فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نفخ الصور

باب نَفْخِ الصُّورِ
قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ.
زَجْرَةٌ: صَيْحَةٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ النَّاقُورُ: الصُّورُ، الرَّاجِفَةُ: النَّفْخَةُ الأُولَى، وَالرَّادِفَةُ: النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ.

( باب نفخ الصور) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وليس هو جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في الصور الموتى والتنزيل يدل عليه قال تعالى: { ثم نفخ فيه أخرى} [الزمر: 69] ولم يقل فيها فعلم أنه ليس جمع صورة.

( قال مجاهد) هو ابن جبر المفسر فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه ( الصور) من قوله تعالى { ونفخ في الصور} [الزمر: 68] هو ( كهيئة البوق) الذي يزمر به وقال مجاهد أيضًا ( زجرة) أي من قوله { فإنما هي زجرة واحدة} أي ( صيحة) وهي عبارة عن نفخ الصور النفخة الثانية كما عبر عنها عن النفخة الأولى في قوله تعالى: { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم} [يس: 49] الآية.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة ( الناقور) من قوله تعالى { فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] ( الصور) أي نفخ فيه والناقور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت.
وقال ابن عباس أيضًا مما وصله ابن أبي حاتم والطبري في قوله تعالى في سورة النازعات { يوم ترجف} [النازعات: 16] { الراجفة} [النازعات: 6] هي ( النفخة الأولى) لموت الخلق { والرادفة} [النازعات: 7] هي ( النفخة الثانية) للصعق والبعث.
وقال في شرح المشكاة، الراجفة الواقعة التي
ترجف عندها الأرض والجبال وهي النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها والرادفة الواقعة التي تردف الأولى وهي النفخة الثانية واختار ابن العربي أنها ثلاث.

نفخة الفزع لقوله تعالى { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض} [النمل: 87] الآية.
ونفخة الصعق والبعث لقوله تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] واستدلّ لابن العربي بما في حديث الصور الطويل من قوله ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع فيفزع أهل السماء والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة القيام لرب العالمين.
أخرجه الطبري لكن سنده ضعيف ومضطرب، وصحح القرطبي أنهما نفختان فقط فالأوليان عائدتان إلى واحدة فزعوا إلى أن صعقوا، وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو ثم ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم يرسل الله مطرًا كأنه الطل فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم ينظرون ففيه التصريح بأنهما نفختان فقط.


[ قــ :6179 ... غــ : 6517 ]
- حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالأَعْرَجِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِىُّ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَغَضِبَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِىِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلِ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِى أَكَانَ مُوسَى فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: ( حدثني) بالإفراد ( إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق المدني ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف ( وعبد الرَّحمن) بن هرمز ( الأعرج أنهما حدثاه أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: استبّ رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين) الملائكة والإنس والجن ( فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين قال) أبو هريرة: ( فغضب المسلم عند ذلك) القول المستلزم لتفضيل موسى على نبينا صلّى الله عليهما وسلم ( فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تخيروني) أي لا تفضلوني ( على موسى) قاله تواضعًا وإرداعًا لمن يخير بين الأنبياء من قبل نفسه، فإن ذلك يؤدّي إلى العصبية المفضية إلى الإفراط والتفريط فيطرون الفاضل فوق حقه ويبخسون المفضول حقه فيقعون في مهواة الغي، والمعنى لا تخيروني بحيث يؤدّي إلى الخصومة أو لا تفضلوني عليه في العمل فلعلهُ أكثر عملاً مني والثواب بفضل الله لا بالعمل ( فإن الناس يصعقون) بفتح العين يغشى عليهم ( يوم القيامة) من نفخة البعث ( فأكون أوّل) وللكشميهني في أوّل ( من يفيق) من الصعق ( فإذا موسى) عليه الصلاة والسلام ( باطش) بكسر الطاء ( بجانب العرش فلا أدري كان موسى فيمن صعق) بكسر العين ( فأفاق قبلي) بالتحتية بعد اللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قبل لعله قال: ذلك قبل أن يعلم أنه أوّل من تنشق عنه الأرض ( أو كان ممن استثنى الله) عز وجل الأنبياء أو موسى أو الشهداء أو الموتى كلهم لأنهم لا إحساس لهم فلا يصعقون أو جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت أو الأربعة وحملة العرش أو الملائكة كلهم.
قال ابن حزم في الملل: لأنهم أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلاً، أو الولدان الذين في الجنة والحور العين أو خزان الجنة والنار وما فيها من الحياة والعقارب.
وقال البيهقي: استضعف أهل النظر أكثر هذه الأقوال لأن الاستثناء وقع من سكان السماوات والأرض وهؤلاء ليسوا من سكانهما لأن العرش فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافين حول العرش ولأن الجنة فوق السماوات، والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقتا للبقاء.

والحديث سبق في باب ما يذكر في الأشخاص.




[ قــ :6180 ... غــ : 6518 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَصْعَقُ النَّاسُ حِينَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ قَامَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَمَا أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ» رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام فإذا موسى آخذ العرش فما أدري أكان فيمن صعق) ؟ وتمامه أم لا كما أورده الإسماعيلي ولا يلزم من فضل موسى من هذه الجهة أفضليته مطلقًا.
( رواه) أي أصل الحديث المذكور ( أبو سعيد) الخدري ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سبق موصولاً في كتاب الأشخاص.