فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب شراء الإبل الهيم، أو الأجرب الهائم: المخالف للقصد في كل شيء

باب شِرَاءِ الإِبِلِ الْهِيم أَوِ الأَجْرَب الْهَائِمُ: الْمُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَىْءٍ
( باب شراء الإبل الهيم) بكسر الهاء وسكون التحتية جمع أهيم وهيماء قال ذو الرمة:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ... صداها ولا يقضي عليها هيامها
وهي الإبل التي بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء تشرب منه فلا تروى.

وقال في القاموس: والهيم بالكسر الإبل العطاش، والهيام العشاق الموسوسون وكسحاب ما لا يتمالك من الرمل فهو ينهال أبدًا أو هو من الرمل ما كان ترابًا دقاقًا يابسًا ويضم، ورجل هائم وهيوم متحير وهيمان عطشان، والهيام بالضم كالجنون من العشق والهيماء المفازة بلا ماء وداء يصيب الإبل من ماء تشربه مستنقعًا فهي الجمع ككتاب.
( أو الأجرب) بالجر عطفًا على سابقه أي وشراء الأجرب من الإبل.

واستشكل التعبير بالأجرب لأن المعتبر إما معنى الجمع فلا يوصف بالأجرب وإما المفرد فلا يوصف بالهيم.
وأجيب: بأنه اسم جنس يحتمل الأمرين.


واستشكل أيضًا بأن تأنيثه لازم والصحيح أن يقال الجرباء أو الجرب بلفظ الجمع.
وأجيب: بأنه على تقدير تسليم لزوم التأنيث فهو عطف على نفسها لا على صفتها وهو الهيم قاله الكرماني والبرماوي وللنسفي والأجرب من غير همزة.

قال المؤلّف مفسرًا لقوله "الهيم" ( الهائم المخالف للقصد في كل شيء) كأنه يريد أن بها داء الجنون، واعترضه ابن المنير كابن التين بأن الهيم ليس جمعًا لهائم، وأجاب في المصابيح بأنه لِمَ لا يجوز أن يكون كبازل وبزل ثم قلبت ضمة هيم لتصح الياء كما فعل بجمع أبيض.


[ قــ :2015 ... غــ : 2099 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بنُ عبدِ اللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: "كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ.
فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ فَقَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ: وَيْحَكَ، ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ.
فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلاً هِيمًا وَلَمْ يَعْرِفْكَ.
قَالَ: فَاسْتَقْهَا.
قَالَ فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا فَقَالَ: دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ عَدْوَى".
سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا.
[الحديث 2099 - أطرافه في: 2858، 5093، 5094، 5753، 5772] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن عبد الله قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: قال عمرو) هو ابن دينار: ( كان هاهنا رجل اسمه نوّاس) بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف سين مهملة، وللقابسي كما في الفتح نواس بكسر النون والتخفيف، وللكشميهني نوّاسي كالرواية الأولى لكنه بزيادة ياء النسب المشددة، ( وكانت عنده إبل هيم فذهب ابن عمر -رضي الله عنهما- فاشترى تلك الإبل) الهيم ( من شريك له) لم يسم ( فجاء إليه) أي إلى نواس ( شريكه فقال: بعنا تلك الإبل) الهيم ( فقال) نواس ( ممّن بعتها؟ قال) ولأبي ذر فقال ( من شيخ) صفته ( كذا وكذا.
فقال)
نوّاس: ( ويحك) كلمة توبيخ تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ( ذاك والله ابن عمر فجاءه) أي فجاء نواس ابن عمر ( فقال: إن شريكي باعك إبلاً هيمًا ولم يعرفك) بفتح التحتية وسكون المهملة، وللحموي والمستملي: ولم يعرّفك بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد الراء من التعريف أي لم يعلمك أنها هيم.
( قال) أي ابن عمر لنوّاس ( فاستقها) فعل أمر من الاستياق، وفي رواية ابن أبي عمر قال فاستقها إذا أي إن كان الأمر كما تقول فارتجعها ( قال: فلما ذهب) نواس ( يستاقها) ليرتجعها واستدرك ابن عمر ( فقال) ولأبي الوقت: قال ( دعها) أي اتركها ( رضينا بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بحكمه ( لا عدوى) .

قال الخطابي: المعنى رضيت بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرضى بالبيع مع ما اشتمل عليه من التدليس والعيب فلا أعدي عليكما حاكمًا ولا أرفعكما إليه، وقال غيره: هو اسم من الأعداء يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء وذلك بأن يكون ببعير جرب مثلاً فتتقى مخالطته بإبل أخرى حذرًا أن يتعدّى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه.


وقال أبو علي الهجري في النوادر: الهيام داء يعرض للإبل ومن علامة حدوثه إقبال البعير على الشمس حيث دارت واستمراره على أكله وشربه وبدنه ينقص كالدائب فإذا أراد صاحبه استبانة أمره استباله فإن وجد ريحه مثل ريح الخمرة فهو أهيم فمن شم بوله أو بعره أصابه الهيام اهـ.

وبهذا يتضح عطف المؤلّف الأجرب على الهيم لاشتراكهما في دعوى العدوى، ومما يقويه أن الحديث على هذا التأويل يصير في حكم المرفوع ويكون قول ابن عمر لا عدوى تفسيرًا للقضاء الذي تضمنه قوله رضينا بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي رضيت بحكمه حيث حكم أن لا عدوى ولا طيرة، وعلى التأويل الأوّل يصير موقوفًا من كلام ابن عمر -رضي الله عنهما-.

قال علي بن المديني شيخ المؤلّف: ( سمع سفيان) بن عيينة ( عمرًا) أي ابن دينار وسقط قوله سمع سفيان عمرًا لابن عساكر.