فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته "

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ»
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} .

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».


فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- { ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

وَهُوَ كَقَوْلِهِ: { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} -ذُنُوبًا- { إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ} وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.

( باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في الباب عن ابن عباس عن عمر.

( يعذب الميت ببعض بكاء أهله) المتضمن للنوح المنهي عنه ( عليه) وليس المراد مع العين لجوازه، وإنما المراد البكاء الذي يتبعه الندب والنوح، فإن ذلك إذا اجتمع سمي بكاء.

قال الخليل: من قصر البكاء ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، وقيده بالبعضية تنبيهًا على أن حديث ابن عمر المطلق محمول على حديث ابن عباس عن عمر الآتي كل منهما إن شاء الله تعالى في هذا الباب.

( إذا كان) الميت في حال حياته راضيًا بذلك، بأن يكون ( النوح من سنته) بضم السين وتشديد النون، أي من طريقته وعادته.

وأما قول الزركشي هذا منه أي: من المؤلّف، حمل للنهي عن ذلك، أي: أنه يوصي بذلك، فيعذب بفعل نفسه، فتعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن الظاهر أن البخاري لا يعني الوصية، وإنما يعني العادة.
وعليه يدل قوله: من سنته، إذ السنة الطريقة والسيرة يعني: إذا كان الميت قد عود أهله أن يبكوا على من يفقدونه في حياته وينوحوا عليه بما لا يجوز.
وأقرّهم على ذلك، فهو داخل في الوعيد، وإن لم يوص.
فإن أوصى فهو أشد انتهى.

وليس قوله: إذا كان النوح من سنته من المرفوع، بل هو من كلام المؤلّف، قاله تفقهًا ( لقول الله تعالى) : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ( { قُوا أَنفُسَكُمْ} ) بترك المعاصي الشاملة للنوح وغيره ( { وأهليكم نارًا} ) [التحريم: 6] بالنصح والتأديب لهم، فمن علم أن لأهله عادة بفعل منكر من نوح أو غيره، وأهمل نهيهم عنه، فما وقى أهله ولا نفسه من النار.

( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما تقدّم موصولاً في حديث ابن عمر في الجمعة: ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته) .
فمن ناح ما رعى نفسه ولا رعيته الذين هم أهله لأنهم يقتدون به في سنته.

( فإذا لم يكن من سنته) النوح، كمن لا شعور عنده، بأنهم يفعلون شيئًا من ذلك، أو أدّى ما عليه بأن نهاهم ( فهو كما قالت عائشة، رضي الله عنها) مستدلة لما أنكرت على عمر، رضي الله عنه، حديثه المرفوع الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" بقوله تعالى: ( { ولا تزر} ) سقطت الواو، من: ولا تزر لغير أبي ذر، لا تحمل ( { وازرة} ) نفس آثمة ( { وزر} )
نفس ( { أخرى} ) [الأنعام: 164 والإسراء: 15 وفاطر: 18 والزمر: 7] والجملة جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والحاصل أنه: إذا لم يكن من سنته، فلا شيء عليه، كقول عائشة.
فالكاف للتشبيه، وما مصدرية، أي: كقول عائشة.

( وهو) أي: ما استدلت به عائشة من قوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى} ( كقوله: { وإن تدع مثقلة -ذنوبًا- إلى حملها} ) وليست: ذنوبًا، من التلاوة، وإنما هو في تفسير مجاهد، فنقله المصنف عنه؛ والمعنى: وإن تدع نفس أثقلتها أوزارها أحدًا من الآحاد إلى أن يحمل بعض ما عليها ( { ولا يحمل منه} ) أي: من وزره ( { شيء} ) [فاطر: 18] وأما قوله تعالى: { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم، وهذه الجملة من قوله، وهو كقوله: { وإن تدع مثقلة} وقعت في رواية أبي ذر وحده، كما أفاده في الفتح.

ثم عطف المؤلّف على أول الترجمة قوله: ( وما يرخص من البكاء) في المصيبة ( من غير نوح) .

وهو حديث أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، وصححه الحاكم.
لكن ليس على شرط المؤلّف، ولذا اكتفى بالإشارة إليه، واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه.

( وقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في: الدّيات وغيرها، من جملة حديث لابن مسعود:
( لا تقتل نفس ظلمًا) أي: من حيث الظلم ( إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل الذي قتل هابيل ظلمًا وحسدًا ( كفل) أي: نصيب ( من دمها) .

( وذلك) أي: كون الكفل على ابن آدم الأول ( لأنه أول من سن القتل) ظلمًا، أي فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت، لأنه سنّ النياحة في أهله، وفيه الرد على القائل بتخصيص التعذيب بمن يباشر الذنب بقوله أو فعله، لا بمن كان سببًا فيه، ولا يخفى سقوطه.


[ قــ :1237 ... غــ : 1284 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا.
فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا.
فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ.
فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ -قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".
[الحديث 1284 - أطرافه في: 5655، 6602، 6655، 7377، 7448] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين وإسكان الموحدة، عبد الله بن عثمان ( ومحمد) هو:

ابن مقاتل ( قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا عاصم بن سليمان) الأحول ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال) :
( أرسلت ابنة) ولأبي ذر: بنت ( النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب، كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال ( إليه: إن ابنًا لي قبض) أي: في حال القبض، ومعالجة الروح فأطلق القبض مجازًا باعتبار أنه في حالة كحالة النزع.

قيل: الابن المذكور هو علي بن أبي العاص بن الربيع، واستشكل بأنه عاش حتى ناهز الحلم وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أردفه على راحلته يوم الفتح، فلا يقال فيه صبي عرفًا.

أو هو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما رواه البلاذري في الأنساب: أنه لما توفي، وضعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره، وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء.

أو: هو، محسن، لما روى البزار في مسنده عن أبي هريرة، قال: ثقل ابن لفاطمة رضي الله عنها، فبعثت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر نحو حديث الباب، ولا ريب أنه مات صغيرًا.

أو: هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع لما عند أحمد، عن أبي معاوية بسند البخاري.

وصوّبه الحافظ ابن حجر، وأجاب عما استشكل من قوله: قبض، مع كون أمامة عاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تزوّجها علي بن أبي طالب، وقتل عنها: بأن الظاهر أن الله أكرم نبيه عليه الصلاة والسلام، لما سلم لأمر ربه، وصبر ابنته، ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى ابنة ابنته، فخلصت من تلك الشدة، وعاشت تلك المدّة.

وقال العيني: الصواب قول من قال: ابني، أي: بالتذكير، لا ابنتي: بالتأنيث.
كما نص عليه في حديث الباب.

وجمع البرماوي بين ذلك باحتمال تعدّد الواقعة في بنت واحدة أو بنتين، أرسلت زينب في عليّ أو أمامة، أو رقية في عبد الله بن عثمان، أو فاطمة في ابنها محسن بن علي ( فأْتنا.
فأرسل)
عليه الصلاة والسلام ( يقرئ) عليها ( السلام) بضم الياء من يقرئ ( ويقول) :
( إن لله ما أخذ، وله ما أعطى) أي: الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، وقدّم الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرًا في الواقع، لأن المقام يقتضيه.

ولفظ: ما، في الموضعين مصدرية أي: إن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة، والعائد محذوف وكذا الصلة للدلالة على العموم، فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاءه وغيرهما.

( وكل عنده) أي: وكل من الأخذ والإعطاء عند الله، أي: في علمه ( بأجل مسمى) مقدّر ومؤجل، ( فلتصبر ولتحتسب) أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح.

( فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونها ( تقسم عليه ليأتينها، فقام) ووقع في رواية عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين، وأنه إنما قام في ثالث مرة ( ومعه) بإثبات واو الحال، وللحموي والمستملي: معه ( سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال) آخرون ذكر منهم في غير هذه الرواية: عبادة بن الصامت، وأسامة، راوي الحديث، فمشوا إلى أن دخلوا بيتها، ( فرفع إلى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الصبي) أو: الصبية، ورفع بالراء، وفي رواية حماد: دفع، بالدال.
وبين شعبة في روايته أنه وضع في حجره عليه الصلاة والسلام، ( ونفسه تتقعقع) بتاءين في أوّله، أي تضطرب وتتحرك، أي: كلما صار إلى حالة لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى لقربه من الموت، والجملة اسمية حالية - ( قال: حسبته أنه قال: كأنها شنّ-) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، قربة خلقة يابسة، وجزم به في رواية حماد، ولفظه: ونفسه تتقعقع كأنها في شن ( ففاضت) ولأبي ذر: وفاضت ( عيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبكاء وهذا موضع الترجمة، لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي، ولا الميت.

( فقال سعد) هو: ابن عبادة المذكور: ( يا رسول الله! ما هذا؟) وفي رواية عبد الواحد، قال سعد بن عبادة: تبكي؟ وزاد أبو نعيم في مستخرجه: وتنهى عن البكاء؟ ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هذه) الدمعة التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها ( رحمة جعلها الله) تعالى ( في قلوب عباده، وإنما) بالواو، ولأبي ذر، فإنما ( يرحم الله من عباده الرحماء) نصب على أن، ما، في قوله: وإنما، كافة، ورفع على أنها موصولة، أي: إن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء، جمع رحيم من صيغ المبالغة، ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة، وتحقق بها، بخلاف من فيه أدنى رحمة.
لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو، وعند أبي داود وغيره: الراحمون يرحمهم الرحمن، والراحمون: جمع راحم، فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة.

فإن قلت: ما الحكمة في إسناد فعل الرحمة في حديث الباب إلى الله، وإسناده في حديث أبي داود المذكور إلى الرحمن؟.

أجاب الخوييّ، بما حاصله: أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلما ذكرها ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمت، ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر، فإن لفظ الرحمن دال على العفو، فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة، وإن قلَّت.

ورواة الحديث الثلاثة الأول مروزيون، وعاصم وأبو عثمان بصريان، وفيه: التحديث

والإخبار والقول، وأخرجه أيضًا في: الطب، والنذور، والتوحيد، ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.




[ قــ :138 ... غــ : 185 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قال حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا.
قَالَ: فَانْزِلْ.
قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا".
[الحديث 185 - طرفه في: 134] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، ( قال: حدّثنا فليح بن سليمان) الخزاعي ( عن هلال بن عليّ) العامري ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال) :
( شهدنا بنتًا لرسول الله) أي: جنازتها، وكانت سنة تسع، ولأبي ذر: بنتًا للنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي: أم كلثوم زوج عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لا رقية، لأنها توفيت والنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببدر فلم يشهد جنازتها ( قال: ورسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة وقعت حالاً ( جالس على) جانب ( القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان) بفتح الميم، وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى ( قال: فقال) عليه الصلاة والسلام:
( هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟) بقاف ثم فاء، وزاد ابن المبارك عن فليح، أراه يعني: الذنب.
ذكره المصنف تعليقًا في باب: من يدخل قبر المرأة.
ووصله الإسماعيلي، وقيل: لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم.
وفي رواية ثابت عن أنس عند المؤلّف في التاريخ الأوسط: لا يدخل القبر أحد قارف الليلة، فتنحى عثمان.

( فقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري: ( أنا) لم أقارف الليلة، قيل: والسر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان قد جامع بعض جواريه تلك الليلة، فتلطف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منعه من النزول في قبر زوجته، حيث لم يعجبه أنه اشتغل عنها تلك الليلة بذلك، لكن يحتمل أنه طال مرضها، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يكن يظن أنها تموت تلك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، بل ولا حين احتضارها.

( قال) عليه الصلاة والسلام لأبي طلحة ( فانزل) بالفاء ( قال: فنزل في قبرها) .

وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الجنائز.




[ قــ :139 ... غــ : 186 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ -رضي الله عنه- بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا -أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى

جَنْبِي- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَرَ -رضي الله عنهما- لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة، عبد الله بن عثمان، قال: ( حدّثنا عبد الله) بن المبارك، قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بتصغير عبد الثاني، كمليكة، واسمه زهير، ( قال) :
( توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة) هي: أم أبان، كما صرح به في مسلم ( وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر) بن الخطاب ( وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما) أي: بين ابن عمر وابن عباس ( -أو قال: جلست إلى أحدهما) شك ابن جريج ( ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي-) زاد مسلم من طريق أيوب، عن ابن أبي مليكة: فإذا صوت من الدار، وعند الحميدي، من رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة: فبكى النساء.

( فقال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان) أخيها: ( ألا تنهى) النساء ( عن البكاء؟ فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) فأرسلها مرسلة، ولمسلم عن عمرة بنت عبد الرحمن، سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ... الحديث، أي: سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا، فليس الحكم مختصًّا بأهله، وقوله: ببكاء أهله، خرج مخرج الغالب، لأن المعروف أنه إنما يبكي على الميت أهله، ووقع في بعض طرق حديث ابن عمر هذا، عند ابن أبي شيبة: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة، فيحمل المطلق في حديث الباب على هذا المقيد.




[ قــ :139 ... غــ : 187 ]
- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: قَدْ كَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرَّكْبُ.
قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي.
فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهُ وَاصَاحِبَاهُ.
فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَىَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"؟.
[الحديث 187 - طرفاه في: 190، 19] .

( فقال ابن عباس، رضي الله عنهما: قد كان عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه، يقول، بعض ذلك، ثم حدّث) أي ابن عباس ( فقال) :
( صدرت مع عمر، رضي الله عنه، من مكة) قافلاً من حجة ( حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية، مفازة بين مكة والمدينة ( إذا هو بركب) أصحاب إبل عشرة، فما فوقها مسافرين فاجأوه ( تحت ظل سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم، شجرة عظيمة من العضاه ( فقال: اذهب فانظر مَن هؤلاء الركب؟ قال: فنظرت فإذا صهيب) بضم الصاد ابن سنان بن قاسط بالقاف، وكان من السابقين الأوّلين المعذبين في الله ( فأخبرته) أي: أخبرت عمر بذلك ( فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب، فقلت) له: ( ارتحل فالحق) بكسر الحاء المهملة في الأول وفتحها في الثاني، أمر من: اللحوق ( فأمير المؤمنين) كذا لأبي ذر، عن الكشميهني: بالموحدة قبل الهمزة، ولغيره: فالحق أمير المؤمنين، فلحق به.
حتى دخلنا المدينة ( فلما أصيب عمر) رضي الله عنه بالجراحة التي مات بها، وكان ذلك عقب حجه المذكور ( دخل صهيب) حال كونه ( يبكي) حال كونه ( يقول: وا أخاه، وا صاحباه) بألف الندبة فيهما لتطويل مدّ الصوت، وليست علامة إعراب في الأسماء الستة، والهاء للسكت لا ضمير، لكن الشرط في المندوب أن يكون معروفًا، فيقدّر أن الأخوة والصاحبية كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة، ( فقال عمر، رضي الله عنه: يا صهيب أتبكي عليّ) بهمزة الاستفهام الإنكاري ( وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه؟) قيده ببعض البكاء فحمل على ما فيه نياحة جميعًا بين الأحاديث.




[ قــ :139 ... غــ : 188 ]
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما "فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ -رضي الله عنه- ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ: يَرْحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، .

     وَقَالَتْ : حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهُ { هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- شَيْئًا".
[الحديث 188 - طرفاه في: 189، 3978] .

(وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، رضي الله عنها، فقالت: يرحم الله عمر) قال الطيبي: هذا من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى: { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] فاستغربت من عمر ذلك القول، فجعلت قولها: يرحم الله عمر تمهيدًا ودفعًا لما يوحش من نسبته إلى الخطأ.

والله ما حدّث رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) يحتمل أن يكون جزمهما بذلك، لكونها سمعت صريحًا من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختصاص العذاب بالكافر، أو فهمت ذلك من القرائن (لكن) بإسقاط الواو، ولأبي ذر: ولكن (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإسكان نون لكن، فرسول الله مرفوع وبتشديدها فهو منصوب (قال):

(إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن) أي: كافيكم أيها المؤمنون قوله تعالى في القرآن ({ ولا تزر وازرة وزر أخرى} ) [الأنعام: 164 والإسراء: 15 وفاطر: 18 والزمر: 7] أي: لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها.

(قال ابن عباس رضي الله عنهما، عند ذلك والله { هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] تقرير لنفي ما ذهب إليه ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله، وذلك أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله، يظهرها فيه، فلا أثر لها في ذلك فعند ذلك سكت ابن عمر.

كما (قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر، رضي الله عنهما، شيئًا).
بعد ذلك، لكن قال الزين بن المنير: سكوته لا يدل على الإذعان، فلعله كره المجادلة.

وقال القرطبي ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلاً للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعين الحاجة حينيذٍ.

وقال الخطابي: الرواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة ما يرفع روايتهما.
لجواز أن يكون الخبران صحيحين معًا، ولا منافاة بينهما.

فالميت إنما تلزمه العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقت حياته، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم كقول طرفة بن العبد:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
وعلى ذلك حمل الجمهور قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، كما مر، وبه قال المزني، وإبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية، وغيرهم، فإذا لم يوص به الميت لم يعذب.

قال الرافعي: ولك أن تقول: ذنب الميت الأمر بذلك، فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه
وأجيب: بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب، وشاهده حديث: "من سن سنة سيئة" ....
وقيل: التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: "الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: واعضداه، واناصراه، واكسباه، جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها؟ ".

وقال الشيخ أبو حامد: الأصح أنه محمول على الكافر.
وغيره من أصحاب الذنوب.




[ قــ :140 ... غــ : 189 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا".


وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( أنها أخبرته: أنها سمعت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تقول) :
أي لما قيل لها: إن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، كذا في الموطأ ومسلم ( إنما مر رسول الله على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال) :
( إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها) بكفرها، في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء.




[ قــ :141 ... غــ : 190 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ -رضي الله عنه- جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ"؟.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بزاءين معجمتين، الكوفي، قال المؤلّف: جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: ( حدثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء، قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) سليمان ( وهو الشيباني) بفتح الشين المعجمة ( عن أبي بردة) الحرث ( عن أبيه) أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري ( قال) :
( لما أصيب عمر، رضي الله عنه) بالجراحة التي مات منها ( جعل صهيب) رضي الله عنه يبكي و ( يقول: وا أخاه) بألف الندبة، وهاء السكت ساكنة في اليونينية ( فقال عمر) منكرًا عليه بكاءه، لرفعه صوته بقوله: وا أخاه، خوفًا من استصحابه ذلك، أو زيادته عليه بعد موته: ( أما علمت أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟) أي: المقابل للميت، أو المراد بالحي: القبيلة وتكون اللام فيه بدلاً من الضمير، والتقدير: يعذب ببكاء حيه، أي: قبيلته، فيوافق قوله في الرواية الأخرى: ببكاء أهله عليه ... وهو صريح في أن الحكم ليس خاصًّا بالكافر، وظاهره أن صهيبًا سمع الحديث من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكأنه نسيه، حتى ذكره به عمر رضي الله عنهما.

ورواته كلهم مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز.