناس على هؤلاء، فأمّا قولهم: إن التسري أيضًا تكثر معه العيال مع أنه مباح فممنوع لأن الأمة ليست كالمنكوحة ولذا يعزل عنها بغير إذنها ويؤجرها ويأخذ أجرتها ينفقها عليه وعليها وعلى أولادها ويقال عال الرجل عياله يعولهم أي مانهم بمونهم أي أنفق عليهم، ومنه: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وحكى ابن الأعرابي عال الرجل يعول أكثر عياله وعال يعيل افتقر وصار له عائلة.

والحاصل: أن عال يكون لازمًا ومتعديًا فاللازم يكون بمعنى مال وجار، ومنه عال الميزان وبمعنى كثر عياله وبمعنى تفاقم الأمر، والمضارع من كله يعول وعال الرجل افتقر وعال في الأرض ذهب فيها، والمضارع من هذين يعيل والمتعدي يكون بمعنى أثقل وبمعنى مان من المؤونة وبمعنى غلب ومنه عيل صبري ومضارع هذا كله يعول وبمعنى أعجز يقال عالني الأمر أي أعجزني، ومضارع هذا يعيل والمصدر عيل ومعيل فقد تلخص من هذا أن عال اللازم يكون تارة من ذوات الواو وتارة من ذوات الياء باختلاف المعنى، وكذلك عال المتعدي أيضًا فقد روى الأزهري عن الكسائي قال: عال الرجل إذا افتقر وأعال إذا أكثر عياله.
قال: ومن العرب الفصحاء من يقول عال يعول إذا كثر عياله.
قال الأزهري: وهذا يقوي قول الشافعي لأن الكسائي لا يحكي عن العرب إلا ما حفظه وضبطه وقول الشافعي نفسه حجة.
وحكى البغوي عن أبي حاتم قال: كان الشافعي أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة، وعن أبي عمرو الدوري القارئ وكان من أئمة اللغة قال هي لغة حمير.

وأما قولهم: إنه خالف المفسرين فليس كذلك فقد روي عن زيد بن أسلم نحو قوله أسنده الدارقطني وذكره الأزهري في كتابه تهذيب اللغة، وأما قولهم: اختلفت المادّتان فليس بصحيح فقد تقدم حكاية ابن الأعرابي عن العرب عال الرجل يعول كثر عياله وحكاية الكسائي والدوري وقرأ طلحة بن مصرف: أن لا تعيلوا بضم تاء المضارعة من أعال أكثر عياله وهي تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى، وقد بسط الإمام فخر الدين العبارة في الرد على أبي بكر الرازي وقال: الطعن لا يصدر إلا عن كثرة الغباوة وقلة المعرفة.

وقال الزمخشري بعد أن وجه قول الشافعي بنحو ما سبق وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين حقيق بالجمل على الصحة والسداد وكفى بكتابنا المترجم بكتاب شافي العين من كلام الشافعي شاهدًا بأنه أعلى كعبًا وأطول باعًا في علم كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا ولكن للعلماء طرقًا وأساليب فمسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات اهـ.

وقوله أعلى كعبًا مثل لاطلاعه على علوم العربية وكونه ذا حظ وافر فيها.

وقوله تعالى: { وآتوا النساء صدقاتهن} ( { نحلة} ) [النساء: 4] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم والطبري ( النحلة) ولأبي ذر فالنحلة ( المهر) وقيل فريضة مسماة وقيل عطية وهبة وسمي الصداق نحلة من حيث إنه لا يجب في مقابلته غير التمتع دون عوض مالي.


[ قــ :4326 ... غــ : 4579 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِيُّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلاَ أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ.
[الحديث 4579 - طرفه في: 6948] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( أسباط بن محمد) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالموحدة القرشي الكوفي قال: ( حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق سليمان بن فيروز ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما ( قال الشيباني) : سليمان ( وذكره) أي الحديث ( أبو الحسن) اسمه عطاء ( السوائي) بضم السين وتخفيف الواو ممدودًا وليس هو مهاجرًا المذكور في باب الإبراد بالظهر لأن ذاك تيمي لا سوائي ( ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيه أن الشيباني له فيه طريقان إحداهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس، والثانية مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السوائي عن ابن عباس في قوله تعالى: ( { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} ) قال: ( كانوا) أي أهل الجاهلية كما قاله السدي أو أهل المدينة كما قاله الضحاك وقال الواحدي في الجاهلية وأول الإسلام ( إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها) إن كانت جميلة بصداقها الأول ( وإن شاؤوا زوّجوها) لمن أرادوا وأخذوا صداقها ( وإن شاؤوا لم يزوّجوها) بل يحبسونها حتى تموت فيرثونها أو تفتدي نفسها ( فهم) بالفاء، ولأبي ذر: وهم ( أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك) .

وفي رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن ابن عباس في هذا الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها.
وعند الطبراني من طريق ابن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قضية خاصة قال: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت الآية.

وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن
الأسلت أراد ابنه أن يتزوّج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية فنزلت هذه الآية.

وقال زيد بن أسلم: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وإن يعضلها حتى يرثها أو يزوّجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى الله تعالى المؤمنين عن ذلك.
رواه ابن أبي حاتم.

وعن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها لجاء رجل فألقى عليها ثوبه كان أحق بها، وعنه من طريق السدّي: إن سبق الوارث فألقى عليها ثوبه كان أحق بها وإن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الإكراه وأبو داود في النكاح والنسائي في التفسير.